في التاسع عشر من شهر آذار الماضي، وقبل أن تعلن الحكومة السورية عن تسجيل أي إصابة بفيروس كورونا المستجد، خرج وزير المالية “مأمون حمدان”، وأعلن عن تخصيص مبلغ 100 مليار ليرة سورية (نحو 80 مليون دولار)، لتمويل إجراءات الحكومة في مواجهة الفيروس.

وأصبح مبلغ الـ 100 مليار حديث #السوريين، خصوصاً بعد الصور “المهينة” التي سربت من مركز الحجر الصحي في منطقة “الدوير” بريف دمشق، إضافة إلى صور، ومقاطع الفيديو حول طرق التعقيم “البدائية” وغير المجدية، وصولاً إلى عشرات الآلاف الأسر ممن لا معيل لها وتوقفت أعمالهم اليومية، دون أي دعم أو استراتيجية واضحة لكيفية إنفاق المبلغ المذكور.

مبادرات ودراسات على الورق

تتّبع موقع (الحل نت) التصريحات الحكومية، والأخبار الواردة من الصحف الرسمية، لمعرفة الكيفية التي سينفق فيه مبلغ 100 مليار ليرة، والقطاعات التي ستستفيد منه.

وبحسب بيان نشرته اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء على صفحتها في “فيسبوك” فإن رصد المبلغ سيكون بهدف «ضمان استمرار العملية الإنتاجية للصناعات #الغذائية والطبية (المعقمات والمطهرات) في القطاعين العام والخاص، وضمان تقديمها بجودة عالية للمواطنين، وتواتر توريدات المواد الأولية اللازمة للإنتاج بانسيابية».

وفي تاريخ 30/3/2020، أصدر مجلس الوزراء قرا راً بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع #العمال، الذين تضرروا نتيجة الإجراءات الاحترازية برئاسة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وعضوية معاوني وزراء الصناعة والزراعة والصحة والشؤون ورؤساء اتحادات العمال، وغرف الصناعة والزراعة والسياحة والحرفيين.

وفي الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، في 6 آذار، التي كان من المفترض أن يتخذ فيها إجراءات تقديم المنح للمتضررين وقيمتها وطرق توزيعها، وافق المجلس على «إنشاء حساب بنكي للحملة الوطنية للاستجابة الاجتماعية الطارئة، تتم تغذيته من قبل القطاع الخاص، أو التبرعات الفردية، أو من خلال المغتربين السوريين».

وبعد الجلسة، أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل “ريما القادري” في تصريح نشرته صحيفة (الوطن)، أنها تعمل على تحديد المستفيدين المحتملين من المنحة التي أقرتها الحكومة لمن تضرر بسبب الإجراءات الاحترازية من فيروس #كورونا.

ولم تشر إلى القيمة المنحة المالية، وعزت ذلك إلى أن «تحديد قيمة المنحة سيتم بعد حصر عملية المستفيدين منها، وعملية إيصال المنحة سيكون حسب تطورات الوضع وحركة الناس، والإعلان عن التسجيل سيكون في الأيام القادمة»، بحسب تعبيرها.

“البطاقة الذكية” هي الحل!

قال أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق لموقع (الحل نت) وفضل عدم الكشف عن اسمه،  إن «الحكومة تعاملت مع جائحة كورونا بأسلوب، جعجعة بلا طحين».

وأوضح أنه «مع كل الإجراءات الاحترازية، وحظر التجول وتخصيص 100 مليار ليرة، إلا أن المواطن لم يلمس أي شيء على أرض الواقع، فلا تزال أبسط الاحتياجات اليومية كالخبز غير متوفرة، وشاهدنا فيديوهات عن الاقتتال والازدحام الحاصل عند توزيع المادة، إضافة إلى ارتفاع #الأسعار بمعدل 100% في الأسواق السورية دون رقيب أو حسيب».

وأضاف أستاذ الاقتصاد أن «سوريا بلد دمرتها #الحرب على مدار 10 سنوات، والحكومة لا تملك سوى التصريحات الإعلامية، والإجراءات الأمنية في فرض حظر التجوال».

فمعدل الفقر في سوريا وصل لـ 85%، ونسبة #البطالة زادت عن 50%، وهذا كله ما قبل انتشار جائحة كورونا، وجميع ما نراه حالياً هي مبادرات ودراسات واقتراحات نظرية لدعم الأسر الفقيرة والمتضررة من عملية الحجر وتقييد الحركة، بحسب الأستاذ.

ولدى سؤاله عن الشائعات عن منح شهرية للعاملين الذين تضررت أعمالهم نتيجة الإجراءات الوقائية من كورونا، أشار إلى أنه «إلى الآن لا توجد آلية أو استراتيجية لكيفية توزيعها، فهذا الأمر يحتاج إلى قاعدة بيانات ومعلومات تفصيلية عن المهن والعاملين المسجلين وغير المسجلين في التأمينات الاجتماعية، وبالتالي وإن صح هذا الأمر فالأولى أن يتم توزيع هذه المنح عبر #البطاقة_الذكية على شكل سلع ومواد غذائية، لضمان عدم ارتفاع الأسعار أكثر في السوق، وبالتالي فقدان المنحة المالية قيمتها».

وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أن «الحكومة وخلال السنوات السابقة، لا تقدم دعماً لتنشيط الاقتصاد، أو دعماً مادياً إلا عبر موظفي الدولة، بمعنى أنها قد تلجأ إلى تقديم منحة للموظفين العاملين لديها لضمان ولائهم، دون غيرهم، فيما ستتخلى عن باقي الفئات الاجتماعية».

كورونا وزيادة العجز المالي

لا شك أن جائحة كورونا بحسب العديد من الاختصاصيين ومراكز الأبحاث سيكون لها تأثير سلبي على الموازنة العامة للدولة المنهكة أصلاً من سنوات الحرب، ليبقى السؤال: كيف سيتم الحصول على تكاليف احتواء هذا الوباء العالمي بالنسبة للحكومة السورية؟

الباحثة الاقتصادية (رشا سيروب) قالت في حديث لموقع (الاقتصادي) إن «تكاليف احتواء أي وباء عالمي تقارب 570 مليار دولار، استناداً للتقارير الدولية، أي ما يعادل 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي حال إسقاط الرقم المذكور على الواقع السوري، فإن تكلفة ونفقات احتواء كورونا ستكون وسطياً 85 مليار ليرة سورية، حيث سيتم استجرار هذه الكلفة من بند الخطط الاستثمارية، والتي تقارب قيمتها 740 مليار ليرة».

في حين أشار مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” في دراسته الأخيرة بعنوان (كورونا والاقتصاد السوري التداعيات والحلول المقترحة) إلى أنه سيكون هناك «زيادة في عجز الموازنة العامة للدولة، نتيجة تراجع الإيرادات الحكومية من مؤسسات القطاع العام نتيجة إغلاق الأسواق الداخلية والخارجية، كذلك تراجع في الإيرادات #الضريبية، إضافة إلى زيادة الدين العام نتيجة اضطرار وزارة المالية لتمويل العجز المتزايد من خارج الموازنة عن طريق الاقتراض من مصرف سوريا المركزي».

بدوره، لفت الصحفي الاقتصادي “أيمن محمد” إلى أن «الحكومة ستلجأ إلى الاستدانة من الدول الحليفة له، وستتخذ من فيروس كورونا ذريعة لتراجع أرقام الصادرات وتهاوي سعر العملة وزيادة نسبة البطالة وعجز الموازنة، المتدهورة، بفعل سنوات الحرب».

وأكد محمد لموقع (الحل نت) أنه «قد يكون انتشار فيروس كورونا في سوريا بمثابة فرصة ذهبية لإعادة السلطات إلى المجتمع الدولي، وطلب المساعدات المالية، حيث بدأت الدعوات حالياً لرفع العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على سوريا».

وختم حديثه قائلاً إن «الحديث عن عجز الميزانية نتيجة كورونا وتعطيله عجلة الاقتصاد في سوريا غير دقيق، فحجم الموازنة العامة في سوريا تراجع من 18 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 8 مليارات دولار العام الجاري، والموازنة الحالية، تضمنت عجزاً بنسبة 35%، أي نحو 1400 مليار ليرة سورية».

يذكر أن السوريين بدأوا يلمسون آثار فيروس كورونا على معيشتهم، إذ تشهد أسعار المواد الأساسية ارتفاعاً متكرراً وجنونياً، وسط نقص في الخدمات والمواد الأساسية ومنها #الخبز والغاز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.