في #تركيا، من الأفضل ألا تكوني امرأة في سوق العمل، النساء أول ضحايا الأزمة الاقتصادية العنيفة التي ضربت البلاد، فهنّ يمثلن فقط ثلث اليد العاملة، في الوقت الذي تعمل فيه الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية على دمجهن.


(نيشي أوزتورك كوشكون) إجازة في الكيمياء، ماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة التقنية في #اسطنبول، شغلت مناصب إدارية عدة في مجال التكنولوجيا الحيوية. وبعد ذلك، عام ونصف من البطالة بعد إفلاس صاحب العمل السابق.


في التاسعة والثلاثين من عمرها، متزوجة، لكن ليس لديها أولاد، الأمر الذي يثير عدم ثقة أصحاب العمل. في مقابلات العمل العشرة التي اجتازتها، كان يجب عليها أن تجيب باستمرار على نفس السؤالين: هل لديك أطفال، أو هل تنوين الإنجاب ومتى؟ وكان جوابها دائماً بـ لا.


لكن أصحاب العمل لم يكونوا يصدقوها، وفي إحدى المرات كذبت وأجابت بـ نعم، فسألها رب العمل: لماذا تريد أن تعمل، إذا كان لديها أطفال وزوج يكسب لقمة عيشه؟ وتتنهد “نيشي” قائلة: «في كل مرة كنت أشعر بأنني أدور في مكاني، على الرغم من 13 عاماً من الخبرة. كان العثور على عمل أمراً صعباً جداً في مثل هذه السن».


أولى ضحايا الركود

في مكاتب  جمعية BizBizze، وهي جمعية تدعم النساء في إنشاء مشارعيهن الخاصة أو البحث عن عمل، حصلت “نيشي” على الدعم عندما كانت عاطلة عن العمل. ويقول “لال يوكيب”، الأمين العام للجمعية: «نحاول تحديث مهاراتهن وأن يستعدن ثقتهن بأنفسهن، من خلال التدريب على التفاوض وكتابة السيرة الذاتية والاستعداد لمقابلة العمل». وهو دعم قيّم في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي ابتليت بها تركيا منذ عام 2018.


في بداية عام 2019، بلغ معدل البطالة 14.7٪، وهو رقم قياسي منذ عشر سنوات. حتى لو انخفض هذا المعدل (13.3٪ في شهر تشرين الثاني الماضي)، لا يزال هناك أكثر من 4 ملايين عاطل عن العمل، من أصل 80 مليون نسمة. والنساء هن أول ضحايا الركود: 16.6٪ منهن يبحثن عن عمل، مقارنة بـ 11.7٪ من الرجال، وفقا للمعهد التركي للإحصاء.


ناهيك عن أنه بالإضافة إلى الباحثين عن عمل، هناك ما يقرب من 12 مليون شخص لا يبحثون عن عمل، مشغولون للغاية في رعاية منازلهم، غالبيتهم العظمى من النساء.


خلال 15 عاماً، ارتفع عدد النساء العاطلات عن العمل في تركيا من 100 ألف إلى ما يقارب من 2 مليون. حيث فقدت 2169 امرأة وظائفهن كل أسبوع بين عامي 2003 و 2018. وفي العام ذاته، فقدت 61 امرأة وظائفهن كل ساعة.


في شهر تشرين الثاني الماضي، كان 59٪ من العاطلين عن العمل من النساء، مقارنة بـ 40٪ في عام 2003. وبالإضافة إلى الباحثات عن عمل، هناك أكثر من 20 مليون امرأة خارج القوى العاملة.


وبالتالي فإن النساء التركيات لا يمثلن أكثر من 33.9٪ من السكان النشطين. وهو أدنى معدل بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي عام 2017، كان 54 ٪ فقط من النساء التركيات لديهن حساب مصرفي، مقارنة بـ 83 ٪ من الرجال، وفقًا للبنك الدولي.


تقطع العديد من النساء التركيات حياتهن المهنية لرعاية الأطفال أو للاعتناء بأحد الوالدين المرضى، وتكون العودة للعمل بعدها صعبة جداً. لذلك تعمل الجمعيات،. مثل YenidenBiz، (نحن مرة أخرى) باللغة التركية،  بجد لدعمهن.


فمنذ تأسيسها قبل ست سنوات، تدعم هذه الجمعية خريجات أفضل الجامعات التركية وبعضهن لديها خبرة 7 سنوات على الأقل. لقد كن مدراء ماليين أو موارد بشرية أو تسويق في شركات تركية وأجنبية كبيرة.


وتتنهد “أوزليم يشيلدير”، المديرة المالية لشركة المشروبات الكحولية ورئيسة مجلس إدارة جمعية YenidenBiz، قائلةً: «ولكن حتى في هذا المستوى من المسؤولية، فإن إعادة بدء حياتك المهنية أمر صعب للغاية، والأزمة جعلت الأمور أسوأ بالنسبة للنساء، فإن القاعدة واضحة: يجب عليك التمسك بعملك، مهما كانت التكلفة».


«وماذا يفعل زوجك؟»

لكن بعد حالة حمل واحدة أو اثنتين، كيف تستمر المرأة في العمل في بلد تفتقر فيه إلى دور الحضانة العامة؟ تبدأ المدرسة الابتدائية في سن الخامسة، وغالباً ما تكون الرعاية النهارية الخاصة والمربيات باهظة الثمن.


وهو ما تندد به “أرزو جيركيز أوغلو”، رئيسة اتحاد للنقابات العمالية الثورية، ثالث أكبر منظمة نقابية في البلاد، حيث تطالب الحكومة بافتتاح دور الحضانة العامة وكذلك بخطاب سياسي يدعم توظيف النساء. «يجب على قادتنا مواجهة واقع البطالة، مهما كانت مخيفة»، تقول “جيركيز أوغلو”.


تشهد تركيا حالة توتر عامة، وفي الأشهر الأخيرة، انتحرت عائلات بأكملها بسبب الديون والتضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية، وفي الغالب كان الانتحار بالسيانيد. وفي شهر كانون الثاني الماضي، انتشلت شرطة اسطنبول جثمان الطالبة “سيبل أنلي” 20 عاماً، والتي كانت قد انتحرت مباشرة بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار الوجبات في جامعة اسطنبول.


في هذه الأثناء، الجنود الأتراك المنتشرون في شمال سوريا، واللاجئون السوريون في تركيا (حوالي 4 ملايين شخص) باتوا ضحايا الكراهية المتزايدة، وعلاقات #أنقرة مع #الاتحاد_الأوروبي تتوتر أكثر فأكثر.


وفوق كل شيء، فإن الانقلاب الفاشل في تموز 2016 بات يتلاشى ولم يعد يبرر استبداد الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان، مؤسس حزب #العدالة_والتنمية. في السلطة منذ العام 2002، بنى أردوغان شعبيته على النمو الاقتصادي السريع. ووصل الأتراك ذوي الدخل غير المستقر إلى الطبقة الوسطى، وأصبحوا مالكين وأرسلوا أطفالهم إلى الجامعة.


لكن هذه الآلية تراجعت وغير الرئيس نبرته. وفي شهر كانون الثاني الماضي، أعرب أردوغان عن أسفه لمعدل خصوبة راكد لا يتجاوز 1.99 طفل لكل امرأة. فهو يطالب بثلاثة أطفال لكل امرأة.


كما أن تصريحاته بشأن عمل المرأة مثيرة للجدل باستمرار. ففي شهر أيار من العام الماضي، عندما اعترضته سيدة في إحدى جولاته، وقالت له: «لقد تخرجت من جامعتين ولم أجد وظيفة»، كان رد أردوغان: «وماذا يفعل زوجك؟».


الأمومة بداية التبعية

بالنسبة للعديد من النساء التركيات، تمثل الأمومة بداية الاعتماد على الزوج. كما فعلت “صالحة ديديو أوغلو”، والتي انتظرت طفليها ليكبروا كي تعمل. نادراً ما كانت تخرج من منزلها، قبل أن تنضم إلى ورشة عمل Bebemoss، وهي مؤسسة اجتماعية لألعاب القطن المصنوعة يدوياً. حولها، تتحدث عشرات النساء بسعادة في وسط  الأنوال وبكرات الخيط.


يأتون لتقديم آخر إنتاجهم وأخذ طلبات جديدة. ومثل العديد منهن، تركت “صالحة” المدرسة في وقت مبكر جداً وتركت مسقط رأسها لتتبع زوجها إلى اسطنبول، بعمر الحادية والعشرين. ابتسمت هذه الأم الرقيقة بأدب ووشاح أزرق على شعرها وحقيبة مطابقة على كتفها، لتقول: «أنا سعيدة للغاية لأنني أعمل».


النساء في جمعية Bebemoss لا يتقاضين رواتب: هن حرفيات، غالباً ما يعملن في المنزل بالسرعة التي تناسبهم، مع رعاية أطفالهن. وتقوم “إيزابيلا ارشاهين”، مؤسسة المشروع من أصل فرنسي بولندي، بتدريبهن وتزويدهن بالمواد الخام وبيع الإنتاج، بشكل رئيسي في #الولايات_المتحدة.


وكانت “ارشاهين”، التي عملت سابقاً مع (ستيفانو بيلاتي)، المدير الفني (لإيف سان لوران) المقيم في اسطنبول منذ خمسة عشر عاماً، قد أنشأت Bebemoss منذ سبع سنوات. لتوظف منذ ذلك الحين مائة أم تركية أو سورية. كثير منهن لم يكن لديهن حساب مصرفي قبل أن يبدأن. «لكنهن ليسن هشات ولا ضعيفات! إن ما يجمعهن هو قوتهن»، تؤكد “ارشاهين”.


التعاونيات، دوائر قوية ومتعاضدة

خلال ثلاثين عاماً، تحولت “سينغول أكجار” إلى مرحلة أخرى. فقد تمكنت مؤسستها لدعم تشغيل النساء (Kedv)، التي ولدت في عام 1986، من إنشاء 200 تعاونية في جميع أنحاء البلاد. والهدف واحد: تعليم النساء كيف يعمل السوق.


«إنهن يعرفن بالفعل كيفية القيام بكل شيء آخر، رعاية الأطفال والطهي والخياطة وحتى إدارة الميزانية: إنهن يدعمن أسرهن بكل شيء»، تقول هذه السيدة الستينية. وتضيف بصوت أجش: «سواء فتحن دار حضانة أو مطعم أو مصنع نسيج أو مصنع صابون، فإن التحدي هو نفسه للجميع: معرفة كيفية تسويق سلعتك».


يقع أحد متاجر المؤسسة الثلاثة في الطابق الأرضي من Kedv، على مرمى حجر من #ساحة_تقسيم، وعلى الرفوف توجد زجاجات من زيت الزيتون بجانب مفروشات مطرزة أو أدوات مائدة أو مجوهرات مطلية يدوياً.


وتنظر “أكجار” حولها بفخر، لتقول مؤكدة: «التعاونيات هي المؤسسات الأقل تأثرا بالأزمة الاقتصادية. أقدم هذه التعاونيات ولد في عام 2002 بدعم من Kedv، ولا تزال موجودة حتى اليوم».


على بعد بضعة كيلومترات، تقع تعاونية Ilk Adım، “الخطوة الأولى” باللغة التركية، والتي صمدت جيداً منذ عام 2004. «لا نحاول تحقيق الربح ولكن البقاء على المدى الطويل»، تؤكد “كولتن بينغول”، وهي سيدة خمسينية وواحدة من مؤسسي Ilk Adım.


الطابق العلوي للتعاونية هو الحضانة، المشروع الأصلي للمؤسسات السبعة. بالإضافة إلى أعضاء التعاونيات، مكنت هذه الحضانة العديد من النساء من العثور على عمل. مثل “صايمة” التي جاءت لتأخذ ابنتها زهرة البالغة من العمر 4 سنوات.


«لقد وضعتها في الحضانة منذ عام وأنا أعمل في التنظيف»، توضح “صايمة” بابتسامة عذبة، في حين أن ابنتها الصغيرة المضحكة تلعب مع الوشاح المزهر الذي يغطي شعر والدتها. إن التعاونيات باتت دوائر قوية تجذب الاهتمام في تركيا أكثر فأكثر: بدون دبلوم أو رأس مال فإن تجميع الموارد والعمل المشترك أمر ضروري.


حرفيون ورجال أعمال رقميون

أولئك الذين يبدأون بمفردهم يعتمدون على حليف مهم: الانستغرام. هذه المنصة أسهل في الاستخدام من مواقع الانترنيت، وهي تحظى بشعبية لدى الحرفيين لبيع إبداعاتهم. وقد جعلتها “تولاي” خطة مهنية.


بسترة وردية ومحفظة من نفس اللون في يديها وابتسامة واثقة على شفتيها، هذه المحاسبة السابقة البالغة من العمر 41 عاماً هي طالبة في السلع الجلدية. وهي تدرس اليوم في مركز Ismek في الفاتح، الحي التاريخي في اسطنبول. ويوجد في المدينة 200 مؤسسة تدريب من هذا النوع، عامة ومجانية ومفتوحة للجميع.


يستقبلون 200 ألف طالب، معظمهم من النساء، ويقدمون 44 دورة تدريبية، من تصميم المنسوجات إلى اللغات الأجنبية، بما في ذلك فن الطبخ والرسم ورعاية الأطفال، وتقول “أيفر سانديكجي” مديرة أحد المراكز: «لقد عانى بعض طلابنا من البطالة لسنوات، حتى حملة الدكتوراه، وهم يتحولون إلى المهن اليدوية».


ولمساعدتهم في العثور على وظائف، يدعو Ismek الشركات بانتظام. ويأتي أرباب العمل ليعلنوا احتياجاتهم ويحددوا المرشحين. «تم قبول بعضهم للتدريب ثم تم توظيفهم»، تقول “ياسمين ميرت” رئيسة مركز (الفاتح).


حركة حفزها عمدة اسطنبول الجديد “أكرم إمام أوغلو” الذي انتخب في حزيران وهو عضو في #حزب_الشعب، حزب المعارضة الرئيسي. وتخطط بلدية المدينة الجديدة لفتح العديد من مراكز التوظيف، بما في ذلك مركز مخصص للنساء.


بالإضافة إلى وكالات مجلس العمل التركي، أي ما يعادل مكاتب العمل. يجب فتح ما لا يقل عن 100 حضانة عامة في غضون 5 سنوات، حيث يأمل “إمام أوغلو” خلق 200 ألف فرصة عمل جديدة، نصفها للنساء.


هجرة الأدمغة

لكن الوقت يمضي ببطء بالنسبة للأتراك. لا تزال علامات الانتعاش الاقتصادي ضعيفة ونتائجها معلقة، وقطاع البناء المتضرر بشدة يرفع رأسه ببطء كذلك.


يكفي إعطاء القليل من الأمل لـ “بينار كارتال” وهي مهندسة مدنية تبلغ من العمر 33 عاماً، قضت منها عشرة أعوام كمدير في مواقع البناء التي تقوم بها أكبر شركات البناء التركية. وهي عاطلة عن العمل منذ عام ونصف بعد أن تم التخلي عن المشروع حيث كانت ستعمل، زوجها لا يزال في عمله، وبفضل راتبه يحافظ الزوجان على حياتهما دونما عوز.


«أنا لا أريد أن أشتكي. سوف أحصل بسهولة على وظيفة مناسبة ذات أجر جيد إذا كنت على استعداد للمغادرة بدون زوجي»، تقول “كارتال” بانزعاج وفنجان القهوة يرتجف في يديها. يمكن للشابة، التي تتحدث الإنجليزية والإسبانية كذلك، أن تعمل في #أوروبا أو في #أفريقيا الناطقة بالفرنسية. ولكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للجميع.


في عام 2018، غادر البلاد 113 ألف تركي، بما في ذلك الكثير من الخريجين الجامعيين. إن هجرة الأدمغة الضخمة هذه تقلق الحكومة.


تعد “آيدان كركايا” إحدى اللواتي فقدن الأمل. حيث تقول: «الأمر بسيط، لا أحد من أقاربي في تركيا يعمل في المهنة التي درس فيها». ترحب بفريق الصحيفة في غرفتها الصغيرة في سكن الطلاب في #شارع_ديدرو، في الدائرة الثانية عشرة في باريس.


فهي تعيش هناك منذ تسجيلها في شهر أيلول الماضي للحصول على درجة الماجستير في الكيمياء. لغتها الفرنسية ليست مثالية بعد، لكنها تعمل على ذلك، لأنها لا تنوي العودة إلى تركيا أردوغان كما تقول. «إذا كان لدي الخيار، فسأبقى ولن أعود»، تضيف “آيدان” وهي تصلّب ذراعيها كدليل على التحدي.


المصدر: لوفيغارو الفرنسية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة