ليس المقصود هنا #الحزب_الشيوعي العراقي بكل تأكيد، بل اليسار كظاهرة شعبية، وكحالة رفضِ مدوية ومؤرقة للنظام الحاكم، وكأزمةٍ تواجه اليمين المتمكن والغني والمسيطر، وللأحزاب الأخطبوطية الحاضنة للسلطة بكل أطرافها، للكيانات السنية والشيعية والكردية وحتى التي تدَّعي المدنية، ورغم قلة الأخيرة وغياب دورها إلى حدٍ كبير؛ إلا أنها تظلُ قوى سياسية تظهر في الصورة وتتحمل وزر الآخرين.


اليسار الذي نعنيه هنا، القوة الجماهيرية المتراصة، التي تتبنى العدالة الاجتماعية والعلمانية فطرياً دون العودة إلى مذكرات علماء ومفكرين، الكتلة الجائعة والخائفة من المخبرين السريين التابعين لـ #صدام_حسين من رفاق ومتملقين، ومن ثم الرفاق والملتحين حتى قبل الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.


ومع أن اليسارية، تُمثل حالة سياسية أو فكرة مناوئة للسلطات سواءً كانت دينية أو سياسية دينية أو اقتصادية دينية، إلا أن جميع تجاربها في #العراق لم تكن مؤثرة، على عكس ما أعقب #الثورة_الفرنسية التي انتهت بتحقيق النظام الجمهوري وعلمنة السياسة والمجتمع والدين، والتي ما تزال حاضرة حتى يومنا هذا، حيث يجلس المعارضون للنظام على يسار قاعة مجلس النواب الفرنسي.


يمكن القول إن غالبية تجارب اليساريين في العراق ـ لا نقول جميعها ـ ظلَّت تجمع بين النقيضين، فقلب اليساري مع الناس وسيفه عليهم، وهذا السيف لا يظهر إلا بعد أن يتمكن اليساري من السلطة وينال المنصب الذي يُقاتل من أجله أو يحصل عليه كحصةٍ مثل الآخرين وحصصهم، ولحسن حظ الشعب، أن اليساريين في العراق لم يبقوا طويلاً في السلطة قبل مجيء حزب البعث.


لا يمكن اعتبار الشعب العراقي المنتفض حالياً ضد نظام الأحزاب الدينية والقومية بأقل من كونه “اليسار العراقي” الذي طال انتظاره، وربما إذا سألنا أي متظاهر في #ساحة_التحرير بـ #بغداد الآن: هل أنت يساري؟ لا نحصل على إجابة، لثلاثة أسباب.


السبب الأول: أنه قد لا يعرف ما معنى اليسار، والثاني: قد يعرف اليسارية ولكنه يربطها بالشيوعيين فيرفضها، والثالث: قد يشتم اليسارية بعد معرفتها على اعتبارها منهج سياسي، لأن الغضب من كل ما هو سياسي يسيطر على العراقيين بعد أكثر من خمسة أشهر من الاحتجاجات، ولكنه حتماً يمارس دوره اليساري ضمن المفهوم العملي، بل يقوي أثرها ويعمق حضورها، دون أن ينتبه.


هذا اليسار الثائر في العراق، لا يملك حتى الآن أي كتلة برلمانية أو مقر حزب يخشى أن تطاله نار الميليشيات، كما أنه لا يخاف من فرق القناصة التي قد تستهدف الأعضاء البارزين فيه، إذ لا وجود لبارزين حتى الآن، وكل من في ميدان الاحتجاج يشترك مع الآخر ذات الهدف، ونفس شعار “نريد وطن”، ولكنه في وقتٍ لاحق سيحتاج إلى ترتيب صفوفه، وتبني مشروع الخيمة السياسية الجامع لليسار الحقيقي.


لا مجال لنجاح اليسار الشعبي بعد كل تضحياتها إلا بصناعة كيانات سياسية، فبقاء المعتصمين في ساحات المدن العراقية تحت رحمة الشمس لن يكفي، فقد أثبتت تجربة تشرين أن الهتافات والاعتصامات والبيانات غير مجدية أمام أخابيط السياسة والسلاح، بل باللجوء إلى التكتلات السياسية المنظمة، مع حظر انتماء كل من ينتمي إلى اليسار القديم، وهذه أنانية حميدة وواجبة.


ولكن، نخشى أن يضيع هذا اليسار، كما ضاع الحزب الشيوعي بالتماهي مع السلطة، وسرقة الجهود الشعبية والدماء العراقية عبر مدنيين ارتموا بأحضان الأحزاب الدينية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.