بالكاد أنهى الطلاب، في أغلب دول العالم، الفصل الدراسي الأول، حتى أغلقت المدارس والمعاهد والجامعات أبوابها، مع بدايات الفصل الثاني بسبب جائحة فيروس كورونا العالمية، فماذا عن الامتحانات؟

وجدت “راما” وهي طالبة في الصف الثامن (الثاني الإعدادي في سوريا) بعض الراحة في هذه الإجازة القسرية، وفرصة للتخلص من عبء الدوام والالتزامات، فعلى الرغم من استمرار المدرسين في تقديم #الدروس “المملة” عبر الإنترنت، إلا أنها على الأقل تعرف أنها غير مطالبة بالجلوس كالتمثال وتصنّع الانتباه، كما أنها تتوقع أن يتم ترفيعها إلى الصف الثالث الإعدادي دون امتحان “جدّي”. كما تقول.

يختلف عن ذلك شعور أخيها “أنس” الذي عليه أن يقدم #امتحان الشهادة الثانوية العامة هذه السنة، فالتوتر يعتريه نظراً لعدم وضوح موعد وطريقة تقديم الامتحانات، التي ستحدد مستقبله الدراسي والعملي.

تتكرر أزمة امتحان الشهادة الثانوية في سوريا وبعض الدول العربية، سنوياً منذ عشرات السنين، وتبدأ الاستعدادات لهذا الامتحان المفصلي في حياة كل طالب منذ نهاية السنة الدراسية الحادية عشر، أو قبلها أحياناً ،بالترافق مع استنفار على مستوى الأسرة، تجعل الطالب يتفرغ بشكل شبه  كامل لدراسة منهاج الشهادة الثانوية وتكراره عدة مرات، بمفرده أو بمساعدة الدورات والدروس الخصوصية، التي تزداد كلفةً سنة بعد سنة.

يمكن وصف عملية الدراسة هذه، بصيغة أكثر صراحةً، بأنها عملية بصم #المنهاج بالكامل أي حفظه غيباً “من الغلاف إلى الغلاف”، كما يقول #الطلاب. وفي واقع الأمر تكون مهمة الطالب الأساسية بمساعدة أو بدون مساعدة، هي محاولة تنظيم عملية الحفظ وتكديس كمية ضخمة من المعلومات في ذاكرته السطحية لينساها غالباً في اليوم التالي للامتحان.

 

التعليم كما لا نعرفه
تطورت أساليب التعليم والامتحانات حول العالم، خصوصاً في السنوات الأخيرة، واعتمدت الدول المتقدمة مناهج تشجع الطالب على التحليل والاستنتاج والبحث العلمي، وأصبحت الامتحانات عبارة عن مشاريع يقدمها الطلاب على مدار السنة لكل مدرس، ليتمكن من تقييم استيعابهم ومدى تعمقهم في المعلومات، لذلك فإن إغلاق المدارس لم يغير كثيراً في أسلوب دراستهم كما أنه بالتأكيد لن يؤثر على مستقبلهم الدراسي.

تقول “رِوى” وهي طالبة في المرحلة المتوسطة في كندا، إن المدارس أرسلت للطلاب اشتراكاً مجانياً في الإنترنت، لتستمر الدروس بشكل شبه طبيعي، أما الامتحانات فلا تغيير كبير فيها وسيستمر الطلاب بتقديم المشاريع للمدرسين كالعادة.

أحبّت “رِوى” مدرستها في كندا، ولاحظت أن الفرق كبير في أسلوب التعليم، فبعد أن كانت أغلب الأسئلة في #الامتحانات_السورية تبدأ بـ (ردد، عدد، أذكر، عرّف، إلخ)، أصبحت تستمتع بالأسئلة في النظام التعليمي الجديد، والتي تبدأ بـ (ابحث، قارن، حلل، استعمل، جرب، مارأيك بـ.، ماذا لو، إلخ).

بدوره يقول “ساري”، وهو طالب في المرحلة الثانوية في ألمانيا : لم أكن أعرف طريقة لدراسة التاريخ غير حفظه غيباً وتسميعه شفهياً أو كتابياً، وفوجئت حين طلب منا المدرس تحليل قرارات رئيس الوزراء البريطاني “تشرشل” في الحرب العالمية الثانية، وماذا يمكن أن يكون قرارنا لو كنا في مكانه؟ لم يكن لدينا كتاب تاريخ أصلاً، ولم أفهم كيف يمكن أن يضع المدرس تقييماً لأجوبتنا المختلفة، ثم فهمت أن العلامات تكون على دقة بحثنا ومصادره المتنوعة والموثوقة، وعلى وضوح شرحنا وتقديمنا وحسن استيعابنا لمفاصل البحث العلمي وقدرتنا على التفكير المنطقي.


هل سننجح في الامتحان؟
تجلّى ضعف أسلوب التعليم الحالي في سوريا في ظل هذه الأزمة العالمية، أكثر من أي وقت مضى،  فبغض النظر عن ضعف الإنترنت أو عدم توفره لكافة شرائح المجتمع، يعتمد المنهاج على الحفظ ويعتمد الامتحان على كتابة المعلومات في قاعة الامتحان تحت رقابة مكثفة، فكيف يمكن أن تقدم الامتحانات في ظل الحجر الصحي طالت مدته أم قصرت؟

ولايمكن إغفال حقيقة أن الإجابة على سؤال_ هل سننجح في الامتحان؟_ ليست رهناً بالطلبة، فعدا عن مايقع على عاتق الطالب من تحضير جيد للنجاح، يتوجب طرح أسئلة أبسط، هل ستتوفر الكهرباء ساعات كافية؟ هل سيضمن كافة المقبلين على امتحانات الشهادات، الحصول كمية غذاء كافية خلال أيام الدراسة؟ ماذا عن بعض الراحة النفسية للطالب، على أقل تقدير؟ هل سينجح أصحاب القرار في هذا الامتحان؟

يقول الفيلسوف وعالم النفس السويسري “بياجيه” (1896-1980) إن “الدماغ يتطور عندما تتاح له فرصة التفاعل الحر مع البيئة والناس والأشياء”، وهذا لم يعد خافياً على أحد، فهل يعقل أن تبقى طريقة الدراسة النظرية هي الوسيلة الأكثر اعتماداً في سوريا؟ وهل سيبقى نظام التعليم متأخراً عن التطور بعد عودة الحياة المدرسية إلى مجراها الطبيعي، أم أن الظروف الحالية ستعجل في إيجاد حل واعتماد أسلوب تعليم جديد يعمل على تحفيز دماغ جيل المستقبل على التفكير والإبداع، وناجح في أغلب دول العالم المتقدمة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.