تسعى #إيران من خلال ميليشياتها المتعددة إلى التغلغل في الداخل السوري، كما تكثّف من نشاطاتها الهادفة إلى تعزيز وجودها السياسي والمذهبي بين السكان، من خلال بناء الحسينيات والمزارات الدينية لغايات سياسية.

بدأت إيران مساعيها في  محافظة #دير_الزور نهاية العام 2017، عبر إنشاء عدد من #الحسينيات في مناطق متفرقة، يُشرف عليها رجال دين من الطائفة الشيعية، على ارتباط مباشر بإيران، إلى جانب مكاتب الانتساب للمليشيات العسكرية الإيرانية، أو المليشيات المحلية الموالية لها.

 

الواقع والموروث الشعبي

وعمدت إيران، من خلال مليشياتها المتواجدة في المحافظة، إلى ربط مواقع أثرية بالتراث الشيعي، كما حدث في مدينة “القورية”، الواقعة بريف دير الزور الشرقي، حيث قامت ببناء حسينية فوق نبع ماء “عين علي” المجاور للمدينة، مُدّعية أنه مكان “مقدس”، بهدف تشجيع السياحة الدينية في المنطقة، إذ يعد المزار الأبرز في عموم المحافظة، بحسب ما أكده خبراء في تاريخ المنطقة.

وقالت صفحات موالية للحكومة السورية آنذاك إن «العميد “سهيل الحسن”، الملقب بـ”النمر”، كلّف مهندسًا لبناء قبة فوق نبع “عين علي” في منطقة “الميادين”»، وبثّ ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي حينها، تسجيلاً مصورًا للمكان أثناء عملية بنائه.

فيما قالت شبكة «فرات بوست»، الأبرز في تغطية أخبار المحافظة إن  «المهندس “محمد جمول”، كُلف من العقيد “سهيل الحسن”، وبتمويل من هيئة مزارات “آل البيت” التابعة لإيران، بالاشراف على عملية البناء». وأوضحت أن «هذا المزار يتألف من سور ضخم، وبناء مشابه للمسجد، يضم عددًا من أشجار النخيل، تم جلبها من البساتين المحيطة». وأكدت الشبكة أنه «لا يوجد روابط تاريخية بين الصحابي “علي بن أبي طالب” ونبع الماء هذا، االذي كان مهملاً على مدى عقود طويلة، واستملكته إيران بعد سيطرة مليشياتها على معظم مناطق ريف دير الزور الشرقي، بذريعة حماية المراقد والمزارات، التي تعمل على إنشائها في عموم المحافظة».

ووفقاً للموروث الشعبي فإن نبع المياه الكبريتية هذا سُمي “عين علي” لأنه تفجّر تحت حافر حصان الإمام “علي بن أبي طالب”، حين كان في طريقه إلى معركة “صفين” قرب الرقة، وأنه أقام في هذا المكان ثلاثة أيام، بحسب تقرير صحيفة “الشرق الأوسط” حول المزارات في دير الزور.

 

الحقيقة التاريخية

“جرير المسعود”، وهو أستاذ تاريخ من سكان الميادين، قال إن «”عين علي” أو “منارة علي”  أو “عين أباغ” موجودة قبل الإسلام، وتبعد عن مدينة “الميادين” مسافة تسعة كيلومترات، وهي أقرب لمدينة “القورية”. وتمتاز مياهها بأنها ليست حلوة ولا مالحة، “ماهجة” ليس لها طعم واضح. و ما كان يميزها أيضاً هو التدفق المستمر والغزير، وخاصة في فصل الربيع، وكان يستفاد منها في زراعة الحنطة والشعير والسمسم والقطن».

وعن العادات والطقوس القديمة المتعلقة بـ”منارة علي” ونبعها، يؤكد “المسعود” أنها «كانت وجهة للتنزه أيام الربيع، وفي أوقات المساء في فصل الصيف، إذ كانت النسوة يصعدن لرمي حجاب أو راية من أعلى المنارة، ليرين حظهن ونصيبهن في حل أي مشكلة تواجههن، فإذا جاءت الراية ململمة فحظهن غير وافر، وإن جاءت مفتوحة تعلو الزغاريد فرحاً بذلك. كما قام البعض بذبح القرابين على صخورها، والبعض الآخر كان يغتسل بمياهها للاستشفاء والتبرّك. هذه طقوس لاتزال عالقة في ذاكرة أبناء المحافظة بعيداً عن التشيّع الذي تسعى إيران لنشره في المنطقة»، وفق وصفه.

ويتابع: «تعرّض الموقع للنهب والتخريب على مراحل، بدءاً من ستينيات القرن الماضي، عن طريق بعض تجار الآثار، بالاشتراك مع بعض النافذين في الحكومة آنذاك، ليتكرر المشهد عقب خروج القوات الحكومية من المنطقة عام 2013، فقد تعرّض المكان لتخريب ممنهج وسرقة  لم تُبق منه شيئاً». مشيراً إلى «تعرّض أماكن أثرية أخرى، تبعد مسافة سبعة كيلومترات عن “عين علي”، مثل قبور الغساسنة، وبئر رومانية كانت مطمورة بالتراب، للسرقة أيضاً على يد بعض اللصوص، إذ عُثر على كسرات من الفخار في المكان ذاته، مكتوب عليها “عين أباغ”. لينتهي الحال بالمنارة دماراً على يد عناصر تنظيم “داعش”، بعد سيطرتهم على المكان في عام 2014».

يضيف “المسعود” في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه كان شاهداً على هذا التخريب، فقبل عام 1960 كانت المنارة محاطة بمسجد وبعض الدور ومقبرة أثرية قديمة، تم نبشها بواسطة جرافات، ثم أعيد ردمها وتسويتها بالأرض بعد سرقة المقبرة. أما المنارة فقد كان «ارتفاعها حوالي سبعة عشر متراً، ولها بوابة (فتحة)، وبداخلها سلم يصعد إلى أعلاها، ورُسمت على جدرانها ثمانية صلبان واضحة. وتعتبر “عين علي”، أو “عين أباغ” كما سماها خبراء الآثار قديماً، آخر بلاد العراق وأول بلاد الشام»، وفق قوله.

وبعد  خروج  “داعش” من  المنطقة أواخر 2017، وسيطرة مليشيات إيران على معظم مناطق الريف الشرقي، وضعت الأخيرة يدها على المعلم الأهم في المحافظة من وجهة نظرها، وهو نبع الماء، وبنت مزاراً كبيراً عليه،  ونظمت رحلات للحجيج الإيرانيين والعراقيين  إليه. فالعين، وفق زعمهم، تعود إلى مبرك ناقة “علي بن أبي طالب”، أو مكان ضربة حافر فرسه،  عند توجهه إلى معركة “صفين” «ناسفين  بذلك كل الوقائع التي سبقت ذلك التاريخ»، وفق تعبير الأستاذ “جرير المسعود”.

 

مزارات دينية مستحدثة

“محمد خير الدين المولى”، صحفي من ديرالزور، تحدث لموقع «الحل نت» قائلاً إن «إيران حاولت نشر فكر التشيّع منذ أول موطئ قدم لمليشياتها في المحافظة، من خلال إنشاء المكاتب الدعوية والمراكز الثقافية والجمعيات الإغاثية، إلا أن نشاطها تركّز بشكل كبير على بناء الحسينيات والمزارات الجديدة، بدءاً من أقاصي شرق المحافظة، على الحدود السورية العراقية من جهة “البوكمال”، وصولاً إلى ريفها الغربي المتاخم لمركز مدينة دير الزور».

واستعرض “المولى” أسماء بعض المزارات، ففي بلدة “السويعية” «أنشأت  منظمة “آل البيت” مزارين، أطلقت على الأول اسم “مربض ناقة الحسين”، وعلى الآخر “قبة علي”. وفي مدينة “البوكمال” بنت حسينية “الإمام الحسين” (مسجد “عبد الرحمن بن عوف” سابقاً)، و”حسينية زينب” عند مدخل  المدينة  الآخر، من جهة “بلدة السكرية”، وتخضع جميعها لحراسة مشددة من عناصر #الحشد_الشعبي العراقي و#الحرس_الثوري الإيراني».

أما في  مدينة #الميادين فقد «أنشأت “الحوزة الزينبية”، وتخضع لحراسة مشددة من عناصر #حزب_الله_اللبناني، إضافة لمسجد “الإمام الجواد”. وفي قرية “حطلة”، غربي مدينة دير الزور، تم إنشاء حسينية “آل البيت” و”جامع فاطمة الزهراء”، ويتبع كلاهما لـ”هيئة مزارات آل البيت”، بينما تم إنشاء ثلاث حسينيات بداخل الأحياء المدمرة في المدينة، أهمها “مسجد الرسول الأعظم” و”مسجد الإمام الحجة المنتظر”»، وفقاً للمصدر ذاته.

 

فشل عقائدي

ويتابع “المولى”: «تتجه مجموعة من الزوار القادمين من العراق وإيران، بعد مرورهم بمدينة “البوكمال” وريفها، إلى جنوب مدينة “القورية”، في مشهد احتفالي، ووسط الصراخ بشعارات دينية، قاصدين التبرّك بمياه نبع “عين علي”».

