نظرَةٌ على “الصدر”.. كيف منعَتهُ “الثُعبان” من تسَلّق “سِلّم” الانتفاضة؟

نظرَةٌ على “الصدر”.. كيف منعَتهُ “الثُعبان” من تسَلّق “سِلّم” الانتفاضة؟

علي الكرملي

لكل إنسان صورة مطبوعة عنه عند الآخر، مهما كان ذلك الإنسان ومهما كانت شخصيّته وقيمته، والصورة تلك في الغالب لا تكون رماديّة، إما سلبية محضة، أو إيجابية خالصة، أما الرمادية فما تحدث إلا بندرَة، وهُنا لا يمكن أن ننكر أن الصورة السلبية كما الإيجابية ليست ثابتة أبدَ الدهر، ثمَّة مُتغيّرات تجعل صورتك عن إنسانٍ ما تتحول من السلبية إلى الإيجابية والعكس.

وهُنا نحن اليوم، في إطار معرفة صورة رجل الدين #مقتدى_الصدر المرسومة لدى العراقيين، فـ شخصيّة “الصدر” التي عُرفَت وبرزَت بعد ٢٠٠٣،  ليس من السهولة بمكان أن تتكوّن صورة ثابتة عنها، أقلّها لنقُل من الصعوبة بمكان أن تظل إيجابية محضة عنه، بخاصّة بعد الاحتجاجات العراقية المستمرة منذ أكتوبر العام الماضي.

لا يُخفى على أحَد، أن “الصدر” هو الرجل الأبرز في عراق ما بعد “صدّام حسين”، فهو الكل في الكل في السياسة العراقية، كما في المنظومة العقائدية المُقاتلة خارج إطار القانون، وصفَةٌ عجيبة، تلك التي يمتلكها ذلك الرجل، عجيبَةٌ أن تسيطر على الحكومة، وأنت خارجٌ عن قانون تلك الحكومة، هُنا تكمن الوصفة.

“الصدر” ليس مجرّد رجل دين يمتلك أتباع – وإن كانت هناك اعتراضاتٌ عن تلك النقطة – إنّما هو (عَرّاب) الحكومات المتعاقبة التي يُشكّلها بمُباركته، ثمّ يخرج للاحتجاج عليها، وليس ذلك فحسب، بل يحاول تسلّق (الدرَج) في لُعبة “السلّم والثُعبان”، وهُنا أراد أن يحكم سيطرته على الانتفاضة ليتسلّقها دون آن تُطيح به الثُعبان، ومن هُنا محور صورته.

كبيرُهُم

«نظرتي عنه قبل الاحتجاجات وبعدها نفسها؛ لأنني كنت أعرف أنه في كل مظاهرات تُصار، يسعى لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية»، يقول الصحافي “سالم الأحمد”، لـ “الحل العراق”.

ويستدرك “الأحمد” في حديثه، وهو (اسمٌ مُستعار)، «لكنّني كنت أعتقد أنه يريد تحقيق مكاسب فقط، لم أكن أعلم أنه شريكٌ بالقتل، بعد “حادثة القبعات”، وبعد مظاهراته مع باقي فصائل المقاومة، حينها أدركت أنه كبيرهم».

زعيم كتلة #سائرون النيابية، صاحبة المقاعد البرلمانية الأكثر عدداً، كان قد باركَ اختيار “المالكي” لرئاسة الحكومة، ثم عاداه وانقلبَ ضدّه، وكان قد باركَ اختيار “العبادي” لرئاسة الوزراء، ثم تظاهر ضده في ٢٠١٦، حتى أنه نصبَ خيمَة له في “الخضراء” حينها، ثم جاء بـ “عبد المهدي”، وما أن خرج الشارع ضدّه، اصطَفّ مع “الشارع” ضد من جاء به.

عن تلك التقلبات يقول “الأحمد”، «هو ليس مُتقلّباً من دون هدف ما، بل تقلّباته ومواقفه تتغيّر حسب  ما تقتضيه المصلحة، فهو إن دعم الاحتجاجات وأراد استمرارها، فالغرض من ذلك هو تحقيق مغانمه، وإن أراد إنهائها، فذلك أيضاً حسب ما تقتضيه مغانمه، أو بمعنى آخر، أنّه قد نال ما يُريد».

جمهوريّةٌ إسلاميّةٌ عراقيّة

مُؤخراً، وعلى غير عادته، تدخّل “الصدر” في الشأن الاجتماعي للبلاد، بخاصة في زاوية “النساء”، حيث شنّ هجوماً حاداً يصفه كثيرون على “النسوة” ضمنياً، في تغريدة له اشتملت عدة نقاط، منها «أن لا تختلط النسوة مع الرجال في التظاهرات»، وذلك لأنه شابَ الاحتجاجات على حد وصفه «الفسق والفجور والتعرّي».

تقول الناشطة النسوية “آية الساعدي”، عن تدخّلاته مؤخراً في شؤون “المرأة”، إنّه (أي الصدر)، «شخصيّة مُتشدّدة لا تُؤمن بالحريّة الفرديّة ولا بسلطة الإنسان الحُرّة، وهو من خلال تدخّلاته تلك، يسعى إلى تكوين جمهورية إسلامية عراقية».

«كانَت نظرتي قبل (الثورة) تتسم بكونه لا يمثّل إلا أتباعه و الذين ضمن إطاره، أما الآن، فهـو بدأ يفرض نفسه كـ “وَلـي أمرٍ للعراقيين” أجمع، وبدأَ أتباعه بالهيمنة والتهجّم علَينا، فقط لأننا نرفض قائدهم، لكنّهم لا يدركون أن “الصدر” الذي يتميّز بأصالة شخصيّته أمامهم، إن أمره خارجٌ عن إرادته».

مُضيفةً في حديثها مع “الحل العراق”، «لكنّه لا يعلم أنّ تدخّلاته الراهنة فينا، ليست من صالحه؛ وذلك بسبب وعي الشباب والبنات في هذه الانتفاضة، بأن سلطة الأُمّة على نفسها هي التي تتماشى معهم، وليست “ولاية الفقيه” التي يسعى إليها».

ابنٌ مُطيع

وبالعودَة إلى الوصفَة العجيبة، فإننا تحدّثنا عن تحكمه بالسياسة والاحتجاج عليها، فَوقاً، وهُنا سنطرح الجانب الآخر من الوصفَة، وهو خروجه عن القانون، إذ مثلَما يعرف الجميع، أنّ “الصدر” هو أوّل من أسّس ميليشيا خارج نطاق الدولة عام ٢٠٠٤، تقتل بالناس، وتنهش بأجسادهم، تحت غطاء مُحاربة الوجود الأميركي في البلاد.

ومن عباءَته تلك، خرجَت جُل الميليشيات الأخرى الحالية، فأغلب قياداتها كانت تحت إمرته، ولم ينقطع بُرهَةً بعد تجميده ميليشيا “الجيش المهدي”، حتى شكّلَ أُخرى – هي نفسها – بصبغة جديدة اسمُها #سرايا_السلام، لكن وكأنما ذلك كُلّه لا يكفيه، حتى أخرجَ ميليشيا جديدَة تنال من المنتفضين تحت اسم #القبّعات_الزرق، ولحد اللحظة تدخلاته لا تنتهي.

وهذا ما يؤكده الناشط والمُتظاهر “علي المقداد”، بقوله، إن «الصدر لم يكن رجلاً جيداً البتّة، ومواقفة منذ ٢٠٠٤، ولهذا اليوم خير دليل، فهو لم يقدّم لـ #العراق غيرَ الطائفية، والدم، والفتنة»، مُتسائلاً، «الذي يقتل الأبرياء على “الهوِيّة” مرّةً تحت اسم “المهدي”، ومرّةً باسم “القبّعات’ أَلَيسَ خارجاً عن القانون؟».

أمّا عن تدخلاته في احتجاجاتهم، فيقول، «هي سلبية جداً؛ لأنّهُ يُريد أن يُلبس (الثورة) طابعاً دينياً، وهذا غير معقول؛ لأن المتظاهرين (الثوار)، هُم خليطٌ من جميع شرائح المجتمع، فيهم “اللاديني، والعلماني، والشيوعي، والإسلامي”، وغيرهم».

مُضيفاً لـ “الحل العراق”، «وسلبيّة أيضاً، لأنه يحاول ركب الموجة؛ ليكون قائداً وناطقاً باسم (الثورة)، وفي نهاية المطاف يخذل الجميع، “لو ألعَب، لو أخرّب الملعب”، والمظاهرات السابقة التي خذلها غير ما مرّة أوضحُ دَليل»، مُردفاً، «هوَ باختصار، الابن المُطيع لإيران التي دمّرَت العراق، واتّخذَ من اسم أبيه ذريعة».

شَريطُ فيلم

إن عرّجنا على نقطةٍ أُخرى تخص “الصدر”، فهذا الصدر، من أكثر ما جعلَ صورته تسقط يوماً بعد آخر، هي تطابق أفكاره وتناغمها مع الجارة #إيران، لأن ما قبل تقاربه معها، مُخطئٌ من ينكر أن للصدر صورة جيدة نوعاً ما حتى عند “المدنيين والعلمانيين، كما الشيوعيين”، بدليل اصطفافهم معه في السنوات القليلة المنصرمة.

لكن صورته تلك كُلّها تلاشت بعد إقامته في #قُم وتغيّره جذرياً من رافض لإيران إلى مُتَحابٍّ معها، وهُنا تقول الباحثة “فيروز قنديل”، إن «مقتدى ليس سوى (لعبة) تتحرك، لكن ليس بإرادتها، هو مجرّد شريط فيلم سيتم حرقه والتخلص منه حينما يتم إنهاء عمله، وإنجاز ما وُكِل إليه من قبل إيران».

«إن كان فِعلاً يُريد خدمة العراق وشعبه، فعليه أن يتناسى مصالحه، وأن يمنع القتل والقمع الذي يمارسه أتباعه بحق الشعب»، تُردف لـ “الحل العراق”، لكنها تستدرك، «وذلك هو أمرٌ من المستحيل أن يقوم به؛ لأنه كما أسلفت هو ينَفّذ ما تُمليه عليه #طهران، تحديداً “خامنئي”، الذي يعتبر “الصدر” ورقته الرابحة في العراق في هذه المدّة».

في الأخير، ولو تمعّنا في كل ما ذُكِرَ سلَفاً، سنجد أن “الصدر” الذي يتعكّز على قاعدة جماهيرية (كبيرة) من المُهمّشين والأُمييّن، لم يتّقِن لُعبَة “السلّم والثُعبان”، فبينما يحاول أن يتسلّقَ (درَج) الانتفاضة للوصول إلى مبتغاه، أطاحَت بهِ (ثُعبان) الانتفاضة نفسها قبل أن يصل لما يبتغي، وبذلك سقطَت صورته التي كان يحاول الحفاظ عليها أو يُجمّلها أكثر، ومن العُسر ترميمها قريباً.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة