ليلى، هند، خديجة، ماري، فاطمة، مريم، وفاء، بيوار،عبلا، فوزية، هرفين، سلمى، آسيا، عليا”، وغيرها الكثير، هي أسماء أمهاتنا وجدّاتنا التي صارت في بعض المجتمعات السورية، حبيسة بطاقاتهن الشخصية وجدران منازلهن، حيث وجدت المجتمعات الذكورية طرقاً مختلفة للالتفاف على ذكر اسم المرأة، فأصبحت تارة تدعى “حرم فلان”، وتارة أخرى “أم فلان”، أو “بنت فلان”.

في الطفولة كنت أعرف صديقات أمي وجاراتها بأسماء (أم عماد، أم ربيع، أم عاصم)، واسم أمي كان (أم زياد)، لم نكن نعرفهن بأسماءهن الصريحة المجردة من #الألقاب، كما أن أزواجهن كانوا ينادونهن، بوجود ضيوف أو خارج المنزل، بهذه الألقاب، حتى من لم يكن لها أولاد ذكور، كانت تنادى بـ “زوجة فلان” أو كان يتم اختيار اسم افتراضي لابن ذكر غير موجود لتعرف به.

الاسم الثلاثي
يقترن اسم #الأب بأسماءنا كجزء “رسمي” منها، وهذا ما يطلق عليه الاسم الثلاثي، وحديثاً بدأت بعض الشابّات وكردّ اعتبار لأمهاتهن وأسماءهن المغيبة، يعرّفون عن أنفسهن بذكر اسم الأم مقترناُ بأسماءهن، تقول الصحفية (#نضال_أيوب)، تجريد المرأة من اسمها، هو شكل آخر من أشكال تغييبها. تضيف نضال: قررت أن أسمي صفحتي الشخصية في “فيسبوك” باسم (نضال رندة)، كموقف رمزي من كل أشكال التمييز ضد النساء.

وفي القرى والبلدات الصغيرة، حيث يعرف السكان بعضهم البعض جيداً، طالما كنا نَسأل عندما كنا صغاراً، “ابنة\ابن من أنت؟”، والجواب يأتي بشكل أوتوماتيكي بذكر اسم الأب والكنية، وكأن دور الأم ووجودها ينتهيان عند عتبة المنزل.


أوراق النعوات وبطاقات الزفاف
“ببالغ الحزن والأسى، ننعي إليكم فلان”، ترويسة تتصدر عادة أوراق النعوات في الكثير من المناطق السورية. بعد هذه الجملة مباشرة غالباً ما يجيّر “الحزن والأسى” لرجال العائلة، ولايأتى على ذكر نسائها اللواتي، وبطبيعة الحال، فقدن هذا الشخص العزيز. وعند بعض العائلات عندما تكون المتوفاة امرأة، يُكتفى بالإشارة لها في ورقة النعوة على أنها “حرم فلان” أو “ابنة فلان”، بدون ذكر اسمها.

تقول (رهام أبو اللبن) مدرسة مرحلة إعدادية من دمشق، أذكر عندما كنت أدرس في المرحلة الجامعية اعتاد أصدقائنا الذكور، ومن باب المزاح مع بعضهم، أن يطلب أحدهم من صديقه أن يُريه اسم أمه في البطاقة الشخصية، فيرفض الأول رفضاً قاطعاً، وكأنما معرفة اسم الأم عيبٌ لا يغتفر. وحين كان يحدث هذا السجال أمامي، كنتُ أسارع لأخبرهم بأن اسم أمي (إلهام) واسم جدتي (عفاف). حتى أن بعض الشبان كانوا يتحفظون على ذكر أسماء أخواتهم أو معارفهم من النساء فينعتونهن بـ “المستورة، المحروسة، الأخت، إلخ”.

نضيف رهام، في وسط دمشق، وقٌبالة مقهى (الروضة) الشهير، تشاهد عشرات النعوات التي إما لاتحوي #أسماء النساء، أو أن المارة قاموا بشطب أسماء النساء كنوع من الاحتجاج على ذكرها.مشيرة إلى أن بعض العائلات كانت تتعامل بنفس العقلية مع بطاقات حفلات الزفاف، فيكتبون اسم العريس، ويستبدلون اسم العروس بعبارة “كريمة فلان” دون الإشارة لاسمها.

وحالياً، انسحب الأمرُ على مواقع التواصل الاجتماعي، ونلحظ أن الكثيرات من #النساء يسمّون حساباتهم الشخصية بأسماء وهمية، تحمل بدورها صوراً وهمية، وتختلف هنا الدوافع، فمنها لضمان الخصوصية أو لتجنب المضايقات، إلا أن بعضهن يلجأن للأسماء المستعارة مدفوعات بضغط من الأهل أو المجتمع الرافض لحرية حضور المرأة في المجال العام باسمها وصورتها وآرائها الحقيقية.

تاريخياً
بالعودة إلى حقبات تاريحية قديمة، بقي اسم (زنوبيا) على سبيل المثال، منذ القرن الثالث وحتى يومنا هذا متداولاً كملكة لتدمر، وفي الجاهلية، لم يكن ذكر اسم المرأة معيباً، فلقد عرف عدي بن ربيعة أو المعروف بلقب (الزير سالم) باسم (أبي ليلى المهلهل)، وتقول المراجع إن (ليلى) كانت أكبر بناته.

ومن عهود “الديانات السماوية”، عبرت نساء كـ (خديجة، عائشة، مريم، سارة، رفقة)، بأسمائهن، حقبات تاريخية ومازالت أسمائهن متداولة ولم يكن ينادين بـ “أم فلان أو زوجة فلان أو ابنة فلان”.

بالعودة إلى أمي وجاراتها وصديقاتها، فتكريماً لهن وفخراً بهن بدأنا نناديهن بأسمائهن (سامية، دنيا، باسمة، يسرى). كلهنّ أمهات جميلات، لكنهن أجمل بأسمائهن التي حملنها طفلات ثم شابات ثم أمهات، والآن جدات.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.