«إلا أن مشهد الحشود العسكرية المدججة بالأسلحة، التي ترافق باصات الزوار لحمايتهم، وعدم اختلاط أهالي المنطقة بالحجاج ونفورهم منهم، تعكس ضعف المشروع التبشيري الشيعي، الذي تنفق عليه إيران بسخاء، بالرغم من نجاحها العسكري، وتثبيت سيطرتها على أهم المناطق الحيوية والاستراتيجية في دير الزور، حلقة الوصل البري بين إيران ولبنان مروراً بالعراق وسوريا». يؤكد “المولى”، الذي يختتم حديثة بالقول إن «النجاح الشكلي الذي حققته إيران على المستوى العقائدي، اقتصر على بناء الحسينيات والمزارات، ورفع الآذان الشيعي في بعض مناطق ريف دير الزور، إلى جانب الاحتفالات ببعض الطقوس الدينية (عاشوراء على سبيل المثال)، وجلب زوار عراقيين وإيرانيين من المذهب الشيعي إلى المنطقة بشكل مستمر، بهدف الحج إلى المزارات الجديدة».

 

قادمون من بؤر كورونا

وثّق مرصد حقوقي دخول دفعة جديدة ممن سمّاهم “حجاجاً من المذهب الشيعي” إلى الأراضي السورية، من معبر “القائم” الحدودي في “البوكمال”، منتصف الأسبوع الفائت، قادمين من العراق، رغم تفشي فيروس “كورونا” في العراق وإيران، في ظل مزاعم الحكومة السورية بإغلاق المعبر، للحد من انتشار الفيروس.

ونقل “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، عن مصادر له، «وصول قرابة عشرين حافلة محملة  بـالحجاج العراقيين والإيرانيين، من معبر “القائم”، الخاضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية على الحدود العراقية- السورية، باتجاه ما يسمى “المزارات” التي نشرتها إيران في مدينة “البوكمال” وريفها».

«ورافقت تلك  الحافلات عناصر من ميليشيا “الثوري الإيراني”، على متن سيارات عسكرية “شاصات”، ليتوجه “الحجاج” إلى “قبة علي” و”مربض ناقة الحسين” في قرية “سويعية”، قبل التوجه إلى المزارات الأخرى في المحافظة»، وفقاً للمرصد الحقوقي.

 

تشجيع على ممارسة الطقوس الدينية

وأوضح مصدر خاص لموقع «الحل نت» من مدينة البوكمال أن «قادة “الثوري الإيراني” و”الحشد الشعبي العراقي”، لا يكترثون بسلامة عناصرهم، بل يقومون بتشجيعهم على ممارسة طقوس التعبد والتبرّك داخل المزارات والحسينيات، لأن ذلك يقيهم شر الإصابة بالفيروس، من وجهة نظرهم».

وأضاف المصدر أن «المزارات في الوقت الحالي تعجّ بالعناصر والزوار، ما يزيد احتمالية نقل الفيروس إلى المدنيين، وتفشيه بشكل كبير في المنطقة، وخاصة مع تواجد عناصر محليين ضمن صفوف المليشيات الإيرانية المختلفة والمنتشرة في عموم المنطقة».

 

القبول بالأمر الواقع أو الاعتقال

رائد، 33 عاماً، مدني يسكن في ريف دير الزور الشرقي (طلب الاكتفاء بنشر اسمه الأول لسلامته الشخصية)، تحدث لموقع «الحل نت» قائلاً إن «الأهالي في مناطق  الريف الممتد بين مدينتي “البوكمال” و”الميادين”، متخوفون بشكل كبير من انتقال عدوى “كورونا” إليهم، مع الانتشار الكثيف للمليشيات الإيرانية في المنطقة المذكورة، واستمرار تدفق باصات الزوار الإيرانيين والعراقيين إلى االآن، واستغلال المتطوعين الجدد في صفوف المليشيات المنتشرة في المنطقة تلك الباصات للوصول إلى المحافظة دون رقابة».

منوهاً إلى «اعتقال دوريات تابعة  لـ”الثوري الإيراني” أو “حزب الله اللبناني” كل من يعارض وجود أولئك الزوار من أبناء المحافظة»، مشيراً إلى «اعتقال “الثوري الإيراني” لثلاثة رجال من مدينة “القورية”، لانتقادهم تواجد زوار إيرانيين وعراقيين في سوق المدينة مؤخراً». وفقاً لقوله.

يأتي ذلك وسط شكوك كبيرة بالعدد الذي تعلنه الحكومة السورية للمصابين بفيروس “كورونا” في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وضعف الإمكانيات الطبية المتاحة في محافظة دير الزور، وعموم البلاد، ما يهدد، بحسب مختصين، حياة الآلاف، في حال تفشي الوباء بشكل كبير.

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة