”التعليم هو حق من حقوق الإنسان وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لتفعيل حقوق الإنسان الأخرى. والتعليم، بوصفه حقاً تمكينياً، هو الأداة الرئيسية التي يمكن بها للكبار والأطفال المهمشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر وأن يحصلوا على وسيلة المشاركة مشاركة كاملة في مجتمعاتهم“.

قامت جميع أطراف النزاع السوري بالمساهمة بحرمان #الأطفال من أبسط حقوقهم ومنها الحق في التعليم. حيث أن هذه الأطراف المتحاربة لم تكتفي بتشريد الأطفال، وجعل الآلاف منهم أيتاماً، بل قامت جميعها بلا استثاء بنهب وتخريب المنشآت التعليمية واستخدام المدارس في الأغراض الحربية، كثكنات عسكرية أو مراكز للقناصة أو مستودعات للأسلحة أو مراكز للاعتقال والتعذيب. هذا وإن اعتقال وقتل المئات من الأساتذة والآنسات لعب دوراً أساسياً في انهيار النظام التعليمي ليؤدي ذلك إلى تقليل فرص الأطفال إلى أدنى حد في استئناف دراستهم وتحسين الآفاق المتاحة لهم في المستقبل.

قوات الحكومة السورية والقوات الموالية لها
بدأت الثورة السورية على يد أطفال #المدارس في درعا، ولكنها لم تنتهي باعتقالهم وتعذيبهم. ما زالت قوات الحكومة السورية تستهدف المدارس بحجة أنها مراكز للاحتجاجات. مما أدى إلى إغلاق المدارس تدريجياً، ومن الهجمات على سبيل المثال لا الحصر مدرسة الخنساء الأولية في جرجناز، والتي تم قصفها على يد القوات الموالية للحكومة بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حيث كان يتواجد في المدرسة حوالي 250 طفلاً قتل العديد منهم وأصيب آخرون، وأغلقت المدرسة لفترة، تحسباً من وقوع هجمات أخرى.

ومع بداية هذا العام 2020، استقبل أطفال مدرسة “عبدو سلامة” في إدلب أول يوم من سنتهم الجديدة بصاروخ مزود بقنابل عنقودية وهو سلاح محظور دولياً تم اطلاقه من قبل قوات الحكومة السورية، مما تسبب بمقتل خمسة أطفال ومعلمة وامرأة وثلاثة رجال مدنيين إضافة إلى إصابة أكثر من ستة عشر مدنياً آخر بجراح متفاوتة بينهم أطفال.

وفي ذات الشهر قامت قوات الأمن السوري (فرع الدوريات التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية) باعتقال اثنين وخمسين طفل فلسطيني سوري نزحوا مع عائلاتهم من مخيم اليرموك إلى بلدة يلدا جنوب دمشق هرباً من تنظيم الدولة (داعش) على المخيم، وكان الاعتقال على خلفية تمزيق طلاب مدرسة “الجرمق البديلة” لصورة “رئيس الجمهورية” خلال الدوام الرسمي.

هذا وقد تعرَّضت خلال السنوات الماضية أعداد لا تحصى من المدرسين، للقتل والإصابة والخطف والاحتجاز والطرد، ناهيك عن اكتظاظ الفصول الدراسية بـ #التلاميذ في مختلف الأعمار والمستويات وحضورهم الدراسة معاً. وتشير التقارير إلى أن السلطات الحكومية قبلت حضور الأطفال الأصغر سناً في المدارس، ولكن يُدعى أنها رفضت الاعتراف بالشهادات المدرسية الصادرة عن المجموعات المسلحة إلى التلاميذ في الصف التاسع وما فوقه. ويفرض ذلك على آلاف التلاميذ إعادة الدراسة ودخول الامتحانات مرة أخرى من أجل الالتحاق بـ #المدارس العامة. هذا وإن التجنيد الإلزامي في صفوف القوات الحكومية للشباب وقف في وجه إكمالهم لدراستهم وبناء مستقبلهم.

المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة
قامت المجموعات المسلحة خلال الفترات الماضية بقصف المدارس عشوائياً واستخدمها لأغراض عسكرية، مما زاد من خطر تعريض الأطفال لخطر القتل أو التسرب من الدراسة. كما تسببت قذائف الهاون ونيران المدفعية العشوائية في عشرات من الضحايا بين الأطفال في مدن حلب ودمشق وكذلك في محافظة إدلب. كما قام عدد كبير من مدراء المدارس بإغلاق المدارس أو نقل الصفوف إلى الأقبية.

وعلى مر السنوات، وبسبب تقييدات التنقل وانتشار الخوف من الاعتقال في نقاط التفتيش الحكومية، فرضت المجموعات المسلحة على كثير من الآباء حبس أبنائهم في البيت أو إلحاقهم بمدارس مؤقتة. وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كان الآباء يخشون من عدم قبول السلطات الحكومية للشهادات التعليمية واختاروا لذلك التعليم في البيت. ولم يكن الأطفال الذين التحقوا بالمدارس أوفر حظاً فقد تعرضوا للمضايقات بسبب ارتداء الزي المدرسي المعروف للمدارس العامة في المناطق الحكومية.

أما المدارس المدعومة من قبل السلطات التركية في عفرين والباب وجرابلس، فأضافت على المناهج المدرسية اللغة التركية كلغة إلزامية لتعلم المواد.

استخدم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) #التعليم كأداة للتلقين العقائدي بهدف خلق جيل من المؤيدين له. وكان يتم إخراج الفتيات فوق العاشرة من المدرسة، ليظل الأولاد الفتيان يتابعون منهجاً دراسياً صارماً يعكس معتقدات التنظيم. وكذلك يحصلون على التدريب على الأسلحة وتعرض عليهم بصورة روتينية شرائط الفيديو الدعائية، بما في ذلك عمليات قطع الرؤوس والإعدامات، وتعرضوا لعقوبات شديدة في حال عدم إطاعة القواعد.

وفي المخيمات لم يكن حال الأطفال أفضل. فعلى سبيل المثال، ظل الوصول إلى التعليم في مخيم الهول غير كافٍ، مع وجود ستة وعشرين ألف طفل خارج المدارس. وقد ضاعت على هؤلاء الأطفال سنوات التعليم قبل نزوحهم. وكذلك في مخيم الركبان، لم يحضر عشرات الأطفال الفصول الدراسية طوال السنوات الخمس السابقة وكثير منهم لا يعرفون القراءة والكتابة.

 إحصائيات في ظل الحرب السورية
حتى نهاية عام 2019، توقف أكثر من 2.1 مليون فتاة وصبي داخل سوريا عن الذهاب إلى #المدارس على أساس منتظم،  بينما 1.35 مليون طفل تحت خطر ترك الدراسة. كما تم تسجيل حدوث اعتداءات على أكثر من 385 مدرسة ومركز تعليمي منذ عام 2014، وحصل تدمير لـ2 من كل 5 مدارس في سوريا بسبب الحرب. وبات أكثر من ثمانمائة طفل لاجئ في دول الجوار بدون تعليم، ويتواجد القسم الأعظم منهم في لبنان.

تعليم اللاجئين السوريين في الخارج
بحسب الإحصاءات فإن عدد كبير من اللاجئين السوريين من مختلف الفئات العمرية في الدول الأجنبية أميين بلغتهم ولا يتقنون أي لغة أجنبية، بسبب تركهم للدراسة في مراحل مبكرة من عمرهم. غالباً ما يرفض هؤلاء تعلم لغة البلد الذين يعيشون به وبالتالي لا يستطيعون إكمال تعليمهم أو تطوير أنفسهم، بينما تقوم القلة النادرة منهم بالتصميم على الاندماج بالمجتمع والسعي لتطوير أنفسهم عن طريق اتباع دورات تعليمية دراسية أو مهنية.

أما بالنسبة للأطفال والشباب الصغار منهم فيتم تأهيلهم لغوياً لمتابعة تعليمهم في المدارس الأجنبية ليكملوا فيما بعد التعليم الجامعي متحدين كل ظروف اللجوء والغربة. من جهة أخرى، يواجه الطلاب الجامعيين السوريين صعوبة في إثبات شهاداتهم السابقة في سوريا لصعوبة إحضار الأوراق المطلوبة، مما يضطرهم إلى الدراسة لسنوات إضافية لتهيئتهم لدخول الجامعة، أو قد يضطرون عند وجود شهاداتهم معهم إلى الخوض في سنوات دراسية إضافية لتعديل الشهادة السورية بما يقابلها من الأوروبية.

لم يكن الأطفال #اللاجئين في بلدان الجوار (لبنان، والأردن، وتركيا) بنفس حظ اللاجئين في الدول الأجنبية، حيث أن أكثر من نصف الأطفال اللاجئين في دول الجوار لا يتمكنون من الالتحاق بالمدارس بسبب صعوبة الحياة التي يواجهها أهلهم وبسبب السياسات الحكومية في تلك البلدان والتي لا تعطي أي أولوية لتعليم هؤلاء الأطفال.

المنهاج الدراسي في سوريا
إن المنهاج الدراسي السوري ورغم محاولات تطويره، ظلّ منهاجاً بدائياً يرتكز بشكل أساسي على حفظ الطلاب للمعلومات الموجودة في الكتب بشكل نظري ليتمكنوا من الإجابة على أسئلة الامتحان بشكل نسخ ولصق من ذاكرتهم على ورقة الإجابة، ولا يراعي طرق التعليم المختلفة للأطفال أو درجات وأنواع ذكائهم.

لا يقوم التعليم في سوريا بتحدي التلاميذ أو دفعهم للتفكير، تطوير أدمغتهم، أو خلق مهارات حل المشاكل لديهم ليقوم بتخريج طلاب يواجهون تحدي كبير في مواجهة الحياة ومصاعبها لوحدهم في المستقبل، إلا فيما ندر من الطلاب الذين يقومون بالتصميم على النجاح وتطوير أنفسهم. من جهة أخرى لا شك أن فرص الأطفال المدعومين من قبل أهلهم سواء بنشاطات إضافية، أو معاهد خاصة أو حتى ألعاب تعليمية أفضل على خوض غمار الحياة فيما بعد.

لا يوجد ضمن المنهاج السوري مواد اختصاصية لتفيد التلاميذ في خياراتهم الدراسية الجامعية بل تفرض على جميع الطلاب مهما كانت رغباتهم وخياراتهم المستقبلية نفس المواد الدراسية، نفس الامتحانات، وحتى نفس العلامات المطلوبة للأفرع الدراسية الجامعية. كما أن بعض المواد المدرسة موضوعة خصيصاً لغسيل دماغ الأطفال وزرع أفكار سياسية معينة لديهم



المدارس النموذجية الخاصة
تعتبر الأقساط المدرسية في المدارس النموذجية الخاصة بدءاً من مرحلة الحضانة عالية نسبياً مقارنة مع متوسط الدخل السوري. تسمح معظم المدارس النموذجية بتقسيط تكاليف الدراسة على أهالي الطلاب على مدار السنة ولكن عملياً يواجه الأهل صعوبات بالغة في توفير أقساط أبنائهم الدراسية، خاصة في حال وجود أكثر من طفل لديهم. يضاف إلى الأقساط المدرسية تكاليف الكتب واللباس المدرسي الخاص بكل مدرسة مما يزيد من الأعباء المادية على الأهل.

ولكن لماذا يضطر الأهل إلى اللجوء لوضع أطفالهم في المدارس النموذجية الخاصة بينما المدارس الحكومية مجانية للجميع؟ تقوم المدارس النموذجية الخاصة بتأهيل الطلاب علمياً، اجتماعياً، ونفسياً للحصول على تعليم جامعي أفضل في المستقبل سواء داخل أم خارج سوريا وبتأمين فرص مستقبلية أكبر لهم. تركز المدارس النموذجية الخاصة على اللغات الأجنبية (الإنكليزية والفرنسية) منذ عمر الثلاث سنوات وتقوم بدعم تعليمهم بالمواد العلمية من رياضيات، فيزياء، وكيمياء بالإضافة إلى دعم مواهبهم الفنية وتشجيعها من خلال خلق نشاطات فنية لهم من غناء، موسيقى، رسم وأشغال. كما تهتم المدارس الخاصة بالنشاطات الرياضية المختلفة، حيث تكون ملاعبها مؤهلة لقيام الطلاب باختيار الرياضات المناسبة لهم. كما أن هذه المدارس لا تلزم الطلاب بتعلم مادة “التربية العسكرية” التي  تغسل أدمغة الأطفال، وتجعلهم يشعرون بألفة عند رؤية الأسلحة، بل وتعلمهم أيضاً كيفية فكها وتنظيفها واستعمالها.

استهداف المدارس هي جريمة حرب
يشكل حرمان الأطفال من الحق في التعليم جراء الهجمات العشوائية على المدارس انتهاكاً للالتزامات المنصوص عليها في القوانين الدولية. كما يعد استهداف الأعيان المدنية في أوقات النزاع جريمة حرب بحسب القانون الدولي الإنساني. هذا وإن استهداف المنشآت الحيوية مثل المدارس والنقاط الطبية هو جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، وبروتوكولي جنيف الأول والثاني، لعام 1977، والقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني. إن محاسبة المسؤولين عن استهداف المدارس هو أفضل دفاع لردع الهجمات عليها، ومن الواجب اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع هجمات غير قانونية في المستقبل على المنشآت التعليمية والطلاب والمعلمين، وتمكين آليات المحاسبة الفعالة أثناء النزاعات المسلحة.

المصادر:
“لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”
مركز “توثيق الانتهاكات في سوريا”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.