ترجمة خاصة- الحل العراق

نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريراً تناولت فيه دور الشيعة العراقيين في احتجاجات اليوم ورغبتهم في إسقاط الحكومة التي لطالما كانوا من المساهمين في إيصال أفرادها إلى السلطة.

فقد انقلب الوسط الشيعي العراقي خلال الأسابيع الماضية على الحكومة المركزية في ثورة مفتوحة قامت ضدّ النظام الذي ساهم الشيعة أنفسهم في دعمه، حيث تحوّل الداعمون الأساسيين للنخبة الحاكمة في #بغداد إلى أصوات قوية في المعارضة.

ولطالما كانت الغالبية المسلمة الشيعية العراقية تشكل العمود الفقري للقيادة في بغداد منذ أن أسقطت #الولايات_المتحدة نظام #صدام_حسين وفتحت الطريق أمام السلطة السياسية الشيعية.

فقد صوتت المحافظات ذات الغالبية الشيعية، والممتدة عبر جنوبي العراق، لصالح السياسيين الشيعة في السلطة. وكذلك وقفت في صفوف الزعماء عندما تعرضوا للتمرد الذي قاده السنة، كما أرسلوا الآلاف من رجالهم لمحاربة تنظيم داعش.

لكن اليوم، يحارب شيعة تلك المحافظات ذاتها النظام الذي ساهموا في بناءه، مستاءين من الفقر وغاضبين بسبب الفساد المتفشي وإصابتهم بالإحباط بسبب تضحياتهم التي ذهبت هباءً.

فقد استولى المحتجون المناهضون للحكومة على الساحات والجسور وأغلقوا الطرقات وأحرقوا المباني الحكومية وسلبوها، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية التابعة لإيران، صاحبة النفوذ الشيعي والتي تربطها علاقات وثيقة مع القيادة في العراق.

من جانبها قامت #قوات_الأمن العراقية في مدن #النجف والناصرية الجنوبية في الشهر الماضي بقتل أعدادٍ كبيرة من المحتجين خلال يوم واحد، وهو جزء من الاحتجاجات التي أودت بحياة ما يزيد عم 500 شخص منذ اندلاعها في شهر تشرين الأول الماضي والتي أجبرت رئيس الوزراء #عادل _عبد _المهدي على الاستقالة.

إن ما يحصل في #العراق اليوم عرضٌ للغضب الذي، إذا ما استمر، يمكنه أن يغير تماماً نظاماً سياسياً نصّب منذ عام 2003. ومن المحتمل أن يعيد الغضب أيضاً تشكيل المستقبل السياسي للعراق والذي تُركت الأقليات الكردية والعربية السنية فيه على الهامش.

«لمدة ستة عشر عاماً، بقيت هذه الأطراف الشيعية في الحكم ولم يقدموا لنا أي شيء»، يقول حسنين القصيبي البالغ من العمر ثلاثين عاماً، وهو ناشط من مدينة #البصرة مركز النفط العراقي في الجنوب.

وقد طالب المحتجون بكل شيء، بدءاً من إعادة صياغة قانون الانتخابات إلى إلغاء الأحزاب السياسية والقضاء على الفساد. وقد أكد شعار الحركة السياسي “نريد وطناً!” إحساسهم العميق بالعزلة والغربة.

إلا أن #الحكومة_العراقية تعبر عن نقمتها من هذه الاحتجاجات من خلال إظهار القوة ضد المحتجين. فبحسب اللجنة العليا لحقوق الإنسان في العراق، فإن ما يزيد عن 500 شخص لقوا مصرعهم خلال هذه الاحتجاجات.

وقد تم استهداف ما لا يقل عن ستة ناشطين من خلال الاغتيالات على أيدي مسلحين ملثمين خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكذلك تم استهداف المتظاهرين بقنابل يدوية الصنع في العاصمة العراقية بغداد وفي مدن أخرى في الجنوب.

«إنهم لصوص»

ويبين التقرير بأن سبب تأجج الاحتجاجات لم يكن آني، وإنما بسبب تراكم الضغوط على الشعب العراقي نظراً لبقاء المال والنفوذ والفرص في أيدي قلة مختارة من قبل السلطة والسياسيين.

حيث يرى المحتجون بأن المسؤولين والقادة السياسيين المدعومين من قبل #إيران، بما في ذلك الميليشيات الشعبية الشيعية التي شاركت في محاربة تنظيم داعش، قد اغتنوا من المخطط المشترك الذي نتج عنه تقاسم السلطة والذي يدعم #النظام_السياسي في #العراق ويقسم الحكومة إلى غنائم تتقاسمها الأحزاب الحاكمة.

كما يقولون بأن ذلك المخطط قد تعامل مع الوزارات الحكومية على أنها إقطاعيات، بينما لم تقدم شيئاً للعراقيين العاديين.

«لهذا السبب نحن نحتج اليوم على ذات الأحزاب الشيعية التي صوتنا لها من قبل، لأنهم لصوص»، يقول الناشط القصيبي.

وقد حمل الطلاب والسكان ورجال الدين وزعماء العشائر وحتى المسؤولين المحليين مشاعر مماثلة للخيانة والفزع عبر المحافظات الجنوبية للعراق، من مدينتي النجف و#كربلاء الشيعيتين المقدستين إلى #الأهوار الفقيرة في #ذي_قار وميسان، على الحدود مع إيران.

وكان قد عاد الشيعة العراقيون، الذين تعرضوا للقمع في عهد صدام حسين، إلى بناء دولة جديدة بعد الغزو الأمريكي للعراق. وادعوا شرعيتهم من خلال الانتخابات والحشد تحت تهديدات المتمردين السنة بناءاً على دعوة زعيمهم الروحي آية الله #علي_السيستاني.

لكن وعلى مر السنين، ومع تزايد الغضب الشعبي بسبب المشاكل الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي إلى البطالة والفساد وغياب المياه الصالحة للشرب، غالباً ما أهمل القادة السياسيين في بغداد محنة المنطقة، حتى عندما كانوا يعتمدون على المحافظات الشيعية لدعمهم.

وفي حديث للواشنطن بوست مع نصيف جاسم الخطابي، محافظ كربلاء، في مكتبه، يقول هذه الأخير: «لقد ضحى الجنوب كثيراً، أولاً في ظل حكم صدام حسين، ثم تنظيم القاعدة، ثم تنظيم داعش».

والخطابي ومدينته الواقعة على بعد حوالي 70 ميلاً جنوبي بغداد، لهما تأثير كبير على تشكيل وجهات النظر الشيعية.

فكربلاء هي موطن ضريح الإمام حسين، أحد أكثر القامات المحترمة في الإسلام الشيعي. «لكنهم الآن قد وصلوا إلى مرحلة حيث يقولون: كم من الوقت يجب أن نضحي بينما الحكومة تهملنا؟»، يضيف الخطابي الذي أعرب عن تعاطفه مع مطالب المحتجين.

وفي الشهر الماضي، قام المحتجون في #كربلاء باقتحام القنصلية المحلية الإيرانية، وهو مبنى كبير أشبه بالحصن بجدرانه الخرسانية المرتفعة وتحيطه به الحواجز من كل اتجاه.

وفي أقصى الجنوب، في مدينة النجف، حيث يقع مركز التعليم الشيعي وموطن #مرقد_الإمام_علي قام المتظاهرون كذلك بإضرام النار في #القنصلية_الإيرانية في الشهر الماضي وبينما كانوا ينهبون المبنى كانوا يهتفون “إيران تطلع برا!” .

«نحن غاضبون جداً من إيران»، يقول ياسر مالك البالغ من العمر ثمانية وعشرون عاماً، وهو طبيب أسنان وناشط في المجتمع المدني في النجف.

ويضيف قائلاً: «إنها القوة الكامنة التي تقف خلف كل البؤس الذي نعاني منه». فقد عملت إيران، الحكومة الدينية الشيعية، بثبات على توسيع نفوذها في العراق من خلال زعزعة الحلفاء السياسيين والدينيين وتمويل وسائل إعلام محلية وإغراق الأسواق العراقية بالواردات الإيرانية الرخيصة.

دولة داخل دولة

ويبين التقرير بأن أقوى رمز لسلطة إيران هو الميليشيات الشيعية القوية التي تعمل إيران على تمويلها وتجهيزها.

حيث تنتمي هذه الجماعات إلى قوات #الحشد_الشعبي التحالف الذي ساهم أعضاءه في دحر تنظيم داعش. وتدير هذه القوات الآن وزاراتها الخاصة وتشغل مقاعد في البرلمان وتقود قطاعات اقتصادية رئيسية في البلاد.

ويقول المحتجون بأنهم يعتقدون بأن الميليشيات المدعومة من إيران، مثل #منظمة_بدر و#عصائب_أهل_الحق وكتائب حزب الله وغيرها، قد ساهمت إلى جانب #قوات_الأمن في قمع المتظاهرين.

«خلقت هذه الميليشيات الشعبية وحلفائها حالة دولة داخل دولة»، يقول جواد الخوئي، وهو رجل دين مستقر في مدينة النجف. ويضيف الخوني: «لقد استغلوا غياب السلطة الحقيقية واستخدموها لمصالحهم الخاصة».

والخوئي، الذي يقول بأنه يناصر مساعي المحتجين للإصلاح، مقرّب من السيستاني وغيره من رجال الدين الذين يروجون لمدرسة الإسلام الشيعي المتصوفة، والتي تدعوا إلى مقاربة عدم التدخل في شؤون الدولة.

الأمر الذي يتناقض بشكل كبير مع قادة إيران الذين يؤمنون بالحكم الديني. «يقول كبار رجال الدين في النجف منذ فترة طويلة بأن الوضع سوف ينفجر»، يقول الخوئي من مكتبه الذي يشرف على ضريح الإمام علي ذي القبة الذهبية.

كما أن دخول الميليشيات الشعبية إلى الاقتصاد العراقي أثار غضباً خاصاً. حيث يتشارك التجار وأشخاص آخرون بقصص غير مؤكدة في أغلب الأحيان تبين بأن المجموعات المسلحة تطلب رشاوى أو المشاركة في الأرباح، كما تنشر تهديدات بالموت لكل من يرفض طلبهم.

وكبرهان على قوة الميليشيات الشعبية الشيعية، قام وزير البناء والإسكان العراقي أواخر العام الماضي بنقل ملكية شركة “المعتصم” للمقاولات، والتي تعود إلى الدولة، إلى وزارة قوات الحشد الشعبي. وهي الشركة المسؤولة عن مشاريع بناء البنى التحتية الكبرى مثل بناء الطرقات السريعة والجسور في كل من النجف والناصرية.

«الميليشيات الشعبية المدعومة من إيران تسيطر على الاقتصاد بشكل كامل هنا»، يقول رحيم محمد، أحد قادة العشائر في ميسان، والبالغ من العمر خمسون عاماً.

ويضيف: “إنهم يسيطرون على المعابر الحدودية مع إيران، ويسيطرون على مواقف السيارات، كما استولوا على الكثير من الأراضي التي كانت تعود ملكيتها للحكومة وقاموا ببيعها من أجل تحقيق الأرباح. لا يمكن لأحد أن يحصل على وظيفة أو توقيع عقد ما لم يكن تابعاً لهم».

من جانبه اعترف محافظ النجف لؤي الياسري بأن الفساد المنتشر بشكل واسع هو السبب بإثارة الاحتجاجات. وفي حادثة رفيعة المستوى بشكل خاص، استدعت #هيئة_النزاهة العراقية، وهي هيئة تحقيق مرتبطة بالحكومة، العديد من كبار المسؤولين في النجف زعماً أنهم عملوا على تسيير عقد مزور لبناء مطار جديد.

ومن بين الأشخاص الذين أحيلوا إلى المحكمة كان مستشار المحافظ، بحسب ما ذكرت اللجنة في الشهر الماضي.

«الجميع مشتركون بالفساد. ففي العراق، أصبح الفساد ظاهرة»، يقول الياسري من مكتبه في النجف بينما ينقّل حبات المسبحة بعصبية بين أصابعه. ويختم حديثه بالقول: «بالتأكيد، لم يخرج الناس إلى الشوارع بدون سبب. النظام سيء».

 

ترجمها الحل العراق عن صحيفة (Washington Post) الأميركية


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة