في سابقة قضائية مهمة، أدانت محكمة عراقية أحد أفراد تنظيم داعش عن مسؤوليته بارتكاب انتهاكات ضد الأقلية الدينية الإيزيدية. صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت تقريراً موسعاً حول القضية، بقلم الكاتبة أليسا روبن.

أجرى العراق آلاف المحاكمات بحق أعضاء تنظيم داعش، ولكن حتى يوم الاثنين الماضي، لم تتوصل تلك المحاكمات إلى تحقيق العدالة فيما يخص أفراد الأقلية الدينية الإيزيدية، الذين تعرضوا للخطف والاغتصاب والقتل على يد التنظيم. إلا أن شابة إيزيدية في العشرين من العمر، غيّرت تلك القاعدة، عندما قررت الإدلاء بشهادتها في محاكمة علنية.

“أشواق حاجي حميد تحلو” أدلت بشهادة مهمة للقضاة والمدنيين الحاضرين، بوجود عضو تنظيم داعش، الذي قُدّمت إليه حاجي حميد هديةً، ليقوم باغتصابها مراراً وتكراراً. وتم الحكم على المدعى عليه محمد رشيد صعب، وهو عراقي الجنسية، يبلغ من العمر ستة وثلاثين عاماً، بعقوبة الموت لانتمائه إلى تنظيم داعش، والمشاركة في اختطاف واغتصاب النساء الإيزيديات.

 وقد علّقت حاجي حميد على الحكم بقولها: “المهم بالنسبة لي أن حلمي أصبح حقيقة، وأنا أشاهد الشخص الذي اغتصبني  يتلقى الحكم بالإعدام”.

وكانت المحاكمة، التي انتهت يوم الاثنين، هي الأولى ضد جرائم تنظيم داعش بحق الإيزيديين بشكل خاص، أو على الأقل جرائم واحد من مقاتلي التنظيم. كما كانت أيضاً المرة الأولى التي تواجه فيها ضحية إيزيدية جلادها بشكل شخصي.

“أريد أن يعرف العالم كله قصتي، وبذلك يمكن لرسالتي أن تصل إلى قريناتي، وتمنحهن الشجاعة ليفعلن الشيء ذاته، فيصبح بإمكانهن أن يحققن انتقامهن من تنظيم داعش”، أضافت حاجي حميد.

من جهته أعرب حيدر جليل خليل، قاضي محكمة الكرخ للجنايات في بغداد، عن الأمنية ذاتها: “نأمل أن تتشجع أخريات على التوجه للقضاء، عندما يسمعن بهذه القضية”. مضيفاً أن السلطة القضائية كانت عاجزة عن البت بدعاوى من هذا النوع، بسبب إحجام الضحايا عن الإدلاء بشهاداتهن في العلن.

من الصعب الحديث بشكل علني عن الاغتصاب، كما فعلت السيدة حاجي حميد، خاصة بالنسبة للنساء في المجتمع العراقي، اللواتي يخفن من أن يتم اتهامهن بأنهن سمحن للرجال باغتصابهن، أو أنهن لوثن سمعة عائلاتهن. “لكن ربما إذا أدركن أن السلطة القضائية سوف تمنحهن حقوقهن، فسيتشجعن على اللجوء للقضاء”، كما يقول القاضي خليل.

وكانت مجموعات حقوق الإنسان قد انتقدت السلطة القضائية العراقية، بسبب قيامها بمحاكمات سريعة ضد عدد كبير من أعضاء تنظيم داعش، دون النظر في تفاصيل جرائمهم الشخصية. “التهمة الغامضة بالإرهاب لا تنصف الفعل الذي تم ارتكابه”، كما قالت بلقيس والي، وهي باحثة عراقية بارزة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”. وترى والي بأن هذه الدعوى مختلفة نوعياً: “هذه القضية هي الأولى من نوعها خلال السنوات الأربع الماضية. فيما سبق لم يكن هناك للضحية أي دور ذي معنى في الإجراءات، ستكون هذه أول حالة أمام القضاء ترد فيها تهمة الاغتصاب. وهو أهم ما في الأمر”. وأوضحت والي بأن تهمة الاغتصاب هذه قد أظهرت إدراك القضاء العراقي لمدى أهمية القضايا المتعلقة بضحايا تنظيم داعش.

ولدت السيدة حاجي حميد في بلدة “خان صور” الصغيرة في منطقة جبل سنجار، الواقعة شمال العراق قرب الحدود السورية. وهي منطقة تقطنها الأقلية الإيزيدية. وتربت في عائلة كبيرة، فقد تزوج أبوها من امرأتين، ولديها ست أخوات واثني عشر أخاً. “كانت حياتنا مستقرة هناك”، قالت حاجي حميد أمام المحكمة. وأضافت: “لقد كنت سعيدة لكوني أعيش بين أبناء عمومتي”. إلا أن مسلحي تنظيم داعش قاموا بتطويق البلدة في الثالث من شهر آب عام 2014.

وجاء في شهادة السيدة حاجي حميد: “أخبرونا أننا كفار، وأن على طائفتنا أن تصبح مسلمة”. تتألف الديانة الإيزيدية من مجموعة متنوعة من المعتقدات، وتتضمن الممارسات الزرادشتية والإسلامية والمسيحية واليهودية. وقد أعلن والد حاجي حميد التزامه بإيمانه ودينه. لذلك امهله  المتشددون يوماً واحداً ليقرر ما إذا كان سوف يغير دينه أم لا. وهددوا بذبح جميع من يتمسكون بدينهم باستثناء النساء، كما قالت السيدة حاجي حميد.

عزم عدد من سكان المنطقة، ومنهم عائلة السيدة حاجي حميد، على الهرب ليلاً، وحمّلوا سياراتهم بالأمتعة الضرورية لفرارهم. ما يزيد عن سبعين شخصاً تكدسوا في السيارات، لكن مجموعة من أعضاء تنظيم داعش حاصرتهم قبل أن يتمكنوا من المغادرة. قاموا بفصل الرجال عن النساء، ومن ثم الفتيات عن أمهاتهن.

وكانت السيدة حاجي حميد من ضمن مجموعة تتكون من تسعة فتيات، تم بيعهن إلى مقاتلي تنظيم داعش لقاء مئة أو مئتي دولار. “لقد تم بيع أربع من شقيقاتي في سوريا، وأنا وشقيقتي الصغرى تم بيعنا في محافظة نينوى في العراق، وتم احتجازنا في وقتٍ لاحق في مكان يضم حوالي خمسين فتاة”، أوضحت حاجي حميد وأضافت قائلة: “لقد أجبرونا على تغيير ملابسنا، وأبقونا شبه عاريات. وأمرونا بأداء الصلاة حسب الطريقة الإسلامية، خمس مرات في اليوم”. وفي آخر الأمر، تم تسليم حاجي حميد إلى محمد رشيد صعب، البالغ من العمر ثلاثين عاماً آنذاك، والذي كان قد فرّ من السجن بمساعدة تنظيم داعش.

في المحكمة يوم الاثنين الماضي، سأل القاضي حاجي حميد ما إذا كانت قد تعرّفت على آسرها في القاعة، حيث كان يقبع في قفص الاتهام، مرتدياً ملابس صفراء اللون. نظرت حاجي حميد إلى المدعى عليه وأومأت برأسها مباشرة. “أعرفه أكثر مما أعرف نفسي”، كما قالت. وأضافت: “اغتصبني بالقوة”، وذلك بعد يومٍ واحد فقط من منحها له. وقد كانت عذراء في ذلك الوقت.

طلب منها مغتصبها الزواج، وعندما رفضت ذهب إلى قاضٍ إسلامي، وعقد زواجه عليها رغماً عنها. الاغتصاب من قبل الزوج لا يعتبر جريمة بموجب القانون العراقي.

وأكدت السيدة حاجي حميد: “كان يغتصبني بشكلٍ يومي، وأحياناً يكرر ذلك مرتين أو ثلاث مرات في اليوم الواحد”. وكان السبب الوحيد الذي يعيق حملها في تلك الفترة، تمكنها من إقناع آسرها باصطحابها إلى الطبيب بذريعة مرضها. وعندما استطاعت البقاء وحدها مع الطبيب، توسلت إليه لإعطائها حبوب منع الحمل، وصارت تتعاطاها سراً، حسب قولها.

وخلال فترة الأسر حاولت السيدة حاجي حميد تخليص نفسها من خلال التفكير بالانتحار. وأخيراً، ذهبت إلى الطبيب وطلبت منه الحصول على حبوب منومة، وادعت أنها تحتاج إليها لترتاح بعض الشيء. ولكن بدلاً من ذلك، أعدّت، مع الفتيات الإيزيديات الأخريات، وجبة لمقاتلي التنظيم، ووضعن الحبوب المنومة في طعامهم. وبعد تخدير المقاتلين، هربت الفتيات الشابات إلى جبل سنجار.

عندما سيطر تنظيم داعش على شمال العراق، في العام 2014، اضطهد الشيعة والإيزيديين، وقتل أو استعبد كثيرين منهم، وأجبر الإيزيديين على الفرار من منازلهم الواقعة في إقليم سنجار. وقد اكتُشفت كثير من الفظائع المرتكبة، بعد أن تمكن الجيش العراقي من استعادة سيطرته على المنطقة، بدعمٍ من القوات الأمريكية.

وينحدر الجاني محمد رشيد صعب من محافظة الأنبار، وهي منطقة سنية تقع غرب العراق. وكان قد قتل سائق سيارة أجرة، وسرق سيارته، عندما كان في التاسعة عشر من العمر، وحُكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً. وسرعان ما أعلن صعب ولائه لتنظيم داعش، عندما اقتحم التنظيم السجون وأطلق سراح السجناء.

وخلال محاكمته لم يعرب صعب عن أي أسف، أو حتى مجرد شعور بأنه ارتكب خطأً أو ظلماً. وقدّم نفسه خلال المحاكمة بوصفه “مدرّس قرآن”، وقال: “لقد قمت بممارسات روحية أيضاً، مثل طرد الشياطين من الناس”. كما قال بإن قيادة تنظيم داعش أعلمته بواجب المشاركة في الهجوم على الإيزيديين، وأنه أصيب خلال المعارك، ما اضطره لقضاء بضعة أسابيع في المستشفى.

“أخبروني أن لديهم سبية لأجلي”، قال في شهادته، وأضاف: “لقد قدّمت إلي هديةً”. وأصر صعب أنه لم يكن بإمكانه معرفة ما إذا كانت هديته سعيدة أم لا. قائلاً: “لم أرها تبكي أو تضحك”.

وبالرغم من أن السيدة حاجي حميد الآن عادت إلى أسرتها، إلا أن باقي إخوانها وأخواتها لم يستطيعوا جميعهم فعل الشيء ذاته. “لقد اشترى والدي خمسة من أخواتي من تنظيم داعش. ودفع مبلغ خمسة عشر ألف دولار. جميعهن اغتصبن لمرات عدّة”، تقول حاجي حميد، وتختتم حديثها بالقول: “لقد عدن جميعهن باستثناء أختي رهام، ونحن لا نعرف مصيرها بعد”. ثم توقفت قليلاً عن الكلام، لتضيف بحزن: “خمسة من إخواني أخذهم تنظيم داعش، وهم مفقودون”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.