صارت الميليشيات الشيعية التابعة للحشد الشعبي، التي تم تشكيلها وتسليحها في البداية من قبل #فيلق_القدس وهي وحدة النخبة في #الحرس_الثوري الإيراني، لمحاربة #داعش ، رأس الحربة للنفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني في العراق.

—————————————————–

ترجمة خاصة- الحل العراق

يرى عدد كبير من الشيعة العراقيين اليوم أن #إيران هي الضامن والمستفيد الرئيسي من وجود النظام السياسي الأقلوي الحالي والذي باتوا يرفضونه بشدة.

«يجب أن يكون #العراق سيد نفسه، يحكمه مواطنوه وليس هناك دور للأجانب في قراراته». تلقى الخطبة الأسبوعية لآية الله #علي_السيستاني صداها تحت الثريات في الحرم المليء بالمصلين.

ففي كل يوم جمعة، يقوم أحد ممثلي السيستاني في مدينة #كربلاء المقدسة  بتقديم الوعظ نيابةً عن أعلى سلطة شيعية في البلاد.

وهذه المرة، جاء دور السيد أحمد الصافي ليلقي الخطبة من أعلى المنبر المطل على قاعة الصلاة الكبيرة لضريح الإمام الحسين.

«يجب أن تستند السلطة إلى إرادة الشعب، والعمل من أجل خدمة جميع المواطنين من مختلف الطوائف الوطنية والدينية ومنحهم حياة كريمة وسعيدة في ظل الأمن المستتب»، يقول السيد بعمامته السوداء، وهي علامة مميزة لأحفاد النبي.

المرجعية الكبرى ليست موجودة، لكن الجميع وصلته الرسالة. فـ “علي السيستاني” يتهم #واشنطن وطهران، اللتان دخلتا في منافسة مفتوحة في العراق منذ سقوط #صدام_حسين  ويحث النخبة السياسية على الاستجابة لمطالب المحتجين.

«على رجال الدين تقديم النصح وليس الحكم»:

 في #النجف لا يغادر العجوز الحكيم، الذي يحظى باحترام أكثر من 200 مليون شيعي حول العالم، منزله المتواضع، الذي يحرسه رجال مسلحون، والواقع في زقاق ضيق ليس بعيدًا عن ضريح الإمام علي، المكان الرابع المقدس للإسلام.

فقد ولد ابن عالم الدين هذا عام 1930 في #مشهد بإيران، وانضم إلى #حوزة_النجف في عام 1952، وهي من أعرق المدارس الإسلامية الشيعية.

واتبع تعاليم آية الله أكبر عبد القاسم الخوئي، سلفه ومعلمه، التي تقوم على تقليد “الطمأنينة” الصوفي والذي بموجبه يجب على رجال الدين تقديم النصح وليس الحكم.

وعلى عكس #ولاية_الفقيه (المذهب الذي صاغه آية الله #الخميني والذي يعطي أولوية دينية على السلطة السياسية) فإن الحكمة القديمة للشيعة تحافظ على الابتعاد عن السياسة.

يقول #محمد_بحر_العلوم مؤسس معهد العلمين: «لا يزال آية الله السيستاني هو السلطة الوحيدة التي تعتبرها غالبية العراقيين شرعية. ففي هذه الأزمة، يلعب دور المستشار والوسيط بين السلطة والمجتمع، وهو موقف يعززه ضعف المجتمع المدني في بلد ما زال الحكم الوطني مرتبطًاً به التعسف والقمع والفساد. فآية الله السيستاني يريد قرار سياسي مستقل. وسلطة الحكومة يجب أن تأتي من الشعب».

وعند مفترق طرق شارع #الروان وشارع #الإسكان في الساحة المغطاة بالخيام متعددة الألوان، حيث مقر اعتصام المتظاهرين المناهضين للسلطة، يرحب الشباب في الجينز والأحذية الرياضية بدعم “علي السيستاني” لحركة الاحتجاج التي هزت العراق منذ شهر تشرين الأول الماضي.

يقول ثائر عبد علي، البالغ من العمر 23 عاماً وخريج جامعة الفنون الجميلة، موضحاً: «حتى لو لم يتبعه الجميع، فالجميع يستمع إليه. إنه الوحيد الذي يقول إن العراق يجب ألا يصبح ساحة معركة للقوى الأجنبية ولدعم مكافحة الفساد. يجب على أي شخص لا يريد مصلحة العراق أن يغادر البلاد، ولكن الأولوية هي التخلص من الأحزاب السياسية التي تسرقنا».

«في كل مكان تدخله إيران يحل الدمار»:

في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، كان “ثائر عبد علي” من بين المتظاهرين الذين وصفهم التلفزيون الإيراني الرسمي بأنهم «مثيري الشغب» والذين أحرقوا #القنصلية_الإيرانية.

وبعد شهر من حرق هذه القنصلية في كربلاء، أظهر الهجوم تصاعد المشاعر المعادية لإيران بين الشيعة العراقيين الذين كانوا يُوصمون ذات يوم من قبل صدام حسين بأنهم «الطابور الخامس لإيران».

حيث يقول هذه الشاب: «في #سوريا، #اليمن، وفي #العراق وفي كل مكان تدخله إيران، يحل الدمار. واليوم، لكي تكون رئيس وزراء في العراق، فأنت بحاجة إلى الضوء الأخضر من #طهران نحن نرفض البدائل الخاطئة التي تريد السلطة أن تسجننا فيها. الخيار ليس بين #داعش وميليشيات #الحشد_الشعبي أو بين إيران والولايات المتحدة الأميركية».

فميليشيات الحشد الشعبي، التي سبق الاحتفاء بها كأبطال في الحرب ضد تنظيم داعش، باتت اليوم أدوات للقمع الحكومي. وفي العديد من المحافظات، أضرم المتظاهرون النار في مقر هذه التنظيمات شبه العسكرية الموالية لإيران مثل #عصائب_أهل_الحق  و #منظمة_بدر وحركات العبدال.

من جهته، يقول فارام هاريس، الرئيس السابق لاتحاد كتاب النجف المنخرط في موجات احتجاج مختلفة منذ عام 2015: «يرى الكثير من العراقيين لاسيما الشيعة اليوم أن إيران هي الضامن الرئيسي والمستفيد من النظام السياسي والأقلوي الذي يرفضونه، حتى لو كان الكثير من الفساد وعدم الفعالية مما يقوض عمل المؤسسات العامة ويحرم المواطنين من حقوقهم سيستمران في الازدهار مع أو بدون الإيرانيين. هذا الشعور المعادي لإيران هو جزء من رفض أوسع لأي تدخل أجنبي».

أكثر من مليون إيراني على الأراضي العراقية

توحّد العلاقات الثقافية والدينية والعائلية منذ قرون بين إيران والمدن المقدسة في العراق، لكن الجمهورية الإسلامية استفادت إلى حد كبير من إطاحة نظام صدام حسين لتوسيع نفوذها هناك.

ويوجد اليوم أكثر من مليون إيراني على #الأراضي_العراقية وبالنسبة للغالبية، يتدفق الحجاج إلى المناسبات الدينية في المزارات الشيعية والتي تم ترميمها وتجديدها بفضل الاستثمارات الإيرانية، بالإضافة إلى السياح الذين ينفقون أموالهم في المحلات التجارية والمطاعم التي تحمل لافتات باللغة الفارسية.

وقد شجعت #طهران كذلك مئات الآلاف من الشيعة العراقيين، اللاجئين في إيران في ظل الديكتاتورية البعثية، على العودة إلى العراق لممارسة النفوذ السياسي هناك من خلال الأحزاب المتحالفة معها.

وأخيرًا، صارت الميليشيات الشيعية التابعة للحشد الشعبي، التي تم تشكيلها وتسليحها في البداية من قبل #فيلق_القدس وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، لمحاربة داعش ، رأس الحربة للنفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني في العراق.

ففي كربلاء، على سبيل المثال، يقوم اتحاد شركات إيرانية ببناء مجمع يزيد مساحته عن 130 ألف متر مربع، بما في ذلك صالات الصلاة والمكتبة والمتحف، مقابل ضريح #الإمام_الحسين.

وفي النجف، تساعد إيران في تمويل العيادات والمستوصفات بما في ذلك مستشفى الإمام علي، وخدمات الدعم للحجاج، بما في ذلك جمع القمامة والتخلص منها.

كما موّلت طهران وساعدت في إدارة مشروع طموح لتوسيع ضريح الإمام علي، بما في ذلك بناء متحف ومكتبة وقاعات دراسية لطلاب الدين. حيث تشارك خاتم الأنبيّاء، وهي شركة هندسية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، في هذه المشروع الضخم.

من جهة أخرى، تسعى طهران كذلك إلى توسيع نفوذها في التسلسل الهرمي الديني للنجف من خلال تمويل المدارس والجمعيات الخيرية، أو حتى  من خلال التبادل الجامعي.

حتى أن الزعيم الأعلى الإيراني #علي_خامنئي حاول دون جدوى الترويج لمرشحه لخلافة آية الله السيستاني. حيث تم إرسال محمود هاشمي شاهرودي، رئيس القضاء الإيراني السابق، في عام 2012 إلى النجف لإنشاء شبكة من المريدين ووضع نفسه كخليفة محتمل.

لكن الأمر لم يدم طويلاً. فقد تم استقبال تلميذ الخميني السابق، وهو من مواليد النجف، بشكل سيئ للغاية من  قبل زملائه، وانتهى به الأمر إلى العودة إلى إيران حيث توفي في شهر كانون الأول من العام 2018.

«لو شيّدت إيران مستشفيات بدلاً من دعم الميليشيات، لكان أفضل»

ومنذ ذلك الحين، يبدو أن الصراع الخفي على الزعامة الدينية للشيعة قد تحول إلى صالح علي السيستاني.

ويتزايد تأثير النجف في إيران، حيث تمول النجف شبكة خيرية وداعمة بمنح دراسية ما يقارب /49/ ألف طالب علم دين، أي حوالي 45 ٪ من القوى العاملة الدينية الإيرانية.

كما أن كبار الشخصيات الدينية الإيرانية يستقرون في النجف، وعلى وجه الخصوص علي الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، مفضلاً الحرية الفكرية للمدينة المقدسة على السقف الأعلى الذي فرضه المرشد الأعلى علي خامنئي على رجال الدين في #قمّ.

ويقول جواد الخوئي حفيد المرجعية أبو القاسم والذي وضعه صدام حسين رهن الإقامة الجبرية في منزله في أعقاب الانتفاضة الشيعية عام 1991: «هناك أقلية من رجال الدين القريبين من الأحزاب السياسية المؤيدة لإيران، والبعض الآخر محايد سياسياً، لكن الغالبية العظمى تتقاسم رؤية آية الله علي السيستاني وتدعم المتظاهرين. كل من يأتي بعد السيستاني لا يستطيع الابتعاد عن هذا التوجه».

حيث يتلقى هذا السيد المؤيد «لاحترام حرية الفكر وكذلك احترام الدين» التهديدات بانتظام ويعيش تحت الحراسة.

ويضيف قائلاً: «بصراحة، لو أن إيران تقوم ببناء مستشفيات أو طرق أو جامعات أو محطات توليد كهرباء بدلاً من دعم هذه المليشيات، لكان أفضل».

واليوم، هناك ما يقارب من 60 ٪ من العراقيين تقل أعمارهم عن 25 سنة. كما يتزايد عدد سكان البلاد بمقدار مليون شخص كل عام.

ويضيف الخوئي، البالغ من العمر 39 عاماً: «نحن لا نعوّل على إيران أو #الولايات_المتحدة_الأميركية ولكن على هذا الجيل الجديد الفخور بهويته العراقية. فمطالبهم واضحة وعادلة وقانونية. حتى لو لم يشعروا بالرضا عن كل شيء، كون الأحزاب السياسية الموجودة في السلطة لها داعمون وتشكل قوة مهمة سياسية واقتصادية وعسكرية، فإن هؤلاء الشباب يمثلون مستقبل العراق».

«الناس لا يثقون بقادتهم»

من جهته، يقول الشيخ وليد البعج، باحث في العلوم الدينية، بثقة: «الشيعة العراقيون الذين غادروا كانوا يتوقعون المزيد من السياسيين بعد إطاحة نظام صدام حسين عام 2003. واليوم، الناس لا يثقون بقادتهم. فالأحزاب الدينية الشيعية لا تمثل  لا الدين ولا المرجعية (القيادة الروحية) التي أدانت الفساد ودعت إلى الإصلاح».

مؤكّداً أن «المشكلة لا تأتِ من رئيس الوزراء #عادل_عبد_المهدي بقدر ما تأتي من الأحزاب والبرلمانيين الذين يتمتعون بسلطة كبيرة على الحكومة. لقد تم تعديل قانون الانتخابات للسماح بانتخاب المرشحين المستقلين».

معتبراً «أن تكوين المفوضية العليا للانتخابات يشمل الآن قضاة. وتحت الضغط، فإن الأحزاب السياسية التي يرفضها الشعب سوف تضطر إلى الانسحاب. تبقى قضية حساسة أخرى هي ميليشيات الحشد الشعبي والتي يجب وضعها تحت سيطرة الدولة، تمامًا مثل الجيش والشرطة».

 

ترجمها موقع الحل العراق عن صحيفة (La Croix) الفرنسية- بتصرّف

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة