علي الكرملي

بلا مُقدّمات، ولا استهلالات، ولا تعريفات، انقسمَ المجتمع العراقي إلى نصفَين منذ احتجاجات الأول من أكتوبر وحتى اليوم، هكذا هي بكل اختصار، وبأبسَط صورَة.

النصف الأول، هو الذي نزل إلى الساحات والشوارع، احتجاجاً منه على الحكومة، والنظام، لفسادهما، على حد وصفهم، مُعلنيها صراحَةً في الكثير من المَسيرات، وكذا التسجيلات المُصَوّرَة، بأنّهم خرَجوا لإسقاط النظام.

أما النصف الثاني، فهو الذي يقف بالضد من الاحتجاجات والاعتصامات، وهُم بين هلالَين جمهور، ومُوَظَّفو، وماكينات الإعلام الخاضعة لأحزاب #الفصائل_المسلَّحَة المُوالية لإيران.

اختلفَت الكثير من الشرائح في تفسير ما دفَعَ بأولئك للوقوف بالضد من ثورة تشرين كما باتَت تُعرف في #العراق، لكِنَّ الكثير منهم يُفسّر ذلك، على أنهم مُتخوّفون من نتائج زوال هذا النظام.

خوفٌ من زوال المُكتسبات

وهُنا يقول الأكاديمي في #جامعة_بغداد “ديار الساري”، بما معناه، إن «زوال أحزاب الفساد، التي هم ينتمون إليها أو منتفعون منها، سيَعني زوال مناصبهم، ووظائفهم، ومكتسباتهم التي يمتلكونها».

في السياق، وليس ببَعيدٍ عن ذلك، تطعن الكثير من المحطّات الفضائية الخاضعة للميليشيات المُسلَّحَة التظاهرات بكل الطرق، وكذل تخوينها بأبشع الأوصاف والأساليب التي لا تمتّ إلى أساليب المُنافسة الشريفَة بصلَة.

وعن الصحفيين الذين يعملون في تلك المحطّات، يوضّح “الساري” لـ “الحل العراق”، أن «أغلبهم يدعمون  الأحزاب التي تملك تلك المحطّات قلباً و قالباً»، لماذا ذلك الدعم؟

«لأنهم منتفعين من الامتيازات التي تقدّمها الأحزاب لهم، ومنها، أنَّ مُرتّباتهم عالية جداً مُقارنة بالعاملين في بقية المحطات غير الخاضعة لتلكُم الأحزاب»، يُبيّن الساري.

مُكملاً، «إضافة إلى ذلك، تقوم تلك الأحزاب أو الفصائل المسلّحة، بتوزيع قُطع أراضي للصحفيين العاملين بمؤسساتهم، فضلاً عن توظيفها لهم على الملاك الدائم في مؤسسات الدولة، بالتالي يكون لكل صحفي منهم راتِبَين في الشهر».

ولَكُم ولَنا أن نتَخيَّل السيناريو لو تم إطاحة النظام؟ ببساطَة سيتم غلق كل تلك المؤسسات الإعلامية، كما يتم البحث عن الفساد المستشري، وكيف تم توظيف أولئك بأساليب غير نزيهة، وكذا كيفية توزيع قُطع الأراضي.

مما يعني فقدانهم لكل تلك المكتسبات، وينطبق عليهم المثل الذي يقول «ما طارَ طيرً وارتفَع، إلاَّ كما طارَ وقَع»، ولأجل كل ذلك، هم يقفون بالضد من الاحتجاجات؛ لأنّها إن نجحَت، ستأكُل منهم الأخضر واليابس.

المُؤامرَة وسحبُ البِساط

ذلك فيما يخص المحطات الفضائية والعاملون فيها مِمَّن تقف وتُخوّن التظاهرات والاحتجاجات، لكن هُناك أيضاً جمهور تلك الأحزاب، الذين يُصدّقون الأقاويل التي أطلقتها (وتُطلقها) تلك الأحزاب على المُحتَجّين.

ومن أهم تلك الأوصاف التي أطلقَتها الأحزاب المُسلَّحة على المحتجين، أنها وصفتهُم بـ “الجوكَر”، والمُمَوَّلين من أميركا، هذا ناهيكَ عن وصفها لهُم بـ “الفوضوييّن، والمُخرّبين”.

فضلاً عن تلقين تلك الفصائل لجمهورها بفرَضيَّة “المُؤامرَة”، التي لا تُغادر مُخيُّلَة تلك الفصائل منذ عقد ونيّف من الزمان، وفي الحقيقَة كل تلك الأوصاف بحق المتظاهرين هي أقرب إلى الخَيال من الواقع.

لماذا؟ بكل بساطة، لأنَّ المحتجين والمُعتصمين، كانوا يُرَدّدون في أهازيجهم بالضد من #أميركا كما يردّدون بالضد من #إيران، فكَيف للمحتج المُمَوّل أميركياً، أن يُردّدَ ويحتج ضدَّ مُمَوّله، إن كان ما تَدّعيه تلك الفصائل صحيحاً؟

لكن لماذا يُصدّقُ ذلك الجمهور الذي لا تتوفّر لهُ أبسَط المقوّمات المعيشيّة بكل أقاويل الأحزاب تلك؟ هذا ما تُفسّره المُدوّنَةُ والصُحفيَّة “نورُ الحُسَين راضي” بقولها، إن «ذلك يعتمدُ على تفصيلَتَين».

«الأولى، أنهم ما زالوا يعتقدون بأن تلك الفصائل، هي فعلاً فصائلُ مُقاومة، وبكونها أحزاب عقائديَّة انبثقَت من مذهبهم (الشيعي)، وبالتالي ذلك الجمهور البسيط، يستبعد كُل شيء أمامَ العقيدة والمذهب»، تُبيّن لـ “الحل العراق”.

أمّا التفصيلة الثانية، فهي على حَدّ تعبير “نور الحُسين”، هي «تصديقهم بأن هذه الاحتجاجات (مُؤامرَةٌ) أميركيَّة لسحب الحُكم من الشيعَة، وأن التظاهرات تستهدف البيت الشيعي فقط؛ لأنهم يُصدّقون ما تقوله الأحزاب الشيعيّة، بأنّه عدم خروج الشارع السنّي للاحتجاج يؤكّد تلك المُؤامرَة».

وهُنا ما يمكن قوله، أن تصوير أميركا بالمحتلَّة، يُحرّك عواطف (الناس البسطاء) لاسيما وأن تلك الأحزاب والفصائل تُغَذّي عقولهم، منذ /١٧/ عاماً وحتى اللحظة بأحاديث التآمر الأميركي – الإسرائيلي)، وذلك شيء نجحت به الأحزاب، كما هو أحد الأسباب التي قتلَت كُل الاحتجاجات السابقة، هكذا هي الصورَةُ بكُلّ بساطَة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة