بعد عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة التي عاشتها وتعيشها شعوب الدول النامية، انخفضت لدى شريحة من هؤلاء توقعاتها من الحياة وطورت آليات دفاعية لمواجهة الملمات، بالإنكار والاستسلام حيناً، والدعابة حيناً، والمواجهة والسعي أحياناً. وفي بعض الدول التي عانت وتعاني من الحروب، على وجه الخصوص، راكم المواطنون المزيد من الضغوط النفسية والتحديات التي طالت ليس فقط أوضاعهم المعيشية، بل وضعت حيواتهم على المحك. وكل واجه تلك التحديات على طريقته وحسب المتاح.

السخرية وتفريغ الضغط
السخرية والاستخفاف بالمصائب، أحد الأساليب التي يلجأ لها الناس في #الأزمات، وبحسب علم النفس، ما هي إلا إحدى آليات الدفاع التي يفرّغ فيها الإنسان مشاعر الخوف والضغط، لذلك لم يكن مستغرباً في ظل تفشي فيروس “كورونا” المستجد، ظهور مقاطع فيديو على #مواقع_التواصل_الاجتماعي، لأشخاص يتحدون الفيروس الذي يهدد العالم حالياً، فخورين باعتيادهم على أكل الخضروات دون غسلها، أو استهلاك بعض الأغذية دون مراعاة لدرجة الغليان المطلوبة وغيرها من الأمور التي تعتبر في المفهوم الصحي، مسببة للأمراض وناقلة للعدوى.

وطالعتنا أيضاً صوراً للمواطنين في دول كسوريا، تظهر الازدحام الشديد عند أفران الخبز صباحاً، في مقابل منع التجول مساءً، رافقت هذه الصور تعليقات ساخرة تنصح الفيروس بالالتزام بساعات الحجر كي لا يتعرض للمخالفة، وغيرها من التعليقات التي تستهين بالمرض الذي أصبح من المعلوم أنه يشكل خطراً جدياً على الجميع.

 

لا مزاح مع المرض
في مقابل ذلك انتشرت القصص والفيديوهات المؤثرة لمصابين بفيروس “#كورونا” مثل الدكتور “هشام النشواتي” المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، الذي تحدث على صفحته في “فيسبوك” عن معاناته الشديدة مع الألم والسعال وضيق التنفس، التي كانت برأيه أسوأ من الانفلونزا العادية بعشرات الأضعاف، قائلاً إن طول مدة المرض أنهكته وجعلته يشعر بأنه يصارع الموت. لذلك فقد نصح الطبيب “النشواتي” الناس بعدم الاستخفاف بإمكانية العدوى بالفيروس إذ أنه أصيب رغم وعيه وحذره الشديدين.

ومع استمرار المرض بالانتشار واستمرار أعداد المصابين والوفيات بالازدياد، بدأت الفيديوهات والصور التحذيرية تنهمر على المتابعين، منها ما يبعث على القلق ومنها ما يبعث على الراحة، رغم ما تحتويه غالبيتها من تحليلات غير علمية ونصائح وآراء مغلوطة حول كيفية انتشار #الفيروس، مدى تأثيره، وعلاجه، فمنها ما روج لـ “نظرية المؤامرة”، ومنها من لجأ للوعظ والإفتاء الديني، وغيرها اعتمد على حب بعض الأشخاص للظهور واستغلال الفرص، أما لماذا يتابع البعض هكذا محتوى، فلكل قناعاته وخلفيته التعليمية ومحيطه الاجتماعي.

في هذا الصدد، يقول خبير الأمور التحفيزية “دانيال بينك” في مداخلة قدمها في إحدى حلقات برنامج “100 بشري”، إن بعض الناس مستعدون لإقناع أنفسهم بالمتعة أكثر من استعدادهم لإقناع أنفسهم بالألم، فالإنسان يسعى للقيام بما يساعده على الراحة حتى لو كانت وهمية أحياناً، لذلك يساعد المرح الإنسان على استعادة شعوره بالسيطرة عندما يجد أنه غير قادر على تغيير واقعه، وقد يتقبل خداع نفسه في اللاوعي ليخفف الضغط.

 

مشاركة وتعاطف
رغم انتشار الدعابات التي تستخف بالمرض، إلا أنها لم تكن محببة بقدر الأخبار التي تناولت مواضيع #التكافل_الاجتماعي والمبادرات الإيجابية، كمساعدة من هم بحاجة، وتحية الكوادر الطبية، وقتراح بعض النشاطات الافتراضية لتخفيف وحشة الالتزام بالمنازل لمن يعانون الوحدة، فقدم الكثير من الفنانين\الفنانات والهواة عروضاً غنائية وأخرى راقصة على منصات التواصل الاجتماعي، كما فتح مخرجون وممثلون\ممثلات، وإعلاميين،\إعلاميات كاميرات هواتفهم واستقبلوا أسئلة المتابعين، حتى مدربوا\مدربات اللياقة البدينة، عرضوا دروساً لتحفير الناس على الحركة في بيوتها، والكتّاب\الكاتبات قرؤوا للجمهور من خلف الشاشات، وكل حسب قدرته حاول تقديم فائدة ولو صغيرة.

ولاقى موضوع ضرورة الالتزام بالبقاء في البيت رواجاً أيضاً، لما يصحبه من تغيرات تطرأ على العائلة، بسبب الوجود الدائم لأفراد الأسرة معاً على غير العادة، وازدياد انتباههم لتفاصيلهم الحياتية، بالمقابل تنبه العالم لحساسية الوضع أيضاً، وما قد يخلفه من مشاحنات بين أفراد العائلة، أو ما قد يجلبه على بعض الفئات المعنفة منزلياً.

تنوعت ردود أفعال الناس وانطباعاتهم حول فيروس “كورونا” كتنوع شخصياتهم ومجتمعاتهم. ومهما تأخر الحل والعودة للحياة الطبيعية، ستترك هذه المحنة أثرها على العالم، بسلبياتها وما قد تحمله من دروس إيجابية يتعلمها العالم لكيفية التعامل مع الأوبئة ودعم القطاعات التعليمية والطبية، والأهم من ذلك، الإيمان مجدداً بالفرد وأهمية كل شخص ودوره في هذه الحياة ليس فقط في حماية نفسه بل كمسؤول عن الحياة بأكملها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.