الهدف من تسليط الضوء على هذا الموروث، هو نبذ هذه الأمثال وليس إعادة استخدامها.

خطاب الأمثال الشعبية في جوهره خطاب ذكوري بامتياز، موجه من #الرجل صاحب التجربة الطويلة في الحياة إلى المبتدئ فيها، يقدم له صورة عن المرأة تحذره منها أو ترغبه فيها. تنتقل هذه الصورة من جيل إلى آخر عبر فعل التنشئة الاجتماعية، والذي تشكل الأمثال الشعبية أحد روافده الأساسية. والمفارقة أن #المرأة مسؤولة عن تكريس صورتها السلبية، باعتبارها فاعلاً أساسياً في مجال التنشئة الاجتماعية فالنساء هن اللواتي يستعملن الأمثال أكثر من غيرهن معترفات بشرعيتها، ومساهمات في نقلها إلى الأجيال الناشئة إناثاً وذكوراً بوصفهن فاعلاً أساسياً في تربيتهم.

منذ القديم كان للمرأة المكانة الاجتماعية الأدنى إذا ما قورنت بمركز ومكانة الرجل. ويمكن أن نرى ذلك جلياً في الكثير من #الأمثال_الشعبية، حيث أن بعضها على سبيل المثال يعكس ما يعطيه #المجتمع_الذكوري من حق للرجل بضرب المرأة، حتى إن كان الرجل ضعيفاً خارج بيته عاجزاً عن الرد على من يؤذيه، فهو قادر على ضرب #زوجته ليعوض عن ضعفه “الناس بتقتلني وانا بقتل مرتي”.

“المرأة أن وصلت للمريخ مصيرها الطبيخ”
إن أمثال كل أمة مستمدة من تجاربها في الحياة اليومية ومن أحداث وقعت لأفرادها وجماعاتها في تاريخها ونابعة من بيئتها الاجتماعية والجغرافية ومن محيطها الفكري والمؤثرات الثقافية، والاتجاهات الفكرية، والنزعات الدينية التي ظهرت في الماضي. في فترة طويلة من حياة النساء، لم يكن هناك أي سبب لخروجهن من المنزل، بل على العكس، خروج المرأة قلة احترام وسوء تصرف، فمهمتها الأولى هي العناية بـ #الأطفال والبيت و#الطبخ والتنظيف. والأمثال حول ذلك متعددة، منها، “المرأة أن وصلت للمريخ مصيرها الطبيخ” أو “شهادة البنت مطبخها” فمهما علا شأن المرأة مكانها الصحيح هو المطبخ!

“البنت مشمشة مين ما كان بيهزها”
يتناقل الناس كل #الأمثال التي تهين المرأة وتنقص منها، حتى دون انتباه لمعنى ما يقولون. على سبيل المثال، هناك أمثال شعبية عدة تتطرق إلى سلوكيات المرأة، فمن المعيب عليها أن تبتسم بلا سبب ” #البنت أن بيٌن سنها الحقها لو في حضن أمها”، وربطوا الموضوع بالشرف والكرامة، لأن عرض الرجل مرتبط دائماً بمدى (سترة) نساء أسرته. والمرأة جالبة للعار لمجرد كونها امرأة فـ”البنت مثل حلقة الباب، مين ما كان بيدقها” أو “البنت مشمشة مين ما كان بيهزها”، وطبعاً “شرف البنت زي عود الكبريت بيشعل مرة واحدة”.

“أم الولد بخير وأم البنت بويل”
لطالما كان هناك شعور بالعار والخزي من إنجاب المرأة “أم الولد بخير وأم البنت بويل”، أو “مبغوضة وجابت بنت” أي أن المرأة ورغم كونها غير مرغوب بها، فالأسوأ إذا ما قامت بإنجاب المزيد من البنات بدلاً من الصبيان!

والمرأة هي سبب كل المصائب والشرور. يقول المثل: “صار له مصيبتين: طلعت دقنه، وأجاه بنتين”، “الدنيا بلاها ملاها وأكثر بلاها من نسوانها” و “النساء حبائل الشيطان”.

وحتى إذا كانت الأمثال الشعبية تبدو وكأنها لا ترتبط بزمن محدد، وأنها تنتمي إلى الماضي، فلا يعني ذلك أنها لم تعد تؤثر في الحاضر وفي المستقبل، بل العكس، وربما لكونها جزء من الماضي، فهي تمارس سحراً، وتأثيراً خطيرين على الذهنيات، وعلى السلوكات، من منطلق أنها تمثل “حكمة آبائنا وأجدادنا”.

“البيت اللي راس ماله مرا، كلماله لورا”
قد يقول البعض مدافعاً أن هناك أمثال شعبية تقدم صورة #إيجابية عن المرأة، ولكنها في الواقع تظل محدودة العدد مقارنة مع غالبية الأمثال التي ترسم صورة سلبية لها. يحرض المجتمع الذكوري الآباء والإخوة على التخلص من بناتهن زارعاً في رأسهم فكرة أن الابنة خزي وهم لا بد التخلص منهما. مع المقارنة الدائمة بين الذكور والإناث، وعلى ذلك الأمثال كتيرة، منها: “جوز بنتك وابعد دارا ما بتجيك أخبارا”، “أبعد أختي عني، وخوذ غلتها مني”، “ابن الابن حبيب وابن البنت غريب”.

الأمثال الشعبية كـ #اللغة وليدة المجتمع، وبتعبير أدق وليدة التجربة الإنسانية في المجتمع، ولها أهمية كبيرة في حياتنا حيث تعتبر مرآة لتطور الشعب، وضروب تفكيره، ومناحي فلسفته، ومثله الأخلاقية والاجتماعية. كما لها وظيفة تربوية بما تتضمنه من حكم يفترض أنها خلاصة التجربة المجتمعية. وهي ليست مجرد أقوال عابرة عند الكثيرين، بل قوانين ودساتير لا تخطىء، يلجأ إليها العامّة لدعم حججهم ورد حجج غيرهم، وكأن المثل هو الحكم وفصل الخطاب فيما يتناقشون فيه.

“طاعة النسوان ندامة”
كثيراً ما تعامل #المجتمع مع المرأة على أنها قليلة الفهم، وناقصة الإدراك، والأمثال على ذلك حدث ولا حرج. “النسوان قليلات عقل ودين”، “طويلات شعور قصيرات عقول”، “المرأة بربع عقل” ولا يجب أن تلقي بالاً لرأيهن “اسمع للمرأة ولا تاخذ منها”، “شاور مرتك وخالف رأيها”، اللي بيدير دانه للنسوان بيتعب”، “اللي بيلحق النسوان صار منهن”، “اللي بيشاور المرا بيكون مرا”، وكأنها شتيمة أن تكون (امرأة).

ولم يكتف آباؤنا بالحط من مكانة المرأة ومراقبة كل تصرفاتها، بل امتد الأمر ليشمل التشكيك بمصداقيتها وبكلامها، محرضين على عدم الثقة بها مهما كان السبب: “لا تآمن للنساء ولو نزلت من السماء”، “الزمن والنسوان ما ألهن أمان”، وعدم ائتمانها على شيء “إذا كان بدك سرك يبان أعطيه لست النسوان”.

“الله بارك بالزلمة المشعراني، وبالمرا الحلسا الملسا”
أما عن رسم الصورة النمطية للمرأة فكان له مكاناً واسعاً في الأمثال الشعبية، حيث ساهمت الأمثال في نبذ فئات محددة من النساء أكثر من سواهن، ورسمت صورة مثالية لمفهوم المرأة “الجميلة”، مؤكدة على أن جمال شكل المرأة هو الأهم وليس عقلها. على سبيل المثال، اعتبر المجتمع أن حكمة الرجل وذكاءه هما ما يميزانه، بينما المرأة لا تفكر إلا في جمالها وشكلها ولا تستغل عقلها لأمور أخرى “عقل المراة في جمالها وجمال الرجل في عقله”. وعلى المرأة أن تكون مليئة بالأنوثة وإلا باتت شيطاناً رجيماً “اعوذ بالله من امرأة إذا اترجّلت”، و “البنت الحلوة نص مصيبة”. ولكن ما هي الأنوثة بحسب هذه التعاريف الذكورية؟ وما هو معيار الجمال المطلوب لإرضاء الرجولة؟ هل هي المرأة بيضاء البشرة؟ “خذها بيضة ولو مجنونة”، “مهما اشتغل جوز السمرا، ما بيكفيها بودرة وحمرة”، أم السمراء؟ “سمرا ونغشة ولا بيضة ودفشة”، لتعود هذه الأمثال أخيراً وتجعل من النساء مهما اختلف شكلهن وطبعهن، مجرد وسيلة للمتعة وسد حاجات الرجل الجنسية فقط “متى ما امسى المسا، تتساوىَ كل النسا”.

“البنت إن جرى دمها أعطيها للي يكفل همها”
وعن طموحات المرأة وأهدافها في الحياة، فقد كانت الرؤية أنها إنسانة سطحية لا هم لها إلا في أمرين لا ثالث لهما: “للمراة هدفان: تعجب الرجال وتكيد النسوان”، ومن أجل الحفاظ على نفسها وشرفها لا بد للمرأة من الاحتماء برجل يرعاها ويحافظ عليها، والأمثال حول هذا كثيرة منها “حرمة من غير راجل متل الطربوش من غير زر”، “أكثر المصايب لما يكون الراجل غايب”، “المرأة بلا رجال مثل البستان بلا سياج”، “ظل راجل ولا ظل حيط”، “يا بنت مين علاكي جوزك وبيت حماكي”، “البنت ضلع قاصر”.

أخيراً
إذا سلمنا بأن الأمثال الشعبية ما تزال متداولة، وما تزال ترسم صورة للمرأة، من خلال وضعها في قوالب جاهزة تصف شكلها وأخلاقها وأدوارها ونشاطاتها، ومسلطة الضوء على أنها قنبلة موقوتة قد تجلب العار بأي لحظة. وسلمنا ثانياً بأننا جميعاً نلعب دوراً مهماً في تناقل واستمرارية هذه الأمثال مع أو من دون وعي بذلك، سندرك أن تغيير الواقع لا يستقيم بدون أن نعمل جميعاً على الحد من هذا الاستعمال الغير واعي للأمثال. وأنا هنا لا أقصد الاستغناء عن كل أمثالنا الشعبية، على العكس هناك الكثير منها جميل ومهم ويعكس تجارب أجدادنا بشكل فكاهي حكيم، ولكن علينا أن نكون بدورنا أكثر حكمة في اختيار ما نريد وألا نكرر ما نسمع من دون إدراك. والواقع أن هناك خطابات أخرى تساهم بدورها في تعميق وتكريس هذه الصورة السلبية عن المرأة، لعل أبرزها الخطاب المدرسي، الخطاب السياسي، والخطاب الإعلامي. وليس غريباً إذاً في ظل هذه الخطابات أن تترسخ في الأذهان الصورة التقليدية للمرأة كأم وربة بيت وجسد، رغم التغييرات التي صنعتها المرأة لواقعها واقتحامها الحياة العملية والعلمية وإثبات نجاحها أينما كانت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.