تقرير منتدى “بولسي فورم” حول سعي الصين للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، بالارتباط باستراتيجتها العامة في المنطقة.

الكاتب: إيزاك كفير

قدّر البنك المركزي تكلفة إعادة إعمار سوريا بـ 250 مليار دولار على الأقل، أي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في البلاد للعام 2010، تنوي الصين لعب دور رئيسي في هذه العملية.

توجد أدلة متزايدة على أن الصين تسعى لتعزيز وجودها المتنامي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال توقيع الحكومة الصينية لاتفاقيات اقتصادية كبرى مع المملكة العربية السعودية وقطر ومصر، وغيرها من البلدان العربية. وكان الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين قد زار الجامعة العربية عند توليه منصبه عام 1996، كما تبنّت بكين إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004.

 توفر المنطقة العربية كثيراً من احتياجات الصين للطاقة. فضلاً عن كونها سوقاً حيوياً ونشطاً، نظراً لارتفاع نسبة الشباب بين سكانها. ولأن الصين صارت “المصنع العالمي”، فهي تقدّر القوة الشرائية العربية المتزايدة على المستوى العالمي. ففي العام 2018 وحده، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين والعالم العربي 244 مليار دولار، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 28% عن العام 2017.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ احتفل في العام 2016 بالذكرى الستين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والعرب، ليس فقط من خلال زيارته للمملكة العربية السعودية ومصر، كذلك عن طريق إصدار أول “ورقة سياسة عربية”، وهي عبارة عن وثيقة تهدف إلى تعزيز التجارة بين الصين والدول العربية.

برز اهتمام الصين الخاص بسوريا في عدة مناسبات. ففي شهر أيار من العام 2017، أعلن تشي تشيان جين، السفير الصيني في دمشق، أن سوريا سوف تتلقى 8.7 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، في سياق مبادرة “الحزام والطريق” (BRI). من جانبه أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، في شهر كانون الأول من العام 2019، أن نظامه اقترح على الحكومة الصينية ستة مشاريع، في إطار تصميم الأسد على عملية إعادة إعمار البلاد، التي ساهم في تدميرها خلال حربه من أجل البقاء في السلطة.

 الجدير بالذكر أن بكين وعدت، في شهر تموز من العام 2018، بتقديم قروض بقيمة 20 مليار دولار، لإعادة بناء البنية التحتية في سوريا، إلى جانب قروض “الحزام والطريق”. منها  100 مليون دولار من  المساعدات الإنسانية، قدمتها إلى سوريا واليمن. وبعد أشهر قليلة، شاركت أكثر من 200 شركة صينية في معرض دمشق الدولي في دورته الستين. وكان الوعد الضمني الذي قدمته الشركات الصينية، التعهد بأنها ستقوم ببناء المستشفيات المتنقلة والسكك الحديدية، وتساهم بالمزيد في عملية إعادة إعمار سوريا.

سوريا مهمة بالنسبة لبكين لعدة أسباب: أولاً تريد الصين مجموعة متنوعة من الخيارات فيما يتعلق بعلاقاتها، سواء كانت الطاقة أو الاقتصاد أو الأمن. تدرك الصين أن محدودية خياراتها قد يجعلها عرضة للخطر، ولذلك تفضّل المخاطرة والحصول على شركاء محتملين متعددين، يمكن الاستفادة منهم في تلبية احتياجاتها المختلفة. وخير مثال على ذلك مبادرة “الحزام والطريق”، التي تتضمن ثلاثة طرق تجارية رئيسية، تربط الصين مع أوربا وأفريقيا: الطريق الأول هو طريق بري شمالي يمر وسط آسيا وروسيا وأوروبا، والطريق الثاني هو طريق مركزي يعتمد بالأساس على غرب آسيا والخليج العربي والبحر المتوسط، أما الطريق الثالث فهو جنوبي بحري بشكل أساسي، يمر من الصين إلى المحيط الهندي.

هذه الشبكة تمنح الصين مجموعة متنوعة من الخيارات فيما يتعلق بالتجارة والأمن. وعندما تتمكن الصين من نقل بضائعها عبر سوريا إلى البحر المتوسط، فإن ذلك يوفر لها مزيداً من الخيارات التجارية، فلن تحتاج حينها إلى الاعتماد فقط على تركيا، بوصفها قناة برية رئيسية إلى أوروبا. كما أن ذلك سيمنح الصين وجوداً في منطقة ذات أهمية استراتيجية.

 يتماشى هذا مع بقية سياسات الصين في المنطقة، فهي تملك حضوراً قوياً في مصر، وهذا يدعم تواجدها في إسرائيل. كما تسعى بشكل كبير لتعزيز علاقاتها بشكل أكبر مع حلفاء أمريكا التقليديين مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، اللذان يخضعان منذ فترة طويلة لهيمنة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

تدرك الصين أيضاً أن الطريقة التي تتعامل بها مع مسلمي الأيغور في إقليم شينجيانغ تسيء لسمعتها في العالم الإسلامي، وتسعى لتجاوز ذلك عن طريق تحسين علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الإسلامية. وجود قادة في الشرق الأوسط، يدعمون سياسة الصين فيما يتعلق بتعاملها مع ما تسميه “مشكلة الإرهاب”، وهي الذريعة التي تستخدمها في تبرير أفعالها في الإقليم، سيساعد الصين في علاقاتها مع الدول الإسلامية الأخرى، ومع المجتمع الدولي على نطاق أوسع.  

وعلاوة على ذلك، تعترف بكين بأن الآلاف من الأيغور سافروا إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش، وغيره من المجموعات الجهادية السلفية الأخرى، وبأنها تشعر بالقلق من عودتهم إلى أراضيها. التعاون مع نظام الأسد يساعد الصين على التعامل مع هذا الخطر.  

من جهته يقدّر نظام الأسد بشكل خاص التعاون مع الصين، لأنه يدرك تماماً بأنه من غير المحتمل رفع العقوبات، التي فرضت على سوريا، في القريب العاجل. إن التزام الصين بعدم التدخل ، بما في ذلك تجاهل العقوبات الدولية ، يجعل بكين حليفة طبيعية للنظام في هذه القضية.

يدرك الأسد تماماً بأنه سوف يضطر إلى مواجهة المطالب الإيرانية والروسية للحصول على تنازلات من نظامه، وذلك لأنه كان يعتمد عليهما بشكل كبير من الناحية الاقتصادية. وكلا البلدين وقفا بحزم إلى جانب سوريا. لكن وجود الصين في اللعبة يمنح الأسد بعض النفوذ، لأن كل من الصين وسوريا تأملان بأن تلعب هاتان القوتان ضد بعضهما البعض. مع تذكير الغرب أيضاً بضرورة دعم إعادة الإعمار السوري، أو السماح لإيران وروسيا والصين بالقيام ذلك.

 السياسة الخارجية الصينية في عهد دنغ شياو بينغ تعتمد على الحكمة القائلة: “اخفي قوتك وانتظر الفرصة”. إلا أن الصين لم تعد اليوم تخفي شيئاً، ولا تهدر وقتها. فهي  ترغب في اثبات وجودها بشكل واضح، وتنوي القيام بذلك قريباً. الصين تدرك بأن هنالك فرصاً مستجدة متاحة لها في النظام الدولي، فالولايات المتحدة منشغلة بالانتخابات القادمة، بينما أوروبا مشغولة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. ومع ذلك، ما تزال بكين حذرة في إستراتيجيتها، وتؤكد على سياساتها في عدم التدخل. إلى جانب التزامها بتطوير العلاقات الاقتصادية. وقد أتت هذه الإستراتيجية ثمارها. ففي جميع أنحاء الشرق الأوسط، تتعامل الأنظمة العربية مع بكين، نظراً لأن حكومات المنطقة تقدّر التعامل مع الصين. خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تُعتبر حليفاً غير موثوق به، وأوروبا تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لإبراز نفسها في المنطقة.

ومع اكتساب مبادرة “الحزام والطريق” الزخم في المنطقة، واستمرار السياسة الخارجية الأمريكية في التقلب، فمن المحتمل أن تزداد حظوظ الصين في عملية إعادة إعمار سوريا. ولسوء الحظ، لذلك آثاره الجانبية في تقويض أي أمل في التحول الديمقراطي في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.