علي وجيه

مع استعادة شعار “ثورة العشرين الثانية”، عام 2020، من قبل زعيم #عصائب_أهل_الحق الشيخ #قيس_الخزعلي، يتبيّن لكل مهتمٍ بالشأن السياسي، وتطوّر الفكر السياسي للجماعات، أن العقل السياسي الشيعي العراقي ما يزال في لحظة 1920، وهي اللحظة التي تركت فراغاً سياسياً لهذه الجماعة البشرية، ما أدّى لقمعها نحو 8 عقود، بسبب غيابها عن كل مفاصل المجتمع، وأولها السلطة.

لكن النظرية، غير اللحظة المنفعلة التي أعقبت التوترات الأمريكية الإيرانية، تلك التي بدأت مع التضييق على الملف النووي، ولم تنتهِ باغتيال أبرز قائدَيْن ميدانييَن شيعيَيْن في المنطقة: الجنرال #قاسم_سليماني، وأبو مهدي المهندس.

الأمر في #العراق مختلف عن مناطق النفوذ الستراتيجي لإيران، المعادلة تختلف عن #لبنان وتواجد #حزب_الله، أو فئات المعارضة البحرينية، أو #السعودية، أو المعسكر الحوثي اليمني، لأن العراق يمتلك تداخلاً واضحاً بين الشؤون الأمريكية والإيرانية، ولعلّه البقعة الأخطر للطرفين.

تختلف الفصائل الشيعية في التفكير الداخلي بشكلٍ شبه جذريّ، وإن تشابهت في الرايات والشعارات، ولعلّ ما يهمّنا هو النزوع باتجاه الدولة، أو بالأقل، باتجاه السلطة، وترك السلاح والوصول لمصدر القرار، ففي حين يمتلك فصيل مثل “بدر” إرثاً من التناغم والتمويل والعقيدة مع #إيران، يتنقلُ #هادي_العامري بمنطقةٍ سياسية عقلانية الى حدٍ كبير، والأمر مختلف مثلاً عن #النجباء، التي لا تمتلك تمثيلاً سياسياً، وتتطابق خطاباتها إيرانياً بشكل شبه تام.

أما عصائب أهل الحق، فكانت المرشّحة بشكلٍ ممتاز للانتقال لمعسكر الدولة، عبر إشارات بثّها الخزعلي غير مرّة في خطاباته، لولا اللحظة المنفعلة التي جعلت العصائب التي تطوّرت سياسياً تعود إلى لحظة الفصيل المسلّح المجرّد، واختفت تقريباً، كلّ الجهود السياسية التي قاموا بها بعد انتهاء الحرب على #داعش، وانتقالهم بالأقل في مجلس النوّاب من نائب واحد إلى 15 نائباً، ووزيرين مهمّين رمزياً بالأقل (الثقافة، العمل والشؤون الاجتماعية).

لا أحد يبقى حاملاً السلاح طوال حياته، ولا بُدّ للعودة لقواعد الاشتباك التي خُرقت أكثر من مرّة أمريكياً، لكن إيران تعاملت بهدوء السياسي الذي سيستثمر كلّ قطرة دم من اعتداء المطار في المفاوضات، بعد الضربات الرمزية التي استخدمتها طهران لحفظ ماء الوجه لا أكثر.

ليس أمام الفصائل إلاّ معرفة أنّ خيار “العراق الإيراني” و”العراق الأمريكي” هو خيارٌ خاسر، وأن مناطق النفوذ المشتركة لا تُحل إلاّ بالتوازن، وأن ما تفعله الفصائل هو ليس أكثر من ردود فعل تنتمي للستينيات من القرن الماضي، لا معنى لها في حروب 2020، حروب الطائرات المسيّرة والقاتل الاقتصادي والعقوبات التي تنطلق من تويتر ترمب، لتنهار قيمٌ اقتصادية لبلدان أكبر بكثير من بلدٍ مُنهكٍ مثل العراق.

أكتبُ الآن وفي ذهني “كتائب حزب الله في العراق”، الفصيل الراديكالي العقائديّ، والذي تطرَّف سياسياً بشكلٍ عنيف، مُعبّراً عن الضغوط الإيرانية التي دفعت العراق إلى خياراتٍ صعبة، لعلّ أبرز مؤشرات هذا التطرف الموقف من رئيس الجمهورية، وتهديده أكثر من مرّة.

باب الدولة ربما ليس عقائدياً، لكنه الأسلم للحفاظ على الدم، والنصر الذي تحقق على داعش وأخواتها، وهو الأسلم للشباب من المعسكرات المختلفة، وهذه اللحظة تحتاج إلى استحداث غرفٍ للتفكير السياسيّ لمختلف الفصائل الشيعية العراقية، التي تحتاج إلى اتباع النهج الإيراني في السياسة، أكثر من اتباع ضغوطها، قبل أن تصل ايران نفسها إلى قناعة أن عراقاً قوياً صديقاً أفضل من عراقٍ تابع، لا تسمح واشنطن أن يمر بسلام إيرانياً، مثلما لا تسمح إيران بمروره أمريكياً.

في لائحة ضحايا ضربة القائم الأمريكية ضد معسكرات الحشد الشعبي على الحدود، كانت الأسماء منحدرة من أكثر أقضية العراق فقراً وتهميشاً، من الجنوب تحديداً، ولحفظ هذه الدماء في المعادلة الأمريكية، لا بُدّ من ذراعٍ سياسيّ، يضغط باتجاه الولايات المتحدة، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، في بلدٍ ليس من الممكن أبداً أن يكون إيرانياً أو أمريكيا أبداً.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة