تختبر النساء عنفاً خاصاً منذ طفولتهن، وأخص بالذكر في هذه الحالة #النساء_السوريات، لمعرفتي بالمجتمع وخبرتي به، لكن أنواع العنف تتشابه في البلدان العربية بشكل عام، وتختلف عنها في المجتمعات الأخرى التي يتخذ العنف فيها أوجهاً مغايرة لا ترتبط بالعادات والتقاليد الراسخة كما هي الحالة في المجتمعات العربية بشكل عام. 

جارتي التي كانت تُضرَب كل يوم
كان يعود كل ليلة إلى الشقة المجاورة غاضباً، أسمع صوته المرتفع ونَفَسه المضطرب، لم أكن أسمع صوتها أبداً. كنت ألتقي بها صدفة، وأحاول أن أسترق النظر إلى يديها فألحظ الكدمات فيهما، ولم ألمح يوماً شيئاً آخر، اجتمعت بها مرةً في بيت إحدى الجارات وكانت تتحدث عن كمية #الضرب الذي تعرضت له في الليلة السابقة. شيء غريب كان يسود الحديث. نوع من التواطئ معه، لم يقترح أحد أن تذهب إلى الشرطة، أن تشتكي لأهلها، أن تترك المنزل على الأقل، أن تطالب بالانفصال. كان الأمر اعتيادياً للغاية بالنسبة للجميع فهي الجارة التي تُضرَب. 

دخلت يوماً جارتنا إلى الإسعاف بإصابات وجروح عميقة على الوجه ومعظم أجزاء جسدها، ولا أذكر أني رأيتها بعد ذلك اليوم، كنتُ صغيرة، وكان هناك تعتيم عام على الأمر. ضمن مجتمع يقتات قصص الآخرين كملح للحياة اليومية، بدت قصتها محرمة على التداول.

رغم أن الحادثة حصلت منذ عشرين عاماً، لا زلت أشعر اليوم بالعجز تجاه أمر كذلك، ضمن مجتمع صامت في معظمه عن أفعال مشابهة.

مجتمعات تطالب بحماية المرأة من نفسها 
تكبر #الفتاة ضمن جو يُعزز #سلطة_الرجل، الذي يبدو أن من واجبه حمايتها أولاً من الذكور الآخرين، وثانياً من نفسها، فتتم معاملتها على إنها غير قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة حتى بعد نضجها، ويحرص #ذكور العائلة على حماية نسائهن بشكل مبالغ به، فعند خطبة البنت يطلب الأب من ذكور العائلة الحضور تحت ما يسمى ضمن دمشق “العِزوة” فالعادات تقضي بحضور الكثير من رجال العائلة لمباركة الحدث ربما، ولإثبات أبويتهم وسلطتهم أمام الذكر الجديد في العائلة. 

وتبقى سيطرة العائلة #الذكورية حاضرة ضمن العائلتين عند كل محفل، لكنها في الوقت نفسه لا تتمكن من #دعم #المرأة التي تجد نفسها وحيدة في منزلها عند أي مشكلة، أمام رجلٍ آخر يريد أن يفرض سيطرته، فتسعى لإخفاء مشاكلها كي لا يتدخل بقية ذكور العائلة. 

أدت هذه الحالة إلى تعاظمٍ في سلطة الزوج عند كل فرصة متاحة، ففي حالات المتزوجين الذين يضطرون للهجرة أو العمل خارجاً بعيداً عن أسرة الفتاة، تزداد نسبة المشاكل، فالفتاة التي يحكم المجتمع عليها بالحماية والسلطة تصبح وحيدة مع ذكر يستغل وجودها دون سند في غياب عائلتها، وتُحرض هذه الحالة العنف والذكورية الكامنة داخله، والتي نشأت أساساً من مجتمع مبني على الرغبة بالسيطرة والسلطة والتحكم. 

كان سفر الفتاة للزواج ضمن عائلات كثيرة في سوريا غير محبب لكثير من الأسباب التي يمكن أن نفكر بها، ولكنهم كانوا بشكل واضح يخشون عليها من الذكر الذي سوف يستفرد بها بعيداً عن عائلتها. 

ورغم أن هذه الحالات ليست عامة ولا يمكن وصف كامل المجتمع بها، إلا إنها كانت ولا تزال سائدة بشكل كبير كثقافة عامة تمارس دورها في إضعاف النساء وإرضاخهن. 

جلسات تحقيق ومحاكم منزلية
تُعامل المرأة في معظم مجتمعاتنا على أنها “قطعة من الزجاج الشفاف الذي لا يمكن لمسه كي لا يتسخ أو ينكسر”، ورغم الانفتاح الكبير الذي اخترق كل تلك العادات وتغير طبيعة العلاقات وفرض #النساء لرغباتهن وحاجاتهن ونضالهن من أجل حرياتهن في التجربة والتعلم والاختيار، إلا أن الغريب هو تمسك الكثيرين من الشبان في مقتبل العمر بهذه العادات التي تلجأ إلى محاسبة الفتاة عن كل خبراتها السابقة، وتتردد بين أحاديث النساء ذكرياتهن عن جلسات التحقيق التي تعرضن لها مع أزواجهن أو شركائهن لتقصّي تفاصيل الماضي، ومحاولة استنباط الذكريات وتفاصيل أي علاقة سابقة ولو كانت علاقة هاتفية أو حتى وإن لم تكن علاقة بل كانت سلاماً.

تتعرض النساء بشكل كبير للاتهامات بـ “شرفهن” وبأنهن لا يتمكنّ من ضبط تصرفاتهن ولجم رغباتهن، وتذكر النساء في جلساتهن أنهن يشعرن بأنهن يُعامَلن عند كل مشكلة مع الزوج أو الشريك كـ “عاهرات”. تضحكن أحياناً، لكن بعضهن يعاني بشكل حقيقي فهن تتعرضن لاتهامات حقيقية وجلسات تعذيب منزلية وعقوبات صارمة وإن لم تكن بالضرب، لكنها تتخذ شكل السيطرة والمراقبة والحرمان من النشاطات ومن الهاتف ومن نشر الصور والكثير من الحقوق الأساسية، وتُعامَل المرأة غالباً في ظل تلك الحالة، كـ “جزء من ممتلكات الرجل التي يجب أن تظل محفوظةً في علبة مغلقة”. 

هل يتغير شيءٌ في وقت قريب؟ 
تستمر التغيرات التي تطرأ على وضع المرأة في العالم، وبالأخص في العالم العربي، مع بزوغ ناشطات #نسويات قائدات في المجتمعات العربية، تطالبن بحقوقهن في حضانة الأولاد وفي الطلاق والزواج، في الاختيار وفي حرية التعبير، واللواتي ينعكس أثرهن أيضاً على مجموعة الحركات النسوية التي تنشأ بالتوازي في العديد من الدول العربية. ومن الجدير بالذكر إِثْر حادثة وفاة الناشطة التونسية لينا بن مهني هذا الأسبوع، أن رفيقاتها في النضال والحياة، أصررن على حمل نعشها إلى مثواها الأخير في سابقة أولى ضمن الوطن العربي، حيث يعتبر خروج المرأة خلف الجنازة أمراً غير مقبول في كثير من البلدان العربية.


نساء تونس تحملن نعش لينا بن مهني



لينا التي كان لها أثر كبير في الثورة التونسية وفي المشهد العربي النسوي، فارقت الحياة بسبب مرضها وهي لا تزال في السادسة والثلاثين لكن مثيلاتها من الناشطات ورفيقات الدرب في شتى أنحاء الوطن العربي يثبتن كل يوم أن المرأة العربية لن تكون بعد اليوم أداة تتحكم بها السلطات القمعية السياسية والاجتماعية على حد سواء. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.