محمد الباسم

لم تنته الثورةُ العراقية ولن تنتهِ، هذا هو الأكيد، والأكيد أيضاً أن حفلات القمع والعنف وقتل المحتجين ستستمر، ببركة الأحزاب الفاسدة والميليشيات المسلحة، لا سيما تلك المدمنة على التشقلب، من متوجسةٍ من الاحتجاجات إلى مؤيدةٍ ثم داعمةٍ ثم مُشككةٍ إلى مُصححة للمسار إلى قامعةٍ للحراك الشعبي، وتجسدت، أخيراً، كل هذه المواصفات بزعيم #التيار_الصدري #مقتدى_الصدر، الذي يستخدم جماعة #القبعات_الزرق لقتل المُنتفضين خنقاً.

خمسة أشهر من ثورةٍ حقيقية، تكاد تكون هي الأطول في تاريخ #العراق الحديث، اهتزَّت خلالها عروش المقدسين في العراق وكراسي القتلة والطائفيين والأحزاب المجاهدة، وراحت إلى شحن جماهيرها ضد الثورة وقد فشلت ذلك، واشترت إعلاميين، وأنفقت ملايين الدولارات على حملاتٍ صفراء لتشويه الثورة وفشلت، ولجأت إلى الرصاص والقناصة والاختطاف والترهيب والتهديد والترويع وفشلت أيضاً.

يمكن القول إن القوى السياسية والميليشيات المسلحة جرَّبت كل شيء مع المُحتجين ولم ينفع، حتى القبعات الزرق بقيادة مقتدى الصدر، ستفشل، هو أمر مجزوم به، فالميادين مزدحمة بالعراقيين منذ أكثر من 120 يوماً، ولا يهجع الناس.

هكذا، إن الثورة هشَّمت كل التيجان وحطمت كل التابوهات والأنوات التي كانت قبل أيام من الثورة مقدسة ومُرعبة، وتطوَّرت بسرعة فائقة إلى أن باتت اليوم تُمثل ظاهرة اجتماعية، ستكون في المستقبل الصداع المزمن لأي نظام يحكم بلاد الرافدين، سواء أكان إسلامياً أو علمانياً.

ولكن، ماذا بعد تجربة الاحتجاجات السلمية التي أظهرت يأس الهادئين وقد تحوَّل إلى تمردٍ هائج؟ ماذا بعد مقتل #صفاء_السراي وثائر الطيب وأمجد الدهامات وفاهم الطائي وغيرهم حوالي 700 ضحية، برصاص النظام؟ هل سيبقى هذا الجيل من المحتجين مؤمناً بـ”السلمية”، أم أنه سيخضع للعاصفة؟

والحق يُقال، إن النظام الذي يحكم العراق حالياً، لن يأبه إن قُتِل 700 أو ألف عراقي أو مليون، فالأحزاب المسلحة تنظر في النهاية إلى خزينتها، هيئاتها الاقتصادية، مشاريعها المرتبطة بتهريب العملة وشراء الشقق والفنادق في دولٍ عربية، وتسليح الأتباع، والاستعداد للانتخابات كجولة سباق مكشوفة النتائج.

هذه القوى المتسلطة، لا تفكر مثلما يفكر غالبية العراقيين المنتفضين، تظن أنها كل شيء، وأن “الجوكر” الذي موَّل العاطلين عن العمل من المحتجين، قد قضوا أخيراً بهراوات “القبعات الزرق”.

وما يزيد من القلق بشأن هذه الفكرة، هو عدم اعتراف أية جهة حكومية بالقتل الذي طال المتظاهرين، كما لم تعتذر أية جهة سياسية عن العنف، ولم تتكفل أية جهة برلمانية أو قضائية بالوقوف بوجه الاعتداءات التي أدمت العراقيين طيلة الأشهر الماضية، وهذا الخذلان، قد يدفع بشحن اليأس بتمردٍ أكثر.

إن تجربة العراقيين المريرة في ثمان محافظات انتفضت ضد النظام، ستترك جرحاً كبيراً في نفوس من بقي على قيد الحياة من الثوار، وهؤلاء قريبون جداً من الاعتراف بـ”السحل”، وأنه الطريق المختصر لإنهاء العذاب وسلطة السلاح، وأن لا قوة في العالم قادرة على قتل شعب كامل، لكن السحل، يعني أنهر جديدة من الدماء.

جيل “السحل” كارثي، إنه يرى عبر “يوتيوب” الدول الفقيرة تتحوَّل إلى جنائن بفضل حكمة الأنظمة الحاكمة، ويتابع أخبار بلده ولا يرى غير مقتدى الصدر يقود بلاده الغنية عبر صفحة وهمية في “فيسبوك” وتغريدات في “تويتر”، هذا الجيل سريع الانفعال، سيخرج منتفضاً، بسلمية أو بدونها، لكنه سيكون متأكداً أنه حتى لو سُحِل لمئات المرات، سيطالب بحقّه.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.