شهادة الناشطة الإعلامية منى البكّور، عن العنف اللفظي والمعنوي الذي تعرضت له خلال عملها في محافظة إدلب:


بدأ كلُّ شيء عندما كتبت صحفية ألمانية مقالاً عن حياتي بوصفي إعلامية، أغطي الأحداث من محافظة إدلب، ونشرته مرفقاً بصورة لي، بعد موافقتي عليه، ثم تُرجم للغة العربية، وتم تداوله في عدة مواقعٍ إلكترونية إخبارية عربية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي.

الأمر بسيطٌ جداً، كان مجرد مقالٍ عن حياة إعلامية في منطقة حرب. بعد ساعات فقط من ترجمة المقال ونشره بدأت تصلني مئاتُ التهديداتِ والشتائم وعبارات السخرية. أرسلوا لي أقبح العبارات والصور، كل هذا لأني قلت ما أريد قوله ونقله للعالم وللصحافة الغربية، كاشفةً عن وجهي وواثقةً من نفسي. كما يمكن أن يفعل أي زميل عامل في مجال الإعلام.

قد يكون الفرق أني #امرأة، ومحترفو إسكات أصوات النساء كثرٌ في مجتمعنا. لم يرقهم ظهوري الإعلامي بكامل قوتي، التي أعمل يومياً لاستجماعها، أرادوا أن يروا وجه امرأة خائفة، متشحة بالسواد، مختبئة خلف جدار، ربما.

تحولت قضيتي من قصة فتاة سورية تعيش واقع الحرب، وتقاومه بعملها منذ تسع سنوات، إلى مشكلة مع إمرأة تجرّأت على الكلام. دخلتُ مجال الصحافة والإعلام وأنا على دراية كافية بمخاطره وصعابه، وهذه لم تكن أول عاصفة مرت بي، ولكنها كانت الأعنف، وأنا متأكدة من أنها لن تكون الاخيرة.

عندما رأيت التعليقات المسيئة، والتهديدات على منصات التواصل الاجتماعي، رثيت لحال كاتبيها، ألهذه الدرجة هم ضعفاء؟ آلاف الذكور من انتماءات مختلفة، خصومٌ متحاربون، اتحدوا في مواجهة إمرأة واحدة. وحّدتهم ذكوريتهم، واجتمعوا على رأي مشترك لأول مرة.

لم أستغرب التعليقات والشتائم التي وجهها لي مؤيدو النظام، فهؤلاء يعتبروننا إرهابيين، ما هزني تعليقات من يعتبرون أنفسهم من الأقربين، وهم في الواقع الأكثر بُعداً ووحشيةً وظُلماً. أظنني تعلمت درساً مهماً من كل ما حدث: الآن أستطيع التمييز والرفض. نحن النساء في إدلب لسنا بحاجة لدفن أنفسنا، فقط لأن هناك طاغية يلاحقنا بطائراته المجرمة، لسنا بحاجة لإظهار جانب واحد من المعاناة، لإرضاء تحيزات من يشاهدنا. سنرفض السلطة الأبوية كما نرفض الحكم الديكتاتوري. لن يعيقنا نوعنا الجنسي. ولن نقبل أن نكون على الهامش.

تعاطف ودعم كثير من النساء جعلني أقوى، كان دعماً قوياً جاءني من كل مكان، وجعلني  أشجع وأفضل. إذا كان للديكتاتور آلاف الأبواق، وللنظام الأبوي ملايين الأذرع، فنحن النساء في كل مكان. سأعمل جاهدة على مساندة كل امرأة وفتاة بحاجة لدعم. سأشجعهن، كما تلقيت التشجيع، ليرفعن صوتهن عالياً، سأساعدهن ليقلن كلمتهن بعد النجاة من صاروخٍ أو قذيفة، أو بعد نجاتهن من عنفٍ لفظي ونفسي، أو تحرشٍ جسدي.

الثورة السورية لم تأت صدفةً، ولم تخرج من العدم، كانت تنتظر النور منذُ سنوات، تحتاج أصواتاً تقول الحقيقة وتهتف باسمها، هي بحاجتنا جميعاً، نساءً ورجالاً. سنقاوم  القذيفة والشتيمة، فكلاهما اعتداء على أبسط حقوقنا الإنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.