ماذا يحصل في ميانمار؟
تواصل قوات الأمن في #ميانمار ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد مسلمي الروهينغا، ما عمّقَ الكارثة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث فرّ أكثر من 900 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش بحسب تقارير الأمم المتحدة، وذلك منذ أن بدأت الحملة العسكرية للتطهير العرقي في أغسطس/ آب 2017. أنكرت الحكومة أدلة مستفيضة على الأعمال الوحشية، وعاقبت صحفيين محليين بسبب إبلاغهم عن الانتهاكات العسكرية. وفي أغسطس/ آب 2018، وجدت بعثة أممية لتقصي الحقائق أن الانتهاكات العسكرية التي ارتكبت منذ 2011 “ترقى بلا شك إلى أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي”، وطالبت أن يواجه كبار المسؤولين العسكريين، بمن فيهم رئيس الأركان، التحقيق والملاحقة القضائية بتهمة #الإبادة_الجماعية والجرائم ضد الإنسانية و #جرائم_الحرب.

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، أفاد اللاجئون في #بنغلاديش عن استمرار انتهاكات قوات الأمن في #ميانمار، بما فيها “عمليات القتل وحرق المباني المتعمّد والإخفاء القسري والابتزاز والقيود الشديدة على الحركة والتعبير ونقص الغذاء والرعاية الصحية. كما أبلغوا عن عنف جنسي واختطاف نساء وفتيات في القرى ونقاط التفتيش على طول الطريق المؤدي إلى بنغلادش. يواجه العائدون إلى ميانمار الاعتقال والتعذيب من قبل السلطات”. هذا وهناك الآلاف من #المسلمين المحتجزين في معسكرات الاعتقال والمحرومين تعسفياً من حقهم بالحرية منذ عام 2012.

بالإضافة إلى ذلك، عزز القتال المستمر العنف الجنسي المتصل بالنزاعات، حيث تعرضت #النساء والفتيات النازحات داخلياً بشكل خاص للاستغلال والاعتداء الجنسيَين. كما باتت النساء اللواتي أصبحن بفعل الصراع واليأس الاقتصادي عرضة للاستدراج إلى الصين في ظل وعود زائفة، والاتجار بهن دون أن تتخذ حكومة ميانمار أية خطوات حقيقية لمنع ذلك أو لمعاقبة المجرمين.

ومن ضمن انتهاكات القوانين الدولية التي تمارسها الحكومة في ميانمار، كان للتجنيد الإجباري للأطفال حضور أيضاً، على سبيل المثال، حكمت السلطات على الجندي السابق “أونغ كو هتوي”، بالسجن عامين مع الأشغال الشاقة لإجرائه مقابلة مع الإعلام تحدث فيها بالتفصيل عن تجنيده القسري في الجيش في سن 14.

المجتمع الدولي يتدخل أخيراً
ارتكبت حكومة ميانمار كل هذه الانتهاكات على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي تعرض للكثير من الانتقادات لفشله في الاستجابة بشكل مناسب للانتهاكات التي يتعرض لها #الروهينجا في ميانمار.

ولكن في عام 2019، حدث تطوران مهمان في قضية ميانمار، حيث رفعت غامبيا، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بدعم من منظمة التعاون الإسلامي، دعوى قضائية ضد ميانمار في #محكمة_العدل_الدولية (الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة) على خلفية اتهامها بارتكاب إبادة جماعية ضد أقلية الروهنغيا. وطالبت #غامبيا في دعوتها المحكمة الدولية بـ”اتخاذ إجراءات لوقف الإبادة التي ترتكبها ميانمار فوراً”. وقال وزير العدل الغامبي، أنه أراد بهذه الخطوة “إيصال رسالة واضحة لميانمار وباقي المجتمع الدولي، بأنه يتعين على العالم عدم الوقوف مكتوف الأيدي وألا يفعل شيئاً في وجه الفظائع الرهيبة التي تحدث من حولنا”.

أما التطور الآخر فكان قبول المحكمة الجنائية الدولية في #لاهاي في ذات الشهر (تشرين الثاني/ نوفمبر) إجراء تحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل حكومة ميانمار ومن ضمنها ترحيل حوالي مليون من الروهينجا إلى بنغلاديش. والملفت هنا أن ميانمار ليست دولة طرفاً في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية وهذا شرط أساسي عادة لقبول هذه المحكمة للدعاوى، حيث أن المحكمة الجنائية الدولية لها ولاية على الدول الأطراف فقط، ولكن قبول ولايتها للنظر في قضية ميانمار جاء على أساس جديد مفاده بأن #الروهينجا فروا إلى بنغلاديش والتي هي بدورها دولة طرف في نظام روما.

يفتح هذان التطوران باباً جديداً أمامنا للتفكير في إمكانية أن تكون قضية ميانمار سابقة قضائية تعتمد عليها #سوريا لمساءلة ومحاسبة مجرمي الحرب في النزاع السوري أمام القضاء الدولي.

ميانمار في محكمة العدل الدولية
تأسست محكمة العدل الدولية بعد الحرب العالمية الثانية بهدف الفصل بين #النزاعات بين الدول، وبما أن ميانمار وغامبيا دول أطراف في اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية” 1948، كان من حق الأخيرة أن ترفع الدعوى، حيث تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه يجوز لأي دولة طرف أن تعرض نزاعاً على محكمة العدل الدولية بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية.

تختصر طلبات غامبيا من محكمة العدل الدولية بضمان معاقبة المسؤولين عن ارتكاب الإبادة الجماعية، ومطالبة ميانمار بالسماح بالعودة الآمنة للنازحين قسرياً، والحفاظ على كرامتهم وإعطائهم حقوقهم كاملة، وحمايتهم من الاضطهاد والتمييز الديني.

في العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، عقدت جلسة الاستماع حول الإجراءات المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية، والتي تعتبر ملزمة للأطراف، والتي بحال عدم التزام ميانمار بها، سيُحال الأمر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتنفيذ. ولا بد هنا من طرح سؤال حول فاعلية المجلس الذي وقف عاجزاً أمام الاستخدام الروسي والصيني لحق النقض (الفيتو)، فهل سيتمكن المجلس الآن من اتخاذ خطوات سياسية حقيقية لضمان تقيد ميانمار بالإجراءات؟

هذا ومن المهم أن نذكر هنا أن الحكومة السورية أيضاً عارضت سابقاً مشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو حكومة ميانمار إلى إنهاء حملتها العسكرية ضد أقلية الروهينغا المسلمة. ولكن هذا ليس أمراً مستغرباً من حكومة تمارس أبشع أنواع الانتهاكات ضد شعبها لما يقارب العقد من الزمن.

بما أن سوريا صادقت أيضاً على اتفاقية “منع الإبادة الجماعية”، ربما يكون اللجوء لمحكمة العدل الدولية باباً لمحاسبة مجرمي سوريا لارتكابهم جرائم ترقى للإبادة الجماعية، أو قد تكون اتفاقية “مناهضة التعذيب” 1984 والتي صادقت عليها سوريا أيضاً، سبباً في رفع الدعوى ضدها كما تنص المادة 30 من الاتفاقية “يجوز لأى من الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية بتقديم طلب وفقاً للنظام الأساسي لهذه المحكمة”.

ميانمار في المحكمة الجنائية الدولية
تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء. قد يكون قرار المحكمة قبول الدعوى الخاصة بميانمار مهماً جداً للحالة السورية، حيث أن ميانمار ليست دولة طرفاً في المحكمة ومع ذلك كان قبول الدعوى بسبب أن بنغلاديش هي الدولة الطرف، وهي المكان الذي لجأ له الروهينغا. ووفقاً لقرار الغرفة التمهيدية في قضية ميانمار: للمحكمة ولاية قضائية “حيث تم ارتكاب عنصر قانوني واحد على الأقل من عناصر الجريمة ضمن ولاية المحكمة، أو جزء من هذه الجريمة أرتكب في إقليم دولة طرف”، ويمكن تطبيق ذات القاعدة على الجرائم الأخرى التي يرتكب فيها عنصر من عناصر الجريمة ضمن ولاية المحكمة. والمقصود هنا، يمكن أن تكون قضية ميانمار سابقة لاستخدامها في رفع دعوى ضد الحكومة السورية لأن الأردن صادق على نظام روما عام 2002، ولجأ له حوالي 700 ألف لاجئ بحسب تقارير الأمم المتحدة الأخيرة.

وهذا ما قام به بالفعل مكتب المحاماة الدولي “غيرنيكا” والذي قدم بلاغاً لدى المحكمة الجنائية الدولية طالباً فتح تحقيق في ترحيل مدنيين من سوريا إلى الأردن، وتقدم المكتب المذكور بمعلومات ممثلاً لثمانية وعشرين لاجئاً سورياً كانوا قد نزحوا بشكل قسري عبر الحدود الدولية من سوريا إلى الأردن. ولكن ومن أجل أن يتم قبول الدعوى لا بد من إثبات تعمد الحكومة السورية تهجير المدنيين إلى الأردن ومعرفتها أن ممارساتها ستؤدي إلى عبور هؤلاء اللاجئين الحدود الدولية باتجاه الأردن وليس فقط تهجيرهم داخلياً والذي لا يعد ضمن ولاية المحكمة القضائية. كما يجب أن يتعاون الأردن في فتح التحقيق بملفات اللاجئين، مما قد يسلط الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون السوريون في الأردن والذي قد يكون سبباً في عدم تعاون الأردن في تحقيق المحكمة مما يشكل بالتالي عقبة في وجه رفع الدعاوى أمام المحكمة.

السوري لن يقبل بإفلات قاتله من العقاب
أخيراً، رغم هذه العقبات التي تقف في وجه السوريين لمحاسبة من أجرموا بحقهم، إلا أن التشابه بين قضيتي ميانمار وسوريا كبير، وتحقيق العدالة للروهينغا قد يكون الخطوة الأولى لتحقيقها للسوريين. الأهم أن أي محاولة في سبيل مساءلة مرتكبي جرائم الحرب لا تعتبر هدراً للوقت أو الجهد لأنه من المهم جداً أن يعرف العالم أجمع والحكومة السورية بوجه خاص أن السوريين لن يصمتوا عن حقهم، وأنه لا يوجد أي حكومة محصنة من المساءلة ولا يمكن السماح بالإفلات من العقاب. وإلى أن تأتي تلك اللحظة التي يحاسب بها المجرمون يجب علينا أن نبحث عن أي طريق ممكن للمطالبة بحقنا، وقد تكون قضية ميانمار طريقاً جديداً للسوريين من أجل رفع القضايا دولياً للوصول إلى العدالة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.