في الوقت الذي تترنح فيه أنظمة الرعاية الصحية الأكثر تقدماً في العالم في مواجهة فيروس #كورونا،  فإن سوريا، التي دُمر نظامها الصحي بسبب سنوات الحرب الطويلة، معرضة بشكل خاص لتفشي هذه الجائحة وما سينجم عنها من انهيار اقتصادي واجتماعي، نظراً للنقص العام في الوعي، والعوز الكبير في الموارد واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في جميع أرجاء البلاد. 


وبالإضافة إلى النظام الصحي المنهك والعنف الطويل الذي عانت منه البلاد ومعدل الفقر الشديد، يرتفع كذلك متوسط عدد الأفراد لكل عائلة بشكل كبير، بالإضافة إلى الأصول والفروع الذين يسكنون في ذات المنزل. كما أن أعداد النازحين في سوريا كبير جداً حيث يعيش معظمهم في مناطق ذات كثافة سكانية عالية أو في مخيمات النازحين داخلياُ مع انعدام إمكانية العزل أو حتى الوصول إلى المياه بشكلٍ كافٍ، وفقاً لـ بحث نشرته جامعة LSE البريطانية


إمكانيات سوريا في الاستجابة لتفشي فيروس “كورونا


بحسب البيانات والأبحاث المتاحة، فإن الحد الأقصى لعدد الحالات التي يمكن معالجتها على نحوٍ مثالي في سوريا، إذا ما اجتاحها هذا الفيروس القاتل، لن يتجاوز الـ 6500 حالة. ويعتمد هذا الرقم على عدد الأسرّة المتواجدة في وحدات العناية المركّزة مع أجهزة التنفس في جميع أنحاء سوريا، والتي يقدّر عددها بـ 325 سريراً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن فقط 5% من مجمل الحالات المصابة بفيروس كورونا تتطلب عناية طبية مركّزة. وبمجرد تخطي هذا العدد من الحالات، والمعروف كذلك بعتبة السعة القصوى، فمن المحتمل أن ينهار نظام الرعاية الصحية في البلاد مع الاضطرار إلى اتخاذ قرارات تقنينية. وبالتالي سيزداد المعدل العام للوفيات بنسبة لن تقل عن 5% على الأقل بين المصابين، وفق الدراسة. 


وتتفاوت السعة القصوى لاحتواء المصابين بفيروس “كورونا” بشكل كبير بين المحافظات السورية المختلفة، حيث تتراوح الإمكانيات ما بين استيعاب 1920 حالة في دمشق إلى صفر حالة في دير الزور، كما يبين الجدول التالي:


المحافظةعدد أسرّة العناية المركّزة (في المستشفيات العامة والخاصة)عتبة السعة القصوى لاستيعاب حالات الكورونا
دمشق961920
حلب5100
ريف دمشق11220
حمص5100
حماه29580
اللاذقية771540
الحسكة18360
دير الزور00
إدلب20400
طرطوس30600
الرقة480
درعا360
السويداء22440
القنيطرة5100
كل سوريا3256500


تدابير الاستجابة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة


وبالرغم من المؤشرات الهامة التي تفيد بأن الفيروس قد بدأ بالتفشي بالفعل وبشكل واسع في البلاد، إلا أنه لم يتم تأكيد سوى عدة حالات مصابة بالفيروس حتى الآن. واعتبر الكثيرون أن استجابة منظمة الصحة العالمية كانت بطيئة جداً في سوريا، سواءً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو تلك الخارجة عن سيطرته.


ووفقًاً لتقرير حالة صادر عن منظمة الصحة العالمية منذ أيام، أبلغت جميع الدول المجاورة لسوريا عن زيادة هائلة في عدد الحالات المصابة بهذا الفيروس: 266 في العراق و 127 في الأردن و 267 في لبنان و 1529 في تركيا 13. علاوة على ذلك، فإن إيران، التي تواجه تصاعداً كارثياً في عدد المصابين بـ “كورونا”، لديها الآلاف من مقاتليها في سوريا، وحتى وقت قريب، كان المئات منهم يتنقلون ذهاباً وإياباً بين سوريا وإيران عبر مطار دمشق الدولي أو عبر قواعد عسكرية إيرانية في سوريا في محافظة دير الزور. كما استمر الحجاج الإيرانيون والسياح المتدينون، الذين يزيد عددهم عن 22000 شخص كل عام، في زيارة الأضرحة في دمشق وضواحيها حتى الأسبوع الأول من شهر آذار من هذا العام. 


وفي غضون ذلك، أعلنت الحكومة الباكستانية في العاشر من الشهر ذاته أن سبعة أشخاص وصلوا من سوريا ثبتت إصابتهم بالفيروس. وأعلنت الحكومة العراقية كذلك عن حالتين مؤكدتين قادمة من سوريا. ومن جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه تم الكشف عن عدة حالات لأشخاص يعانون من أعراض “كورونا” في أربع محافظات مختلفة في سوريا: اللاذقية وطرطوس وحمص ودمشق.


وعلى الرغم من تسليم منظمة الصحة العالمية الكثير من أدوات الاختبار للمستشفيات العامة في مناطق الحكومة، فقد أكدت عدة مصادر أن بعض المستشفيات العامة، مثل #مستشفى_المجتهد في دمشق، تطلب من المرضى دفع ما يصل إلى 50 ألف ليرة سورية (حوالي 50 دولار أمريكي) لكل اختبار، وهو ما يتجاوز الراتب الشهري للعديد من الأشخاص. وفي بعض الحالات، يجب على المرضى الاعتماد على «الواسطة» لإجراء الفحص أو حتى الدخول إلى المستشفيات. وتقدم بعض المستشفيات الخاصة كذلك اختباراً مقابل 300 ألف ليرة سورية (حوالي 300 دولار أمريكي) للقلة القادرة على تحمل هذا المبلغ، بحسب الدراسة ذاتها.


تدابير غير قابلة للتطبيق


بدأت الحكومة السورية في اتخاذ إجراءات وقائية تدريجية في بداية شهر آذار/مارس، قبل ثلاثة أسابيع من إعلان الحالة الأولى. وشملت هذه التدابير الإغلاق الجزئي للحدود وتعليق غالبية الأنشطة الاقتصادية غير الضرورية وتخفيض القطاع العام إلى 40٪ من قدرته من خلال إدخال نظام بدوام جزئي، بالإضافة إلى إغلاق المدارس والجامعات والمطاعم وغيرها من المرافق العامة غير الضرورية. كما أرجأت الحكومة الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في الثالث من شهر نيسان/أبريل.


انعدام ثقة الجمهور في السلطة الحاكمة بدمشق، يعيق بشدة قدرتها على الاستجابة للأزمة بشكل فعال. فالناس لا يثقون في التقارير الحكومية، وبالنظر إلى التأخير المتعمد للإعلان عن حالات الإصابة بفيروس “كورونا” في سوريا، فإن الناس يواصلون حياتهم اليومية بشكل منتظم، مما يزيد من خطر الإصابة والعدوى. وبالمقابل، فإن الانهيار الاقتصادي للبلاد ومعدلات التضخم المرتفعة في كل الأوقات وانتشار الفساد والمحسوبية، يعرض الاستجابة لحالات الطوارئ للخطر. ومع وجود ما يقارب من 83٪ من السكان تحت خط الفقر، ستثبت العزلة الذاتية أنها غير قابلة للتطبيق لعدد كبير من السوريين، وخاصة أولئك الذين يعتمدون على العمل اليومي غير الرسمي. 


ويبدو أن لدى وزارة الصحة وإداراتها القليل من المعلومات حول الوضع الحالي لتفشي “كورونا” في البلاد. هذا بالإضافة إلى وجود موارد محدودة جداً لإجراء الاختبارات على نطاق واسع. وتشير العديد من التقارير إلى أن أجهزة الأمن تتدخل في سياسات الرعاية الصحية، في محاولة للسيطرة على رواية وسائل الإعلام حول الجائحة، وتهديد الأطباء والمرافق الصحية الخاصة، وتقييد قدرة منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية على تنفيذ خطط الاستجابة الاجتماعية. 


الاستجابة في مناطق المعارضة


تعاني منطقة شمال غرب سوريا من ضعف واضح بسبب العدد الكبير للنازحين والنقص في عدد منشآت الرعاية الصحية. وهذا ما يجعلها معرضة بشدة لانتشار فيروس “كورونا”، في الوقت الذي تبدو فيه استجابة منظمة الصحة العالمية غائبة بشكل ملحوظ. 


ففي شهر كانون الثاني الماضي وحده، فرّ ما يقرب من مليون ونصف شخص من منازلهم، وانتهت الأغلبية العظمى من النازحين في مراكز مكتظة بالأساس في شمال إدلب وحلب. وتشير البيانات الحديثة إلى أن هناك حوالي 60 ألف سوري مشرد حديثًا في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد.


ومن حيث البنية التحتية للرعاية الصحية، تم إغلاق 62 مرفقاً صحياً خلال الشهرين الماضيين بسبب الأضرار الشديدة والقيود الأمنية، وفقد العديد من المهنيين الصحيين حياتهم أو أجبروا على الفرار. ونتيجة لذلك، ليس في المنطقة حالياً سوى 166 طبيباً و64 مرفقاً صحياً، يعمل معظمها بالحد الأدنى من البنية التحتية للسعة.


وعادة ما يتم تنفيذ خطط الاستجابة للطوارئ الصحية في هذه المنطقة من قبل المنظمات الطبية السورية غير الحكومية و”مديرية صحة إدلب الحرة”. وتعاني كل من المنظمات غير الحكومية الطبية والمديرية المذكورة من نقص مزمن في الموظفين وقلة التمويل. وتطلق العديد من منظمات المجتمع المدني المحلية حملات توعية وتقوم بتطوير العديد من استراتيجيات الاستجابة، مثل مشاركة بعض مواردها المالية والبشرية المتاحة، وإطلاق مؤتمرات بالفيديو لنشر الوعي حول فيروس “كورونا”، و زيادة إمكانية الوصول إلى المرافق الصحية ومراكز العزل المجتمعية. 


التحديات في مناطق الإدارة الذاتية 


يعيش حالياً أكثر من 4 ملايين شخص في شمال شرق سوريا، حيث يوجد 11 مستشفى عام، اثنان منها فقط يعملان بشكل كامل والباقي يعمل جزئياً بسبب الأضرار المرتبطة بالنزاع. كما يتوفر 22 سريراً فقط من وحدات العناية المركّزة. كما أن هناك أيضاً أكثر من 600 ألف نازح داخلياً، أكثرهم نتيجة للعمليات العسكرية التركية في شمال سوريا. وهناك 14 مخيماً للنازحين في المنطقة، أكبرها مخيم #الهول في محافظة الحسكة بالقرب من الحدود العراقية. ويواجه هذا المخيم ظروفاً إنسانية وصحية كارثية قبل فترة طويلة من الوضع الحالي. ويحتوي المخيم على ثلاثة مستشفيات ميدانية فقط و 12 نقطة طبية ثابتة، لم يتم تجهيز أي منها بوحدات العناية المركزة أو أجهزة التهوية.


ورداً على جائحة “كورونا”، أغلقت الإدارة الذاتية معابرها الحدودية مع العراق، فضلاً عن إغلاق المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق والأماكن العامة والعيادات الخاصة الصغيرة، مع حظر تجول إلزامي لجميع المواطنين باستثناء العاملين في المجال الطبي وعمال البقالة وسائقي شاحنات توصيل الأغذية. وعينت لجنة الصحة في الإدارة المذكورة مستشفى عامودا العام للتعامل مع الحالات المشتبه فيها بفيروس “كورونا”. وأنشأت العديد من مراكز الحجر الصحي في جميع أنحاء المنطقة.  كما أطلقت العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية في المنطقة حملات توعية عامة لتشجيع البقاء في المنازل. 


وبالنظر إلى الصراع المتزايد مع تركيا في الشمال وإغلاق الحدود العراقية من الشرق، فإن العاملين الصحيين في شمال شرق سوريا لا يملكون سوى خيارات قليلة: إما انتظار منظمة الصحة العالمية التي لا تستجيب على ما يبدو، أو الاعتماد على الحكومة السورية، التي تصر على استغلال الموارد القليلة المتاحة لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها.


المعتقلون السوريون: ضحايا منسيون


يعيش المعتقلون السوريون كذلك في خطر كبير، نظراً لظروف معيشتهم في السجون أو معسكرات الاعتقال المزدحمة.  وقد أثار العديد من نشطاء المجتمع المدني السوري ومنظمات حقوق الإنسان الدولية قضية عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في السجون الرسمية وغير الرسمية في سوريا وسط الوباء الحالي. وحذروا من تفشي محتوم لفيروس كورونا بين هذه السجون ومراكز الاعتقال، حيث يتم ويضع 50 معتقلاً في زنزانة لا تزيد مساحتها عن تسعة أمتار.


كما أصدرت  منظمة “هيومن رايتس ووتش” بياناً حثت فيه الأمم المتحدة على السعي للوصول إلى مراكز الاعتقال “لتزويد المعتقلين بمساعدة منقذة للحياة”. ومن المؤكد أن الحكومة السورية لن تقبل بذلك. وتابع البيان ليحذر المجتمع الدولي من كارثة بسبب الظروف المروعة في السجون .


وفي الوقت الذي تركز فيه الحكومات جهودها على الاستجابة لتفشي “كورونا” داخل حدودها، بات من الضروري على المجتمع الدولي أن يولي اهتماماً أكبر لانتشار الفيروس في البلدان المتأثرة بالنزاعات. كما يتطلب الأمر وضع خطط استجابة خاصة وتدابير وقائية جديدة لهذه البلدان، حيث لا يوجد فيها مياه نظيفة لغسل الأيدي كما أنه ليس لدى الكثير من سكانها منزل للعزل الذاتي. 


ويجب أن تستهدف خطط المساعدة بشكل رئيسي الفئات الأكثر ضعفاً، لاسيما هؤلاء الذين سوف يتركون ليموتوا جوعاً بدون تقديم المساعدات لهم، وأن يتم تزويدهم بالمياه العذبة وتوفير الصرف الصحي وسبل النظافة الصحية والمساعدات الطبية بشكل كبير. وبدون ذلك، يمكن لتفشي الفيروس في هذه البلدان أن يتسبب في استمرار تفشي الجائحة على مستوى العالم لفترة أطول وأن يتسبب في إصابات جديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.