بحراً وبراً وجواً: صراع النفوذ بين موسكو وطهران في سوريا

بحراً وبراً وجواً: صراع النفوذ بين موسكو وطهران في سوريا

(دمشق) الحل – لاحت مؤشّرات الخلاف بين موسكو وطهران منذ أواخر العام 2015، مع بدء تدخل روسيا في الساحة السورية، محققةً خلال أشهر معدودة ما سعت إليه إيران طيلة سنوات. وحصلت على أهم  مراكزها الجوية في الشرق الأوسط، بعد أن أشادت قاعدتها في مطار حميميم، التي ضمت أحدث الطائرات الروسية.

وتحول الساحل السوري، من مساحة تتمدّد فيها القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، إلى منطقة تتقاسم فيها النفوذ قوتان بارزتان في الحرب السورية.

وتجاهلت القوات الروسية  استهداف عشرات المواقع العسكرية البرية الايرانية. خاصة الغارات الإسرائيلية الجوية على جنوبي البلاد، في محافظات درعا والقنيطرة ودمشق وريف دمشق، والتي دمّرت أهدفاً عديدة، تعود بمعظمها لطهران وحليفها حزب الله.

ويؤكد متابعون للأوضاع في الساحل السوري، وموظفون في مرفأ طرطوس، أن هذا المرفأ أصبح مؤخراً الأهم والأكبر في البلاد، وذلك لقربه من بانياس ومصفاتها النفطية، وحمص وصحرائها، التي تحتوي على الفوسفات والسماد، وكذلك لقرب مدينة طرطوس من باقي المحافظات السورية، ما يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير عبر الميناء.

استقر الخبراء الإيرانيون في ميناء طرطوس حتى أواخر العام 2017، إلى أن سعت روسيا للاستحواذ عليه. وتم الاتفاق على تقاسم النفوذ البحري بين موسكو وطهران، على أن يُسمح لإيران بالدخول إلى ميناء اللاذقية، مقابل دخول الروس إلى ميناء طرطوس، وشمل الاتفاق أيضاً زيادة حصة إيران البرية في جنوب البلاد، وتحديداً في ريف دمشق، وفي شمال البلاد، وخاصة في أرياف حلب الجنوبية.

ينقلُ ضابط في الجيش السوري، بقي على رأس عمله حتى بداية العام 2019، وكان موظفاً في ميناء طرطوس، أن خبراء روس دخلوا إلى الميناء، والتقطوا صوراً، وسجّلوا ملاحظات، في مطلع العام 2017، وأدرك حينها أن موسكو سوف تستحوذ على الميناء بشكل كامل.

مع مرور الوقت، تحولت مدينة طرطوس بأكملها إلى قاعدة عسكرية روسية كبيرة، وأصبحت كثير من الأماكن مراكز مخصصة لخدمة القوات روسية. ظهر ذلك بشكل أقل في مدينة اللاذقية، التي افتُتحت فيها محلات يتحدث أصحابها الروسية، ويقدمون أطعمة روسية.

ويبدو أن التمدد الروسي قد وصل أيضاً إلى ادارة المرفأ، فصدر قرار بفصل جميع الموظفين السوريين العاملين فيه، تمهيداً لاستبدالهم بموظفين روس.

وفي السياق نفسه اشتكى عدد من الموظفين العاملين في مرفأة طرطوس لإذاعة “شام إف إم”، بعد فسخ عقود عديد منهم “دون سابق إنذار”، ما اضطرّ الشركة العامة لمرفأة طرطوس للرد ببيان رسمي، توضّح فيه أن “العامل لم يفقد صفته بوصفه موظفاً عاماً، ويحتفظ بقِدَمِه المؤهل للترفيع، وكل المزايا الأخرى، وتعتبر خدماته لدى الشركة المستثمرة وحدة تأمينية مستمرة على ذات الرقم التأميني”، دون أن تنفي في توضيحها عمليات فصل ونقل الموظفين، أو تكشف سبب ذلك.

ويظهر في نسخة الرد المصورة اسم الشركة الروسية  STG، المستثمرة لمرفأ طرطوس، والمتّهمة بطرد الموظفين السوريين.

وتسعى موسكو، من خلال هيمنتها على كامل مرافق مرفأ طرطوس، إلى إيجاد منفذ بري للسكة الحديدية، التي تصل  صحراء حمص الشرقية  بالساحل السوري، بعد أن قامت بإعادة تأهيلها.

وستنقل هذه السكة بشكل رئيسي السماد والفوسفات، بموجب عقود استثمار غير معلنة، هيمنت  موسكو من خلالها على الفوسفات السوري لمدة خمسين عاماً.

ويؤكد ضابط سابق برتبة عقيد أن مسألة المرفأ في طرطوس، والسكة الحديدية في صحراء حمص، أغضبت الإيرانيين، لا سيما أن الحكومة السورية وعدتهم بامتيازات عديدة، وعقود استثمار، وافتتاح مراكز ثقافية واجتماعية. لكن ذلك كله لم يحصل، بل انحسر الدور الإيراني بشكل كبير، وأغلقت مقرات تابعة لطهران، وحرمت من مناطق كانت ضمن إدارتها ونفوذها، لا سيما في ريف حلب الجنوبي، وريفي دمشق وحمص.

وفي منتصف العام 2019، انتشر خبر رسمي مفاده أن “عبوة ناسفة ضربت قطار نقل الفوسفات شرقي حمص”. وقالت وكالة سانا في خبرها إن “إرهابيين اعتدوا على القطار، ما أدى لجنوح القاطرة واشتعال النيران فيها”.

وذكرت وزارة النقل في بيانها أن “إرهابيين تسللوا إلى السكة الحديدية، بين موقعي الفجوة والبصيرة، وزرعوا عبوة ناسفة على خط سير القطار القادم باتجاه مناجم الفوسفات بمنطقة خنيفيس بريف حمص الشرقي”.

ويؤكد الضابط السابق لموقع “الحل نت” بأن مصدر هذه العبوة هو الميليشيات الإيرانية، التي تنتشرُ في تلك المناطق، بحجة محاربة تنظيم داعش، لإرسال رسالة إلى موسكو بأن طهران قادرة على توقيف خط نقل الفوسفات، حتى لو فقدت أذرعها على الساحل السوري.

إعداد: رحاب عنجوري

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.