يعرف شباك التذاكر في عالم صناعة الأفلام بمقياس نجاح وجاهيرية فيلم وفشل آخر، إلا أن انتشار بعض الأفلام وتحقيقها مبيعات عالية، ليس دائماً دليلاً على جودة المحتوى، فالإنتاج والتسويق السخيان من شأنهما أن يرفعا من قيمة العمل، حيث من شأن الضخ الإنتاجي والإعلامي أن يضع أفلاماً تطرح قضايا ثانوية في قائمة الأعلى مشاهدة وإيرادات، والعكس صحيح، حيث يمكن لمنطق السوق أن يهمش أعمالاً ذات قيمة فنية عالية على مستوى الصناعة والمضمون.

بعض الأعمال يقف ورائها صنّاع مهرة وتحقق معادلة الكيف والجماهيرية، مثل فيلم “The Post”، للمخرج الأمريكي “#ستيفن_سبيلبرغ”، وبطولة الممثلة الأمريكية “#ميريل_ستريب”، ومواطنها الممثل “توم هانكس”.

عُرض فيلم “The Post” في صالات السينما في الشهر الأول من عام 2018، وسرعان ما حصل على نسبة88%  في موقع تقييم الأفلام “Rotten Tomatoes”، وعلى أرباح وصلت إلى 179.8 مليون دولار أمريكي.

قدّم الكاتبان “ليز هانا” و”جوش سينغر”، مع المخرج “ستيفن سبيلبرغ”، في هذا الفيلم قصة مقتبسة من أحداث حقيقية ترجع إلى عام 1971 حين استلمت “كاثرين غراهام”، إدارة صحيفة “#واشنطن_بوست” الشهيرة بعد وفاة زوجها_مدير الصحيفة السابق_ وكانت الصحيفة حينها ملكاً لوالد “كاثرين”، قبل وفاته، وبالتالي أصبحت “كاثرين غراهام” هي المالكة وأول سيدة ناشرة، تعمل في صحيفة رفيعة الشأن في #الولايات_المتحدة. إلا أنها كمعظم #نساء تلك الحقبة لم تكن تملك الخبرة في العمل، إذ كانت تعيش في ظل زوجها الذي منعها من العمل طوال عقود.

دخلت “كاثرين غراهام” عالم #الصحافة والأخبار السياسية من أعلى السلم الوظيفي، ولكن بخطى ضعيفة بالطبع، وببراعة الإخراج والتمثيل ولغة الجسد، اتضحت شخصية “كاثرين” (تلعب دورها ميريل ستريب)، في الفصل الأول من الفيلم، أثناء اجتماعها مع مجلس إدارة صحيفتها والمحررين، فبرغم تحضيرها الجيد، لم تكن قادرة على فرض نفسها في النقاش. الصوت المنخفض والتردد في الكلام، جعلاها مهمشة في ذلك الاجتماع.

لم يكن محرر الصحيفة “بن برادلي” (الذي أدى دوره توم هانكس) أفضل منهم البقية، ولم يكن ليرضخ لطلبات “كاثرين” بتخفيف نبرة انتقاده للحكومة، فقد كان همها الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة والحفاظ أيضاً على مستوى الصحيفة المتميز، مما جعلها في تساؤل دائم عن قدرتها على النجاح رغم كل التحديات.

الصراع
انقلبت الموازين في الفصل الثاني من الفيلم، وتصاعدت وتيرة الأحداث وتسارع إيقاع الفيلم، حين نشرت الصحيفة المنافسة “نيويورك تايمز”، تقريراً عن حرب فييتنام تم تسريبه في عام 1966، وبدأت سلسلة من التحقيقات الصحفية التي عمل عليها المحرر “بن برادلي” وفريقه حتى وصلوا إلى معلومات في غاية الخطورة وفضائح تخص الحرب المدمرة التي دامت ثلاثة عقود، وعاصرت أربعة رؤساء أمريكيين، وقضت على أكثر من 3 ملايين إنسان في فييتنام وكمبوديا ولاوس، بالإضافة إلى ما يقارب 60 ألف جندي أميركي.

لم يكن تحدي الحكومة سهلاً بالنسبة لشخصية مثل “كاثرين”، لكنها في أعماقها شخصية صادقة وإحساسها بالمسؤولية زاد الصراع الداخلي لديها. تغيرت نظرتها للأمور حين اكتشفت الحقيقة البشعة للحرب وشعرت بالغدر والخيانة من قِبَل الحكومة التي يفترض أن تحميها. بات الموضوع جاهزاً للنشر وبات على “كاثرين” مواجهة القرار الذي يمكن أن يكلفها حياتها، وصحيفتها، وحريتها، هل توافق على نشر التحقيق أم لا؟

يبدع المخرج في إظهار اللحظات الحاسمة في الفيلم، تقترب الكاميرا من وجه “كاثرين”، وتمعن صاحبة الأداء العالي “ميريل ستريب” بنقل المشاهد إلى عالمها، وإلى قرارها، تغير صوتها، تغيرت نظرتها، اتضحت ثقتها بنفسها وفرضت وجودها، تجاهلت أصوات المعارضين لها وأصغت لصوتها. 

لحظات ممتعة تحمل إلى قلب المشاهدين والمشاهدات بشكل خاص، مشاعر القوة والثقة والفخر، فكيف تصبح الشخصية بتلك القوة رغم أنها بقرارها الذي اتخذته ستتعرض لكل أنواع الخطر؟ 

قوة الحق
تغيرت الحياة بالنسبة لـ “كاثرين” وكذلك للمحرر “بن” والصحيفة الشهيرة “واشنطن بوست”، لكنها ليست نهاية الفيلم فالفصل الأخير يمثل الصراع بين مصلحة الحكومة وحرية الصحافة، فإن رضخت “الواشنطن بوست” لقرار الحكومة بمنع النشر خوفاً على الأمن القومي، ستعود صحيفة “نيويورك تايمز” لتتصدر الصحافة الأميركية، فهل ستقف الـ “تايمز” مع حرية الصحافة أم مع مصلحتها المادية؟

لايخفي المخرج “سبيلبرغ” فخره بحرية الصحافة في نهاية الفيلم، خصوصاً حين يلمح إلى فضيحة “ووترغيت” التي ستبدأ بعد اتصال هاتفي يتلقاه الرئيس الأميركي “ريتشارد نيكسون”، وسيسارع المشاهد بعد انتهاء الفيلم إلى الإنترنت ليبحث عن نشر الفضيحة التي كلفت “نيكسون” استقالته من الرئاسة الأمريكية ومحاكمته، ليجد اسم صحيفة “واشنطن بوست” وصاحبتها “كاثرين غراهام” في الصدارة.

رغم بعض التغيير في صفات الشخصية الحقيقية، والتي أضفاها المخرج لضرورات درامية، تبقى “كاثرين” #امرأة رائدة في عالم الصحافة كما تبقى “ميريل ستريب” ممثلة بارعة، استطاعت أن تتصدر بطولة هذا الفيلم وتخطف الأضواء، في مشاهد عدة_ من شريكها البارع “توم هانكس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.