محمد الباسم

تحمَّلت #الناصرية سوء فهم العراقيين أو حرفِهم للحقيقة، تعمداً حيناً ومشاكسة أحياناً، ولأكثر من /100/ عام ظلّت #ذي_قار تُلقب بـ”الشجرة الخبيثة”، وبقي ابن الناصرية خبيثاً، وبمرور العقود كبُرَت هذه الخباثة وصارت سمعة تُلاحق أهل المدينة.

وكلّ خبيثٍ من الناصرية مجبرٌ على حفظ وترديد هذه القصة: أن تسمية “الشجرة الخبيثة” أطلقها جنرال عسكري بريطاني عام 1914، حين كانت المعارك قائمة بين الجيش البريطاني والقوات العثمانية، وكان الأهالي يقفون إلى جانب العثمانيين، وينقل أهل الناصرية قبل أن يصبحوا خبثاء بوقتٍ قصير الإمدادات والأسلحة والطعام وغيره عبر #نهر_الفرات، وكانت على الطريق الرابط بين الشطرة والناصرية، شجرةٌ كبيرة، يتخفى فيها مسلحون من مناصري القوات العثمانية.

هذه الشجرة أتعبت القوات البريطانية وشاغلته لأيام، حتى كُشف أمرها وصدر بحقها أمراً عسكرياً، قضى بتدميرها مع ما تحمل من مسلحين كانوا مثل العصافير يستقرون على أغصانها.

وظلَّ ينقل ابن الناصرية الخبيث، عن الجنرال البريطاني بعد اكتشاف أمر الشجرة، قوله: «اقطعوا الشجرة الخبيثة».

منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، يقول العراقيون عن الناصرية إنها “الشجرة الخبيثة”، ومنذ ذلك التاريخ يكتبُ شعراء المدينة، عن ناصريتهم المُقاوِمة والحزينة وأهلها الذين يحبون أرضهم القديمة، مثل الشاعر شاكر حنون الذي كتب في مقطعٍ من “أبوذية”: إشما فرّت رحى دنياك والدار، الذهب ذاك إبصِفاته ذهب والدار، خباثتها على حب الكاع والدار، صفة هاي التميّز الناصرية.

الناصرية، المدينة المنكوبة باعتراف #البرلمان_العراقي، تستمر باحتجاجاتها الساخنة الرافضة للنظام الحاكم، وبعد أن كانت #بغداد مرجعاً أساسياً للمحتجين في المدن المنتفضة، تبدو الناصرية اليوم هي المتسيّدة، ومنها تنطلق كل القرارات والمُهل للحكومة لتنفيذ المطالب.

وتُمارس “الشجرة الخبيثة” كما هي عادتها، كل الأدوار العراقية بواسطة أولادها الخبثاء بحبّ البلاد الذين لم يروا منها غير الدم، وأنهم الحطب الجاهز لكل معركةٍ تتسبب فيها سياسات الحكومات الخاطئة.

كان #صدام_حسين قد أجرم بحق المدينة حين جفَّف أهوارها الثرية بالخيرات، وقتل نظام البعث أولادها وطحنهم في حروبه ومقابره الجماعية، ثم واجهوا القتل من العراقيين الذين تحالفوا مع إيران، عبر الكمائن الخبيثة، بتهمة موالاة نظام صدام، ولم ترحمهم حكومات ما بعد 2003.

كانوا أهل الناصرية الخبثاء أول المتطوعين في صفوف الجيش والشرطة والحشد الشعبي لمقاتلة #داعش، وكانت تزفُّ العشرات من أولادها الخبثاء كل يومٍ بعد عودتهم من المطاحن في توابيت العراق، وهكذا حتى تفجرت ثورة تشرين.

يرى النظام في العراق، أن إخماد ثورة الناصرية يعني انتهاء التظاهرات في عموم البلاد، لذلك فإن عيون كل العراقيين على ذي قار، التي ينزف شبابها من رصاص السلطات، وتحاصرهم جيوش نظامية وغير نظامية، تخيَّلوا: عيون العراقيين على ابن الناصرية الخبيث.

الخبيثُ، الذي لم يحصد من حياته مع تعاقب الحكومات البعثية والإسلامية، غير الخيبة والجراح والفقر، ما زال يقاوم، وينشرُ عدوى الخباثة في حب البلاد، والشجرة التي حوَّت المقاتلين سابقاً، باتت تحوي متظاهرين مثل العصافير، وتحوَّل كل العراقيين إلى خبثاء.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.