«الحزب التركستاني» في سوريا: صراع الوجود وحروب الإفلاس

«الحزب التركستاني» في سوريا:  صراع الوجود وحروب الإفلاس

بعد وقت قصير من اندلاع الصراع المسلح في سوريا بدأت عديد من الجماعات المسلحة تبحث لنفسها عن مكان ضمن خارطة الصراع المحتدم في البلاد.

وبينما كانت أنظار العالم تركز على تنظيمي «داعش» و«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، بوصفهما قوتين رئيسيتن، تحملان إرث تنظيم القاعدة وطموحاته الرامية لتأسيس ما يسمى “دولة الخلافة”، كانت جماعات جهادية أخرى، لا تقل خطورة عنهما، تتمدد وتنتشر في #سوريا.


من
شينجيانغ إلى سوريا

 تأسس «الحزب التركستاني» في تسعينيات القرن الماضي، ليضم عناصر من مسلميّ الإيغور، القادمين من إقليم شينجيانغ في الصين، وكان اسمه في البداية حركة «شرق تركستان الإسلامية»، التي انتقلت إلى أفغانستان، وأطلقت على نفسها هناك اسم «الحزب التركستاني»، وأصبحت جزءاً من تنظيم القاعدة، قبل أن تبدأ بالانتقال إلى سوريا، منذ أواخر العام 2012، وتغيّر اسمها إلى «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام».

 وعلى الرغم من اختلاف مواقعهما على جبهات #الحرب، استخدم «الحزب التركستاني» دعاية مشابهة لدعاية «حزب الله» لتبرير قتاله في سوريا، ففي حين كان #حسن_نصر _الله يردد عبارته الشهيرة: «طريق القدس يمرّ من القصير»، كان الحزب التركستاني ينادي بما سمّاه: «واجب الجهاد في سوريا انتقاماً من حكومة بكين الداعمة لدمشق».

ومنذ نهاية عام 2012 بدأت طلائع الجهاديين الإيغور تتدفق إلى سوريا بأعداد كبيرة، وبعد وقت قصير جنّد الحزب مقاتلين من الأوزبك والشيشان.

في العام 2014 أعلنت قيادة «الحزب التركستاني» ولادة فرعها في سوريا، تحت مسمى «الحزب التركستاني الإسلامي في بلاد الشام». في العام ذاته أيضاً، تضاعفت أعداد من جلبهم الحزب إلى البلاد، بعد أن قام عناصره باستقدام عائلاتهم.

لعب المقاتلون التركستانيون، دوراً رئيساً في معارك جنوب #إدلب، وبعض مناطق سهل الغاب بريف #حماة، بالتحالف مع ما سمي في حينه «جيش الفتح»، المكون من تشكيلات عديدة، منها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام». وعُرف عناصر الحزب بقسوتهم، واعتمادهم على العمليات الانتحارية، لبث الرعب في نفوس الخصم.

وبعد انتزاع فصائل «جيش الفتح» السيطرة على إدلب، بدأت جماعات #التركستاني تستقر في القطاع الشمالي والغربي من #جسر_الشغور وريفها، وبعض القرى المهجورة في سهل الغاب وجبال #اللاذقية.




تنظيم غامض

يعتبر الحزب التركستاني في سوريا من أكثر التنظيمات الجهادية غموضاً، ورغم وجود ما يسمى #مجلس_شورى، يشرف على قيادة العمليات، إلا أن تلك القيادة بقيت سرية، ولم يعرف من أعضائها سوى اسم مستعار لمسؤول عسكري واحد، يُلقب بـ”أبي إبراهيم الأوزبكي”.

ساهمت عديد من العوامل في الحفاظ على سرية تشكيلات الحزب، أهمها استقرار مقاتليه وعائلاتهم في مناطق مغلقة وشبه مهجورة.

وتقدّر مصادر محلية أن أعداد عناصر التنظيم ناهز الثلاثة آلاف في عام 2014، لكنهم ازدادوا فيما بعد  نتيجة تدفق #المهاجرين إلى سوريا مع عائلاتهم، بالإضافة لاستقطاب الحزب مقاتلين من جنسيات أوزبكية وشيشانية وطاجيكية، فضلاً عن ابتلاعه  فلول تنظيمات أخرى منهارة، منها تنظيم «جند الأقصى».

ولإظهار قوته أجرى التنظيم استعراضاً عسكرياً بمدينة جسر الشغور، أواخر العام 2017، ضم آلاف المقاتلين المدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة.


مصادر التمويل

اعتمد #الحزب_التركستاني على المال الذي يقدم له من تنظيم «القاعدة» بشكل رئيسي، لكنّ ذلك لم يمنع وقوع الحزب بضائقة مالية خانقة، أدت منذ منتصف العام 2017 لبداية هجرات معاكسة.

حصل الحزب في العام 2018 على دعم كبير، قُدم له من قيادات منشقة عن «جبهة النصرة»، أتت من #درعا والقنيطرة إلى إدلب، وأسست فيما بعد تنظيم «حراس الدين».

تؤكد مصادر خاصة لموقع «الحل نت» أن الحزب حصل حينها على مبلغ عشرة ملايين دولار، كانت أشبه بعربون تحالف بين «الحزب التركستاني»، والقادة المنشقين عن «جبهة تحرير الشام» بقيادة “أبي محمد الجولاني”، بعد إعلان الأخير فك ارتباطه بالتنظيم الأم (القاعدة).

دفعت تلك الأزمة المالية بالحزب خلال العام الماضي إلى تخفيض مخصصات ورواتب عناصره، عبر تخفيف عدد الحراسات إلى نوبتين لكل عنصر في الأسبوع الواحد. وهذا الأمر جعل العناصر يبحثون عن أعمال أخرى، في الزراعة والبناء والصيد، لتأمين نفقات عائلاتهم.

لجأ «التركستاني» أيضاً، لتأجير بعض المنازل للنازحين، أو لمجموعات من الصيادين جاءت إلى المنطقة لاصطياد السمك من سد “القرقور”، الواقع في سهل الغاب. إضافة لذلك عمد الحزب أيضاً إلى فرض رسوم على البضائع المارة من مناطقه، في محاولة منه لسد بعض النفقات. كما فرض  أتاوات على الصيادين، وصلت إلى مئتين وخمسين دولار في الشهر، أو تقديم 50% من الأسماك لتأمين قوت عائلات التنظيم، أو بيعها لمصلحة خزينة الحزب.


الوقوع تحت سيطرة«هيئة تحرير الشام»


وأمام تلك الضائقة المالية، قبلت بعض قيادات التركستاني بدعم مشروط من «هيئة تحرير الشام». وكان “الجولاني” قد استغل الأوضاع الاقتصادية الخانقة لفرض بعض الشروط على الحزب، منها الوقوف على الحياد في أيّ اقتتال يحصل بين جماعته وتنظيم «حرّاس الدين»، وتقديم الحزب مقاتلين للهيئة في خطوط قتالها المتقدمة، لو أقتضى الأمر.

إثر ذلك عصفت مشاكل داخلية عديدة بالحزب، أدت لعزل “أبي إبراهيم الأوزبكي” من منصبه، وعودة آلاف المقاتلين إلى بلادهم، رفضاً لشكل التعاون هذا مع «هيئة تحرير الشام»، التي تعتبر وفق أدبيات «التركستاني» تنظيماً خارجاً عن طاعة التنظيم الأم (القاعدة).

في نهاية العام الماضي  أضطرت قيادة «التركستاني» في سوريا للجوء مرة أخرى للهيئة، وأخذت منها مبلغ خمس ملايين دولار، تحت مسمى “دَيْن”. وكُتب بين الطرفين عقدٌ ينصّ على وجوب تسديد المبلغ المذكورعلى دفعات، لكن جميع المؤشرات تدلّ على أن الحزب يسدد دينه من خلال مشاركته في معارك الهيئة بعدة مناطق، مثل سهل الغاب و”كبانة” بجبال اللاذقية، من خلال هجمات انغماسية، كلّفت القوات النظامية السورية أعداداً كبيرة من القتلى.


مستقبل الحزب


في الحملة الأخيرة، التي بدأت بشنها لقوات النظامية والميليشيات الإيرانية والمحلية، بغطاء جوي من الطيران الروسي، كانت المعارك التي خاضها عناصر «التركستاني» الأكثر ضراوة وبشاعة، فقتلوا عديداً من عناصر القوات النظامية وحلفائها، بعد أسرهم ونشر صورهم، بغرض بث الرعب في صفوف الأعداء. هذا التكتيك يُعتبر تقليداً لنهج تنظيم «داعش» في المناطق التي كان يسيطر عليها.

 تبقى مناطق سيطرة الحزب (“جسر الشغور”، “كبانة”) العائق الأكبر في الحملة التي تشنها القوات النظامية. لأن تأمين عقدة “كبانة” يعتبر خطوة لإكمال السيطرة على عقدة مواصلات اللاذقية-حلب، عبر الأوتوستراد الذي يمرّ عبر جسر الشغور.

قد تشهد المنطقة #معارك ضارية في الفترة المقبلة. ومع وجود الآلاف من أولئك المقاتلين الغرباء، المعروفين بقسوتهم، فربما ستؤدي المعارك لكثيرٍ من المجازر المتبادلة بين أطراف #حرب لم تنته منذ ثماني سنوات.

 
 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة