أثارت أعمال الشغب التي حصلت في السجن الذي يحتجز نحو خمسة آلاف من مقاتلي تنظيم داعش شمال شرقي سوريا، مخاوف جديدة، حيث ليس للبعد الاجتماعي أو مسافة الأمان بين الأفراد أولوية على الإطلاق.

ومع تزايد التذمّر في الولايات المتحدة الأميركية من أجل إطلاق سراح السجناء من السجون المكتظة بالتزامن مع تفشي فيروس #كورونا، اتخذ السجناء القرار ذاته بأنفسهم على بعد آلاف الأميال في سوريا، وقاموا بالتمرّد.

إلا أن هذا السجن ليس سجناً عادياً، ونزلاؤه ليسوا بالسجناء العاديين. فالمدرسة التي تحولت إلى سجن في مدينة الحسكة يضم مقاتلي التنظيم ممن تم اعتقال معظمهم خلال معركة #الباغوز، الجيب الأخير لتنظيم داعش، ربيع 2019.

«نموت مثل الذباب»

يُعتقد بأن أكثر من عشرة آلاف سجيناً من الذكور ينتمون لخمسين جنسية مختلفة (معظمهم من السوريين والعراقيين) معتقلين ضمن 25 من السجون المنشأة التي يديرها الكرد في شمال سوريا.

ذلك بالإضافة إلى عشرات الآلاف من النساء والأطفال المحتجزين في المخيمات. ويبدو أن لا أحد يعرف كيفية التصرف بشأنهم، حيث يقول محتجزون عالقون في حالة من النسيان أنهم ينتظرون محاكمتهم أو الموت، ومما زاد من حالتهم سوءاً الهجوم التركي على الأجزاء الواقعة تحت سيطرة الكرد في سوريا العام الماضي.

مشهد الزنزانات مروع تماماً، المئات من «الإرهابيين» المشتبه بهم محتجزون داخل غرفة الصف.، وكما يبدو ليس هناك مساحة كافية لاستلقاء جميعهم في الوقت ذاته.

أبرز أحد السجناء، وهو مغربي، مدّ رأسه الحليق من فتحةٍ صغيرة على باب إحدى الزنزانات وسأل: «أخبرني من فضلك، هل ما تزال الدولة الإسلامية باقية؟ نحن لم نخسر الحرب، أليس كذلك؟».

يقول أحد الحراس الكرد: «ليس لديهم أدنى فكرة عما يحصل خارج هذه الجدران. من فضلكم لا تخبروهم بمقتل أبو بكر البغدادي، نحن نريد تجنب حدوث عصيان».

المقاتلين غير التائبين

يصرّ الكثير منهم على عدم ندمهم على أفعالهم، مشيرين إلى ضحايا الهجمات الإرهابية التي نفذها التنظيم في جميع أنحاء العالم على أنها مجرد “انتقام” من الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في كلّ من سوريا والعراق، «إنها الحرب. هل تعتقد أننا سوف نرسل لك علبة شوكولا؟» سأل أحد السجناء البريطانيين.

جهادي آخر، وجهه الصغير مجعد الآن بسبب الندوب، وأصيب ساقه الأيسر خلال القتال، ولكن الأجزاء المكسورة من العظم لم تصلح لذلك الساق مثني بزاوية  90 درجة. لم يكن قادراً على المشي، كان لابد من أن يحمله سجينان آخران إلى الغرفة.

«لقد أمضينا هنا عشرة أشهر ولا نعرف أي شيء عن حالة عائلاتنا. أنا لا أعرف إذا ما كان أطفالي وزوجتي ما يزالون على قيد الحياة».

قال السجين عادل المزروعي، البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً والذي يحمل الجنسية البلجيكية، لصحيفة هارتس. وأضاف بينما يربت على ساقه المكسور: «لقد كانت زوجتي حاملاً في المرة الأخيرة التي رأيتها بها».

مشروع محفوف بالمخاطر

يتفق العديد من خبراء الأمن على أنه ومن منظور أمني، فإن إعادة الجهاديين إلى أوطانهم هو الخيار الأقل سوءاً. إلا أن معظم الحكومات تبدو ممانعة لتلك الخطوة خوفاً من أن تتعارض مع رغبة العديد من مواطنيها، والتي تقضي بأن يبقى المقاتلون محتجزون حيث وقعت جرائمهم.

لكن العودة أيضاً لا تخلو من المخاطر. فقد تكون محاكمة هؤلاء الأشخاص في المحاكم المحلية تشكل تحدياً نظراً لعدم وجود أدلة مرتبطة بالجرائم التي ارتكبت على بعد آلاف الأميال.

ما يعني أنه وفي بعض البلدان يمكن محاكمة الأشخاص فقط بسبب انتمائهم إلى منظمة إرهابية وبالتالي إطلاق سراحهم بعد بضعة سنوات. الأمر الذي يشكل تهديداً أمنياً محتملاً على تراب وطنهم.

«إن عملية إدارة الاعتقال المحلي وإعادة تأهيل الجهاديين قضية حساسة بشكل خاص، وكانت مبادرات “التطرف” المختلفة غير مقنعة، مها اختلفت الصيغة، وهو ما يفسر سبب ممانعة القوى السياسية عودتهم إلى الوطن»، يقول “جوليان ثيرون” زميل في المعهد النرويجي لدراسات الدفاع.

وكانت قد أعلنت السلطات الكردية في شهر شباط الفائت أنها سوف تبدأ في أجراء محاكمات لمقاتلي تنظيم داعش الأجانب، سواء بدعمٍ دولي أو بعدمه.

حيث كانوا سابقاً يأملون بأن تعيد الحكومات الأجنبية رعاياها أو تساعد في إقامة محكمة دولية داخل منطقة الحكم الذاتي التي يديرونها. إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، لذلك قرروا تنفيذ ذلك بأنفسهم.

وقد تمت بالفعل محاكمة الآلاف من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش في محاكم كردية محلية. والأحكام تتفاوت، إلا أن عقوبة الإعدام ممنوعة بموجب النظام القانوني للإدارة الكردية التي تفتخر باحترامها لأعلى معايير العدالة الجنائية الدولية.

ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كان مثل هذه الجهة غير الحكومية قادرة على تنظيم المحاكمات بدون دعم سواء من #الحكومة_السورية أو المجتمع الدولي، الذي لم يعترف رسمياً بالإدارة الكردية المستقلة.

ربما يكون لدى الأكراد السوريين مصلحة شخصية في الاحتفاظ بالرعايا الأجانب ذوي القيمة العالية، لأنه بالإمكان استخدامهم كوسيلة ضغط في أية مفاوضات مستقبلية تجرى مع بلدان هؤلاء المعتقلين.

ومع ذلك، فإن إبقاء الجهاديين في سوريا إلى أجل غير مسمى؛ قد يثبت خطورته، كما حصل مؤخراً في الحسكة. حيث لم يكن تمرد يوم الأحد هو المرة الأولى التي يتمكن من خلالها مقاتلو التنظيم الهروب من السجون الكردية.

الهجوم التركي

تسببت العملية العسكرية التركية في شهر تشرين الأول الماضي، على مناطق شمال شرقي سوريا الواقع تحت سيطرة القوات الكردية، إلى فرار نحو مائة من معتقلي التنظيم بسبب تضرر السجون التي تحتويهم بسبب الاشتباكات، وفقاً لمذكرة استخباراتية أمريكية سرية.

وبحسب المذكرة، كان ما يقارب من ثمانين بالمائة من سجناء تنظيم داعش الأجانب (الخمسين الأخطر) محتجزين في مراكز عرضة للعمليات التركية عبر الحدود، معظمهم من الأفراد الذين خططوا لشن هجمات أو لديهم خبرة فنية في صنع القنابل أو حتى إنتاج الأسلحة. والعديد منهم قادة متوسطي المستوى أو مشاركين إعلاميين ذوي خبرة.

وكان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد طلب في ذلك الوقت نقل المعتقلين المذكورين إلى منشآت بعيدة عن خط الجبهة. ومع ذلك نفى المسئولون الأكراد تلك المطالب. وفي النهاية، أخرج الجيش الأمريكي عشرات الجهاديين البارزين من السجون التي يديرها الأكراد مع بدء الهجوم التركي.

كانت عمليات الهروب الناجحة من السجن محدوداً للغاية بالنسبة إلى العدد الإجمالي للجهاديين المحتجزين في شمال شرقي سوريا. إلا أن الأزمة الأخيرة المتمثلة بالانسحاب الأمريكي الجزئي والهجوم التركي أظهرت تماماً مدى عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة، وأن تكليف القوات الكردية بمثل هذه المهمة الكبيرة كان دائماً رهاناً محفوفاً بالمخاطر.

 «الخلافة في قفص»

يُعد سجن الحسكة هو أكبر مركز اعتقال لمقاتلي تنظيم داعش في المنطقة، وبالتالي في العالم. والتمرد الأخير بالتأكيد لن يكون آخر محاولة للسجناء بالهروب.

وأخيراً، دعت إحدى الرسائل الصوتية الأخيرة لقائد التنظيم البغدادي، والتي صدرت في شهر أيلول الماضي، إلى «بذل أقصى ما يمكن لتحرير الأعضاء المعتقلين وتدمير الجدران التي تقيدهم».

وقد اعتبرت مذكرة المخابرات الأمريكية أن مركز الاعتقال هذا تشكل “هدفاً رئيسياً” بالنسبة لتنظيم داعش بسبب حجمه والفائدة من إطلاق السجناء المحتجزين هناك.

فسجن الحسكة، ومن نواحٍ عدّة، هو “الخلافة في قفص”. هناك يأس وخوف، وأسف على ما يحدث وما لم يحدث، وهناك كراهية أيضاً.

منذ فترة ليست ببعيدة، كان هؤلاء الرجال يشعرون بأنه لا يمكن قهرهم عندما غزوا الأراضي والشعوب وشنوا هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم ونشروا الخوف بين الشعوب.

إلا أن أجسادهم الهزيلة اليوم تروي قصة مختلفة تماماً. فالرجال عديمي الرحمة يستجدون الرحمة الآن.

«أدركت قبل حوالي ثلاث سنوات بأننا كنا نخسر الحرب. كان كل شيء قد بدأ بالانهيار، كانت الفوضى تعم الأرجاء. كان لا بد من أن ننسحب من كل مكان. كان الناس يهربون، واختفى القادة وكذلك بدء المقاتلين الانتحاريين بالاختباء في الصحراء ما  بين سوريا والعراق»، يقول “عبد الله نعمان”، معتقل بلجيكي في العشرينيات من العمر.

 

المصدر- صحيفة (هآرتس)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.