قاربت الاحتجاجات الاخيرة التي يشهدها العراق نصف عام على إنطلاقها، تخللتها أعمال ‏عنف ‏كثيرة، راح ضحيتها أكثر من ستمئة ‏قتيل من القوات الأمنية والمتظاهرين، وأكثر من ثلاثة وعشرين ألف ‏جريح، فضلاً عن أربعة آلاف معاق، بحسب البيانات الرسمية.‏

وحتى وقت قريب كانت فكرة الانسحاب من الساحات شبه مستحيلة لدى ‏المحتجين، ما لم يتم تحقيق ‏المطالب، التي خرجوا من أجلها في بداية تشرين الأول/أكتوبر ‏من العام ‏الماضي. إلا أن ظهور فيروس “كورونا” عقّد المشهد، وغيّر حسابات كثير من ‏المتظاهرين في “ساحة التحرير” وساحات الاحتجاج الاخرى.

‏يرى كثيرٌ من انصار الاحتجاجات  أن ساحات الاحتجاج انقسمت على نفسها، بعد انسحاب عدد ‏من ‏المتظاهرين، بسبب التحذيرات الصحية من ‏الوباء. في المقابل هناك عدد لا يستهان ‏به منهم بقى ‏ملازماً مكانه، رافضاً العودة إلى حياته الطبيعية دون تحقيق المطالب.

‏ويؤكد “وائل السلطان”، الناشط بالتظاهرات العراقية عن محافظة “كربلاء”، لموقع «الحل نت» ‏أن ‏‏«الانسحاب من ساحات الاحتجاج سيكون ‏مؤقتاً لحين تجاوز الأزمة الصحية التي تعاني ‏منها ‏البلاد والعالم، لأن التجمعات بكافة اشكالها من الممكن أن تؤدي الى أخطار كبيرة ‏على ‏المجتمع ‏في الوقت الراهن».‏

ويضيف “السلطان” أن «بقاء بعض الاصدقاء في الساحات كان ‏باتفاق ‏الجميع على ضرورة الحفاظ على أماكن ‏التظاهر، خوفاً من السيطرة عليها من المندسين ‏التابعين للأحزاب السياسية».

‏ويشير إلى أن «التظاهرات أشبه بخلية النحل الكبيرة، تعمل بذكاء و فهم كبير ‏للمتغيرات ‏الاجتماعية والسياسة»، لافتاً إلى أن ‏‏«المتظاهرين قرروا انسحاب قسم منهم وبقاء ‏آخرين، وهو نوع  من تبادل الأدوار لحين عبور هذه المرحلة الصحية الحرجة، والعودة ‏بزخم أكبر ‏إلى الساحات ‏في الايام القادمة».

‏من جهته يؤكد “سامر السبع”، الناشط في تظاهرات بغداد لموقع «الحل نت» أن «الانسحاب بات ‏أمرا ‏ضرورياً في ظل المخاطر الصحية ‏التي تمرّ بها البلاد».

‏ويوضّح السبع أن «أهم هدف خرجت من أجله التظاهرات كان طلب الحياة ‏الكريمة، ‏ونظام سياسي يحترم حقوق مواطنيه، ‏فضلاً عن الحقوق الاساسية في توفير فرص ‏العمل ‏والقضاء على الفساد، والحد من السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة».

‏ويردف أن «خطر كرورنا يهدد العالم، والعراق جزء منه، وبما أن الوباء قاتل، ونحن ‏طلاب ‏حياة، قررنا الانسحاب من ساحات ‏التظاهر، على أمل العودة حين انتهاء هذه الازمة».

‏من جهة أخرى كشف خالد المحنا، الناطق باسم وزارة الداخلية، لموقع «الحل نت»، أن «الوزارة ‏ستتعامل ‏مع أي تجمع بشري ترصده “خلية الازمة”، ‏المُشكّلة بالقرار 55 لسنة 2020، حسب التوجيهات ‏التي من ‏شأنها أن تقلل الخطر الصحي على البلاد».‏

ويقول “المحنا” إن «أي قرار يخص فضّ التظاهرات سيصدر من خلية الأزمة، ولا علاقة ‏لوزارة ‏الداخلية به سوى التطبيق».‏

ويوضّح أن «كل القرارات السابقة التي تخصّ التجمعات، سواء كانت التظاهرات أو أي تجمع ‏آخر، ‏كانت صادرة عن خلية الأزمة، التي ‏يترأسها جعفر محمد علاوي وزير الصحة».

‏إلى ذلك اصدرت ساحة الاعتصام في محافظة “بابل” بياناً رسمياً، الاحد 15 آذار/مارس 2020، ‏بشأن ‏التطورات الصحية في البلاد.

‏وقال المعتصمون في البيان إن «ساحات الاعتصام ما تكونت إلا من أجل ضمان حياة ‏كريمة ‏للمواطنين الأحبة، وذلك من خلال تحسين ‏ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ‏والصحية».

‏واضاف البيان: «نظراً للمستجدات الأخيرة الخاصة بإنتشار كورونا في بلدنا الحبيب،  قرر إخوانكم الثوار في ‏ساحات اعتصام ‏”بابل” ما يلي‎ ‎‎:‎تشكيل لجنة أزمة محلية من ذوي الاختصاص من الثوار، تتبنى اتخاذ القرارات ‏المناسبة لحماية ‏وتأمين ‏ساحة اعتصام بابل صحياً، وذلك من خلال مجموعة إجراءات، من ضمنها ‏نشر الوعي ‏الصحي بين الثوار وأهالي بابل، وعمل جولات ‏لتعقيم وتعفير الساحة بشكل دوري، ‏وغلق جميع ‏مداخلها، وتحديد نقاط تفتيش وتعقيم وتوزيع المستلزمات الضرورية لكل ‏من ‏يدخلها، بالتعاون مع القوات الامنية».

‏وطالب المعتصمون، بحسب البيان «الحد من المشاركة بأية مسيرة أو تصعيد خلال الفترة ‏الحالية، حسب ما تقتضيه الظروف، حفاظاً ‏على أرواحنا وأرواح أهالي بابل».

‏و أكد المعتصمون في بيانهم على إصرارهم وتمسكهم بالقضية، وعدم تخليهم عنها «رغم ‏التسويف ‏والمماطلة والقتل والترهيب المستمر، ‏وعدم اكتراث الحكومة وأصحاب ‏القرار»، حسب تعبيرهم.

‏وأطلق ناشطون في مواقع التواصل الإجتماعي، وسم”#ظل_بالبيت”، للحد من انتشار فيروس “كورونا” ‏في ‏العراق، وشارك في الوسم، عدد كبير من الناشطين والفنانين والإعلامين العراقيين.‏

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.