بقي تنظيم داعش بعيداً نسبيًا عن الأضواء، سواء في سوريا أو العراق، منذ مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، إثر إنزالٍ جوي أمريكي على مقر إقامته في قريةٍ “باريشا”، التابعة لمدينة حارم في ريف إدلب، أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وخلال هذه الفترة، غابت أخبار تنظيم “داعش” عن صفحات وشاشات وسائل الإعلام العالمية، كما تراجع الاهتمام الدولي بقضيته.

يأتي ذلك في وقتٍ ما زال فيه المئات، وربّما الآلاف من عناصر تنظيم “داعش”، يتمركزون في البادية السورية، ويقومون بعمليات وهجمات خاطفة على طرق هذه المنطقة.

هل مازال التنظيم خطرًا؟
بين الحين والآخر، تعلن قوات سورية أو عراقية عن عمليات ضد تنظيم “داعش”، في المناطق التي ما زال التنظيم يسيطر عليها في باديتي العراق وسوريا.

تلك المنطقة، على الرغم من عدم احتوائها على موارد تعيد إحياء التنظيم، صعبة الاقتحام عسكريًا، ما يصعّب مهمّة تصفية داعش على أي جهة محلّية أو دولية.

خلال السنوات الماضية، دُمّر التنظيم ميدانيًا، وخسر معظم المناطق الحضرية التي يسيطر عليها، وبذلك تحوّل من “دولة” تملك ما يشبه المؤسّسات، إلى عصابات تتمركز في البادية.

عمليات “داعش”، خلال الأشهر الأخيرة، وحتّى قبل مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أخذت شكل هجمات خاطفة، تستهدف القوافل الإيرانية وغيرها، المارّة من البادية، ليؤمن التنظيم من خلال هذه العمليات أسلحته والمعدّات اللازمة لاستمراريته.

قبل أيام، نشرت مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية مقالًا قالت فيه: “أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب النصر على “داعش”، لكن الحرب مستمرة، والحقيقة تشير إلى أن نهاية النزاع ما تزال بعيدة المنال”.

وأوضح المقال، أنه “على الرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت مليارات الدولات، خلال رئاستي باراك أوباما ودونالد ترامب، من أجل هزيمة داعش، ونشرت قوات في العراق وسوريا، وأمطرت مواقع التنظيم بآلاف القنابل، إلا أن التنظيم لا يزال قائًما”.

هل يصحو التنظيم؟
يأخذ تنظيم “داعش” منذ أشهر وضعيّة “الركود العسكري”، فأصبح اليوم غير قادرٍ على قضم مساحات من المدن، وإعلان سيطرته عليها بشكلٍ علني، وإقامة حكمه على المدنيين.

غير أن استبعاد هذا التهديد، لا يعني أن التنظيم لم يعد خطراً، فما زال يمتلك مصدر قوّة آخر، يتمثّل في الهجمات المباغتة وحرب العصابات.

عباس شريفة، الباحث في الجماعات الإسلامية، أوضح لموقع “الحل نت”: “شهدت الساحة السورية في الأسابيع الماضية عدّة تطوّرات، عقب استهداف عشرات الجنود الأتراك في إدلب، وقيام الجيش التركي بشن عملية عسكرية ضد القوات النظامية في سوريا. وتشير توقّعات إلى أن هذه التطوّرات، التي شغلت جميع الأطراف عن التنظيم، قد تكون فرصة لـ صحوة داعش”.

لكن شريفة يستبعد أن يتمكّن التنظيم من استعادة قوته.
وقال شريفة لـ “موقع الحل”: “لا يوجد رابط بين الأحداث الأخيرة وإعادة إحياء التنظيم”.

وأضاف أن تنظيم “داعش” فقد قدرته نهائيًا على استعادة الأرض والتمركز بشكلٍ علني، كما كان سابقًا. واستبعد أن يستطيع التنظيم القيام بأي خرق في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة تركيًا، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” أو حتّى محافظة إدلب، لأن في هذه المناطق فصائل قويّة وقادرة على منع التنظيم من إحداث الخروقات، لافتًا إلى أن أكثر ما يمكن أن يقوم به التنظيم هو تفجير مفخّخات وعبوات ناسفة، عبر خلايا نائمة تابعة له، ما زالت موجودة في عدّة مناطق، ولكن الإمساك بالأرض بات أمرًا لا يستطيع التنظيم القيام به تحت أي ظرف.

استمرار عوامل بقاء التنظيم
يعتبر الباحث أيضًا، أن نهاية تنظيم “داعش” سوف تكون مع نهاية العوامل الذاتية والموضوعية التي أدّت لقيامه.

وفي هذا الصدد يقول شريفة: “عوامل استمرار التنظيم ما زالت مستمرة، وأبرزها العوامل الموضوعية، مثل تمركز التنظيم في دول هشّة مثل العراق وسوريا، وضعف مؤسّسات هذه الدول” موضحًا أنّه من المرشّح ازدياد تحرّكات التنظيم في منطقة البادية، التي يتمركز فيها أصلًا.

وتابع: “طالما استمر إرهاب الدولة فإن التنظيم سيستمر ولن يتم القضاء عليه بشكلٍ كامل، كما من المرشّح أن تظهر تنظيمات أخرى، لديها أسماءً مختلفة، ولكنّها تحمل ذات الفكرة”.

وأشار إلى أن تنظيم “داعش”، والتنظيمات الأخرى المشابهة له، لديها مرونة فيما يخص التفكّك وإعادة التشكيل مرّة أخرى، أو تغيير منهجيتها، والخروج بشكلٍ جديد واستراتيجية جديدة.

ويرى شريفة أنّه لن يتم القضاء على التنظيم بشكلٍ نهائي، طالما أن مولّدات ومسبّبات الإرهاب ما زالت مستمرّة، مثل قتل المدنيين والفقر المدقع وغياب التعليم والجامعات، وهو الأمر الذي يجعل التنظيم قادرًا على استقطاب منتسبين جدد له، سواء بشكلٍ فردي أو حتّى على مستوى الجماعة، كأن يتمكّن من تجنيد قرية بأكملها مستغلًّا ظروفها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.