لعب الإعلام دوراً سيّئاً في هذه الأزمة، تمّ من خلاله تشويه وشبه إلغاء المنطقة المشتركة بين المعسكرات الفكرية المختلفة، وتم البحث عمّا يدفع للتنافر، بينما يعلمُ كلّ ذي ربع عقل أن لا معسكر يقدرُ على إلغاء معسكر آخر، مهما بلغت قوّته

—————————————————

علي وجيه

فجأة، انشقّ #العراق حقاً أو باطلاً، واقعاً أو إعلاماً، إلى معسكرين: إيرانيّ وأميركي. ليس بالضرورة أن يكون المعسكران نقيين حتى هذا الحد، يأتي معسكر يطابقُ الوليّ الفقيه حتى بسكناته، أو ترمب بكلّ شعرةٍ صفراء من شعره بالغ الشهرة، لكنّ هذا ما حدث، في بلد يسيّر فيه الفيسبوك تحديداً كلّ شيء.

لكن، ما هي بداية القصة؟ بدايتها التظاهرات، التي وقفت بكل صرامةٍ ضدّها #إيران والولايات المتحدة الأميركية على حدّ سواء، عبر استمرار حكومة عبد المهدي التي سالت في أيامها دماء الشباب، ولم تنقطع حتى اليوم، مع تشكيلةٍ قمعيّة بالغة التنوّع، من الاعتقالات إلى الضرب والقنابل المسيّلة للدموع.

لم يكن ليتصوّر الجميع أن صعوداً بالغاً سيشهده العراق لخطابٍ وطنيّ لا يندرج ضمن الهويّات الفرعية التي حطّمت ما حطّمت، وبقيتْ الساحة تهتفُ ضدّ التدخل الخارجي، وعلى رأسه #الولايات_المتحدة_الأميركية وإيران.

لكن إعلاميي المعسكرين، لن يتركوا الأمر ليسير بسلام، فعملت ماكينة “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” المموّلة إيرانياً، عبر قنواتها التي تفتقر إلى المشاهدين والمعلومة على حدٍ سواء، بتقديم وجبات كاملة الدسم من التحريض ضدّ الآخرين.

تأتي هذه الحملة، بعد خطوة ينقصها كثير من الحكمة وقراءة العلامات، حين وضع مدوّنون علمانيون، بعضهم مقيم في الولايات المتحدة الأميركية، صورة الممثل “خواكين فينيكس” بدور “الجوكر”، فاكتملت أركان الشيطنة بشكلٍ واضح.

ساهم بهذا، خطابٌ سياسي لزعيم #عصائب_أهل_الحق الشيخ #قيس_الخزعلي حين تحدث عن “مؤامرة أميركية اسرائيلية – إماراتية”، بتفاصيل كثيرة معروفة ليس هذا مكان تكرارها من جديد.

بالمقابل، قام المدوّنون الذين تعرّضوا إلى ما تعرّضوا له من تحريض وتأليب، بفتح المعركة وجعلها واضحةً، حتى بدأنا نرى أنّ أغلب كادر الحرّة يتبنى الخطاب السياسي الأميركي، بشكلٍ لا يختلف عن تبنّي كوادر “العهد” و”آفاق” و”الأنوار 2″ للخطاب السياسي الإيراني، بينما يغيب بشكلٍ كبير خطاب الدولة العراقية، التي صارت فندقاً لخرق السيادة، والضربات الجويّة.

أعلى درجات التوتّر، كانت بعد عملية المطار التي أسفرت عن اغتيال الجنرال سليماني ونائب رئيس هيئة #الحشد_الشعبي #أبو_مهدي_المهندس وهنا بدأ الانفصال العنيف بين المعسكرين الافتراضيين، بعد 3 أشهر من الكتابات المتبادلة، والمواد الموجّهة، الخاسر الوحيد فيها متظاهرو #ساحة_التحرير.

بدأت مفردة “الذيل”، في إشارة للمعسكر المقرّب من إيران، بالتداول شعبياً، بينما استمرّت القنوات بالحديث عن #الجوكر وكأن متظاهري التحرير كلهم قدموا للاحتجاج بعد أن قتلوا أمّهاتهم، كما فعل فينيكس في الفيلم.

ما بين المفردتين، انسحق عددٌ كبيرٌ من متظاهري التحرير، ومقاتلي الحشد، وفئة غير قليلة تؤمن بأنها ليست عدوّة لا للولايات المتحدة الأميركية ولا لإيران، وإنما ترتجي عدم التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، فضلاً عن طبقة سياسية معتدلة تم الشطب عليها من قبل متطرفيْ الاتجاهين.

وهذا الأمر بدأ أساساً منذ بداية التظاهرات، حيث تم الشطب على المنطقة الرمادية العقلانية، التي لا تؤمن أن هناك معسكراً لـ”الحق” وآخر “لـ”الباطل”، وإنما بالتداخل المجتمعي الذي يضمّ الجميع.

ما بين مفردتين قذرتين، سبّبتا انشقاقاً مجتمعياً هائلاً، تنمو تحته أسباب طائفيّة، وأخرى سياسية، وقلّة معرفة ووعي، يتساقط القتلى بعد التوتر الكبير الحاصل بين الاثنين، الأمر الذي استدعى أن يطلب مدوّنون عديدون من زعيم #التيار_الصدري أن يغيّر مكان تظاهرته المليونية في الجمعة المقبلة من ساحات الاحتجاج إلى مكان آخر.

ما هو ثابت، أنّ مقاتل الحشد، لا يبتعد كثيراً مناطقياً ونسباً وعلاقةً عن المتظاهر، وأنه في الغالب ليس له علاقة بالمعسكر الإيراني كي يتطابق معه تماماً، مثلما أن الشاب الذي يفتكُ به البرد في التحرير، قد لا يعلم أين تقع #السفارة_الأميركية أصلا.

لعب الإعلام دوراً سيّئاً في هذه الأزمة، تمّ من خلاله تشويه وشبه إلغاء المنطقة المشتركة بين المعسكرات الفكرية المختلفة، وتم البحث عمّا يدفع للتنافر، بينما يعلمُ كلّ ذي ربع عقل أن لا معسكر يقدرُ على إلغاء معسكر آخر، مهما بلغت قوّته، وأن التعايش والاسترخاء، والبحث عن المشتركات، هو الطريقة العقلانية الوحيدة، لمن يتداخلون مع إيجابيات المعسكرين هذين، مثل الاحتجاج، وتحرير الأرض، الهوية الوطنية، وإسناد القوات الأمنية.

لا بُدّ من فئةٍ تنهضُ لحمل المنطقة الوسطى بين المعسكرات هذه، انطلاقاً من الهوية الوطنية وسيادة البلاد، والعمل عليها، حتى إن كانت غير ناجحة سياسيّاً في زمن الزوايا الحادة والمحاور، فئة تحملُ الامتنان لمَن أسندوا القوات الأمنية، ولمَن خرج في التحرير ليقول “نريد وطن”، فئة تحمل اسم “الذوكر”، إن نفعت الذكرى.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.