يعيش السوريون اليوم أزمة جديدة تضاف إلى سابقاتها خلال تسع سنوات من الحرب، مع انتشار فيروس “#كوفيد-19″، أو ما يسمى “كورونا”، والذي يواجهه المواطنون عُزّلاً دون وسيلة للوقاية منه،  فلا توجد أمكنة مناسبة للحجر الصحي، أو أجهزة فحص للعينات، أو حتى #كمامات كافية تساهم في تقليل فرص العدوى.

بات الوضع في سوريا مثيراً للقلق، فلم تعترف السلطات السورية إلا بحالات إصابة قليلة، أولم تتخذ كثيراً من  الإجراءات حيال #الحدود مفتوحة، والطيران من وإلى البلدان المصابة.

تم توثيق أكثر من مائة ألف معتقلِ تعسفياً ومختفٍ قسرياً، وحوالي ستة ملايين #نازح داخلياً، بالإضافة إلى مليون حالة نزوح، تم تسجيلها في الشمال السوري مؤخراً. أرقام تعبّر عن المخاطر التي يتعرض لها السوريون، الذين يواجهون اليوم احتمالاً مضاعفاً للإصابة بالمرض، بسبب سوء حالتهم الصحية وضعف مناعتهم، وتواجدهم في أماكن ضيقة مكتظة، لا تتوفر فيها أبسط احتياجات النظافة.

السجون المزدحمة وإمكانية تفشي الفيروس
يعاني #المعتقلون في السجون السورية من الحرمان من الغذاء الكافي والرعاية الطبية ومستلزمات الصرف الصحي والتهوية والمساحة، ويواجهون يومياً التعذيب الممنهج وسوء المعاملة والعنف الجنسي. على الرغم من دعوات عديدة أُطلقت على مر السنين للإفراج عنهم، والكشف عن مصير المختفين منهم، إلا أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد آخر.

تشكّل مراكز الاحتجاز والسجون التابعة للحكومة السورية خطراً كبيراً على حياة المحتجزين، في ظل الإهمال الطبي للمرضى، وانعدام النظافة. وما يزيد الأمر سوءاً تكدّس المحتجزين، فقد بلغت الكثافة في السجون أضعاف طاقتها الاستيعابية، وفقاً لشهادات عديدة سابقة من محتجزين تم الإفراج عنهم. كل هذا يساهم في انتشار #الأوبئة والأمراض بين المحتجزين.

اليوم ومع انتشار فيروس “كورونا” يزداد القلق على مصير المساجين. الجدير بالذكر أن الحكومة السورية كانت قد أعلنت اتخاذ بعض الإجراءات “الاحترازية”، إلا أنها لم تتطرق للمعتقلين، عدا عن مرسوم العفو الصادر في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2020، والذي يستثني من العفو المساجين الذين تتم محاكمتهم أمام محكمة “الإرهاب”، وهي التهمة التي تم إلحاقها بعدد كبير من المعارضين للنظام السوري، المسجونين تعسفياً. وفق تقارير حقوقية وشهادات معتقلين سابقين.

وليس الحال أفضل بكثير بالنسبة لمراكز الاحتجاز التابعة لمجموعات المعارضة المسلحة، التي لم تعترف أيضاً بأي إصابات حتى الآن، ولم تتخذ أي إجراء وقائي للحفاظ على صحة المحتجزين لديها، عدا قرار تم تداوله في الثامن عشر من آذار/ مارس 2020، نُسب لـ “الجيش الوطني”، تمنع بموجبه الزيارات في كافة السجون التي تتبع لـ”الشرطة العسكرية”، وقرار “قوات سوريا الديمقراطية” قبل أيام، الذي شمل الإفراج عن عناصر من قوات تنظيم “داعش”. هذا ولم يصدر حتى الآن أي قرار من قبل أي جهة للإفراج عن المدنيين المحتجزين.

تأمين الظروف الصحية الجيدة  حق للجميع، بحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بمن فيهم السجناء، وتنصّ المعاهدات والاتفاقيات الدولية المختلفة على وجوب التزام سلطات السجون بتخصيص أماكن آمنة وصحية لكل محتجز، وتأمين خدمات الرعاية الصحية والأدوية الكافية، وتقديم المعلومات والتعليم الخاص بإجراءات الوقاية الصحية وتنفيذها، وتوفير حماية خاصة للمحتجزين المعرضين للخطر، مثل الأشخاص الذين أظهروا اختباراً موجباً لفيروس نقص المناعة المكتسب، أو مرضى السكري والقلب.

وعليه فإن ما قد يحصل في سوريا حال انتشار الفيروس في أماكن الاحتجاز هو جريمة ومخالفة للقوانين والأعراف الدولية. دون أي تدخل من لجنة الصليب الأحمر الدولية أو منظمة الأمم المتحدة للضغط على الحكومة السورية لمعاينة ظروف السجون الصحية، أو للمطالبة بالإفراج عن #المعتقلين.

مواجهة الفيروس بإمكانيات معدومة في المخيمات
على صعيد آخر ليس الوضع أفضل بكثير في الشمال السوري، الذي يعيش فيه ما يقارب المليون نازح، هجروا مدنهم نتيجة للقتال بين القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران، وقوات المعارضة المدعومة من تركيا. وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي ثلث السكان يعيشون في المخيمات، بينما ينام البقية على قارعة الطريق، أو يبيتون في مبانٍ غير مكتملة أو مهجورة، أو يتشاركون السكن مع عائلات أخرى.

يعيش النازحون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها “موبوءة”،  لا توفر ماء للاستحمام أو لغسل اليدين، المراحيض القليلة يستعملها العشرات وربما المئات دون تنظيف أو تعقيم، والغرف ضيقة تعيش فيها عدة عائلات، ولا تتوفر فيها الأطعمة الصحية أو الهواء النظيف، ولذلك فإن أي خطوة لوقف انتشار المرض، في حال وجوده، أمر بالغ الصعوبة.

وما يثير التساؤل هنا هو موقف منظمة الصحة العالمية، التي لم تسلّم حتى الآن أدوات اختبار فيروس كورونا إلى المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة، على الرغم من قيامها بأول تسليم لهذه الأدوات إلى الحكومة السورية منذ أكثر من شهر، متذرعة بما قاله المتحدث باسمها، “هيدين هالدورسون”: “المنطقة الشمالية الغربية ليست دولة”، ولذلك فلم يكن  تزويدها بمجموعات الاختبار اللازمة أولوية للمنظمة، على الرغم من إدراكها لحجم الخطر الذي سيواجهه السكان في تلك المنطقة، إذا ما انتشر الفيروس فيها.

كل ما تقوله المنظمة اليوم بهذا الخصوص إنها تتوقع وصول أدوات الاختبار إلى محافظة إدلب (التي يبلغ عدد سكانها اليوم حوالي ثلاثة ملايين نسمة)، ولكنها لا تعرف متى أو ما الكمية التي سيتم تزويد المنطقة بها. كل هذا التأخير سيكون سبباً آخراً لانتشار الفيروس بين النازحين.

توجد في المنطقة عدة حالات لمرضى تتشابه أعراض مرضهم مع أعراض الإصابة بـ “كورونا”، نقلاً عن الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز”، بعضهم توفي بالفعل، ولكن لا يمكن الجزم بأن هذه حالات “كورونا” فعلاً، بسبب عدم وجود أية أدوات لإجراء الاختبارات اللازمة، أو أماكن صالحة لتكون مراكز للحجر الصحي، في حال انتشار المرض والكشف عنه، إضافة إلى نقص في عدد المشافي والمراكز الصحية المؤهلة لاستقبال المرضى في المنطقة الشمالية الغربية، خاصة بعد القصف السوري الروسي الذي استهدف النقاط الطبية والمشافي، وقتل المئات من العاملين في المجال الطبي.

ما يضاعف الخطورة على حياة من يصاب بالفيروس في المنطقة المذكورة، هو وجود 153 منفسة “جهاز تنفس اصطناعي” فقط، في المنطقة التي يسكنها حوالي مليون نسمة. حسب تصريح طبيب محلي لجريدة “نيويورك تايمز” الأميركية.

 “كورونا” ليس منصفاً
رغم حقيقة أن فيروس كورونا هو جائحة أصابت معظم دول العالم، ولم تفرق بين غني أو فقير، ومسؤول دولة أو مواطن عادي، إلا أن نظرة قريبة من الواقع تبيّن لنا أن الناس ليسوا سواسية أمام هذا الفيروس. ففي حين يصاب الناس حول العالم بالاكتئاب اليوم بسبب الحجر المنزلي، وبالذعر لعدم توفر المناديل أو الأغذية التي يفضلون، يقف الطفل السوري في خيمته منتظراً المياه المقطوعة ولوح الصابون المفقود.

وفي الوقت الذي لا تتحمل فيه مشافي العالم الضغط الهائل للمرضى، يستقبل المعتقل السوري سبباً جديداً للموت دون أن تكون لديه فرصة لارتداء كمامة أو أخذ مسكن للألم. وبينما تسارع الدول المتطورة لصناعة الدواء الشافي، تبذل الحكومة السورية كل ما بوسعها للتعتيم على الإصابات الموجودة لديها. وفي الوقت الذي تنشر فيه منظمة الصحة العالمية النصائح على موقعها الإلكتروني لتفادي الإصابة بالفيروس ولمعرفة طرق التعامل معه، تقف ذات المنظمة متفرجة على السوريين في الخيام دون أن تقوم بأية خطوة حقيقية لدرء المرض عنهم، متناسية أن صحة كل شخص في العالم اليوم مرتبطة بصحة الآخر، وأن الحد من انتشار هذا الفيروس يتطلب ضمان الوصول العادل إلى سبل الوقاية والعلاج للجميع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.