علي وجيه

الحقيقة الواضحة في عراق ما بعد 2003، هو أنّ كل تغيير سريع، بأيّ طريقةٍ من الطرق، سيؤدي إلى نتيجة أسوأ من الأسباب التي دعت للتغيير، حتى إن تطابقت أخلاقياً مع الرغبة بتحسين الأوضاع، وأن العملية السياسية أو ما يشبهها هو قشرة بيض، لم تدخل طور التراكم، وأنّ أيّ محاولة تخرج عن نطاق التوازن بين المكوّنات الكبرى الثلاثة (الشيعة، السنّة، الكرد)، ستدفعُ بهذا البلد البالي إلى مزيدٍ من الخراب، وليس أمام العراقيين سوى “سنّة الحياة”، التغيير البطيء عبر تغيير المجتمع ومتبنّياته، مثل الأمم الأخرى التي تعلّمت من أخطائها.

العمليةُ السياسية العراقيّة، هشّة لدرجة أننا لا يُمكن أن نطلقَ عليها تسمية “عمليّة سياسية” إلاّ بكثيرٍ من التغاضي، ومحاولة إقناع النفس بأنّ هناك ما سيتطوّر، فإنّ ما يحدثُ في #العراق ومنذ 2003 هي عملية “تجريب” مستمرّة، تجريب غير تراكمي، يمرّ بمراحل غير منطقية وغير متوقعة من الازدهار والتخادم الدولي والإقليمي في العراق، لتكون هناك مراحل “تنفّس” وهدوء نسبي، ثم ينهارُ كلّ شيء، مع شبه يقين لدى أيّ عراقي بأن كلّ انهيار، مهما ساء، فإنه من الممكن أن يكون أسوأ.

لعلّ الأخطاء السياسية مصحوبة بتهدّم الإرث الرمزي السنّي بعد 2003، ثم ثمار #الحرب_الأهلية، وسقوط ثلث البلاد بيد تنظيم #داعش الإرهابي، كانت المرحلة الأبرز في العقد الأخير، قبل أحداث تشرين، ميْل السلطة الشيعية، ممثّلة برئيس الوزراء الأسبق #نوري_المالكي، في دورته الثانية، إلى محاولة الانفراد بالسلطة، ورسم ملامح ديكتاتوريّة وليدة، أدّت لِما لا تُفرحُ نتائجه، بعد استهدافٍ ممنهج لساسة السنّة، وعلى رأسهم نائب رئيس الجمهورية آنذاك #طارق_الهاشمي، ووزير المالية رافع العيساوي، والنائب أحمد العلواني، وأسماء أخرى من الطبقة السياسية السنّية.

هذه الأسماء لم تكن أسماء أنبياء بكل تأكيد، وتحوم حول أغلبهم شبهات عنف واتهامات بالإرهاب والفساد، لكن بالمقابل استهدافها لوحدها، كان يبعث رسالة قمعٍ شيعيّة، تجاه المكوّن السنّي الذي لعب سياسيوه على مفردة “التهميش” وأشعلَ فيما بعد تظاهرات “ساحات العزّة والكرامة” التي أدارها المالكي بشكلٍ سيء، أنتجت فيما بعد داعش.

التعاملُ السياسيّ بين المكوّنات وعلى يد هذه الطبقات السياسية هو تعاملُ تهديمٍ لا بناء، حيث تحرص الطبقات الداخلية للممثلين هؤلاء على شيطنة الآخر، وسلبه حقوقه، وصنع فجوة عملاقة بين هذه المكوّنات شعبياً، ما أدّى بشكلٍ واضح إلى أخاديد سنّية – شيعية، وشيعية – كرديّة، وسنّية – كرديّة وإن كان بشكلٍ أقل.

لكن الأمر الذي عُصب برأس المالكي بوصفه مسؤولاً شبه متفرّد آنذاك، انسحب ليكون موقفاً للطبقة السياسية الشيعية في هذه اللحظة، خصوصاً مع وجود أغلبيّة نيابيّة، شبه مجتمعة ومركزيّة بعد اغتيال سليماني والمهندس في بغداد، وظهر هذا الموقف بالتصويت النيّابي على “طرد القوات الأجنبية في العراق”، الذي لم يشترك فيه الكرد والسنّة، لعدم وجود مصلحة فئويّة في الردّ الرمزي هذا على الولايات المتحدة الأمريكية.

يبدو الأمر على وشك التكرار مُجدداً، في تمشية كابينة علاّوي عبر التصويت عليها بالأغلبية النيابية، فما حدث من جرح نرجسيّ كبير باغتيال قائدين شيعيين ميدانيين مثل سليماني والمهندس، وما ترتّب عليه من جلسة تصويت “شيعيّة” ضد تواجد القوات الأجنبية، أثارت غضب الشركاء، دون إعلانه بشكلٍ واضح، لكن كابينة علاوي التي تلاقي عدّة اعتراضات من المكوّنات الثلاثة نفسها، ستدفعُ باتجاه انشقاق سياسيّ أكبر، ربما ستكون نتيجته العراق كما نراه.

التوازن هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ هذا القشر الذي يُمكن لكل شيء أن يكسره، والذي إن كُسر ستكون نتيجة كسره أكثر خطأ وكارثيّة من بقائه، رغم فساده وإشكالاته الكبرى، فالعراق الذي تتنازعُ مكوّناته بهذه الطريقة، ومع وجود عوامل إقليمية، ومشاكل داخلية كبرى، ستكون الضريبة التي يدفعها كارثيّة، لو قرّر أحد المكوّنين، الانسحاب من قشرة البيض، وإعلان الانفصال، أو تخريب ما تبقّى من القشر!


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.