كشف أربعة ممولين عرب كبار، أن #حزب_الله يُكثّف حملةً لتعيين موالين له في قلب النظام المصرفي اللبناني، في الوقت الذي تسعى فيه #الولايات_المتحدة إلى تعطيل الشبكات المالية للجماعة المسلحة المدعومة من #إيران.

فنتيجة المعركة السياسية، قد توسع نطاق وصول حزب الله إلى المصرف المركزي، المركز العصبي للقطاع المصرفي في #لبنان، الأمر الذي يمكن أن يعيق أية فرصة لدى البلاد للخروج من أسوأ أزمةٍ مالية في تاريخها الحديث.

وأكد أحد المصادر الأربعة المذكورة أن حزب الله «يتوغّل في منطقة مجهولة»  لمحاولة تثبيت مواليه في سلطات نقدية مستقلة إلى حد كبير – حتى الآن – بهدف الالتفاف على العقوبات الأميركية المشددة.

حيث كانت الولايات المتحدة قد كثفت ضغوطها المالية على حزب الله من خلال معاقبة العشرات من أزلامه من رجال الأعمال، وكذلك المؤسسات المرتبطة بالحزب. كما فرضت واشنطن عقوبات قاسية على إيران، ممول حزب الله.

ويقول مصدر مالي لبناني، فضّل عدم الكشف عن اسمه: «منذ ما يقارب من ثلاثة عقود، أجبرت السلطات النقدية اللبنانية على التوافق مع حزب الله مع الحفاظ على استقلالها النسبي. إنه شيء».

وتُشير مصادرٌ مصرفية في #بيروت و#الخليج_العربي إلى «حساسية القضية وقوة حزب الله، الحزب الوحيد الذي سمح له بالاحتفاظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً في البلاد عام 1990».

منذ تعرض النظام المالي في لبنان لضغوط هائلة العام الماضي، انخفضت قيمة الليرة اللبنانية إلى النصف تقريباً، حيث جرى تداول الليرة في السوق السوداء في بيروت عند 2950 مقابل الدولار يوم الثلاثاء الماضي.

وفي قلب الصراع على السلطة، يدير “رياض سلامة”، أحد أكثر الشخصيات اللبنانية ارتباطاً بالولايات المتحدة، مصرف لبنان المركزي، منذ عام 1993. وهو الرجل الذي يضمن تنفيذ لبنان للعقوبات الأميركية على حزب الله بهدف حماية النظام المالي.

حيث تقول #واشنطن إن إجراءاتها «ساعدت في قطع الطريق أمام مئات الملايين من الدولارات شهرياً من التمويل غير المشروع لحزب الله»، ولسنوات، كان على المصارف اللبنانية الالتزام بالامتثال لطلبات الولايات المتحدة بهدف منع حزب الله من استخدام النظام المالي اللبناني.

ولكن في العام الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على “جمال ترست بنك” بسبب علاقته بحزب الله، الأمر الذي أجبر “سلامة” على سحب ترخيصه المصرفي. وفي عام 2011، واجه البنك اللبناني الكندي مصيراً مشابهاً، كما عرضت واشنطن مكافآت للحصول على معلومات بشأن قنوات تمويل حزب الله.

حزب الله يضع البنك المركزي اللبناني نصب عينيه

يتحرك الحلفاء السياسيون لحزب الله اليوم في محاولة لتعيين موالين لهم في بعض المناصب الأربعة الشاغرة لنائب حاكم مصرف لبنان، بالإضافة إلى المراكز العليا في لجنة الرقابة المصرفية التي تشرف على التشغيل اليومي لـ 142 مقرضاً في البلاد. الأمر الذي أدى إلى انزعاج وتذمر في الوسط المالي في لبنان، لأن مصرف لبنان يعتبر من أكثر المؤسسات استقلالية في البلاد.

ولطالما كان هناك تفاهم بين السياسيين الذين تنافسوا على الغنائم في أماكن أخرى من النظام بأن السلطات النقدية كانت مهمة للغاية بالنسبة لبقاء البلد، وبالتالي بضرورة عدم تسييسها.

فالشركاء السياسيون لحزب الله وحليفه الشيعي الرئيسي، رئيس مجلس النواب #نبيه_بري، يملكون بالفعل الحقائب الرئيسية للمالية ووزارة الداخلية على الرغم من إصرار الحكومة على أنها إدارة مستقلة.

لكن أحد المصادر المالية اللبنانية المطلعة على الإجراءات يقول إن الخطة «خرجت عن مسارها عندما هدد رئيس الوزراء اللبناني السابق #سعد_الحريري، وهو صديق مقرب من سلامة، بسحب حلفائه من البرلمان إذا أقر مجلس الوزراء هذه التعيينات».

وفي الثاني من شهر نيسان الجاري، أوقف رئيس الوزراء حسن دياب، التصويت في مجلس الوزراء في اللحظة الأخيرة لتجنب الخلاف. وعلى الرغم من أن حزب الله يدعمه، وحصلت حكومته على موافقة البرلمان مع امتناع قليل عن التصويت، إلا أنه ليس لدى “دياب” كتلة سياسية سنية خلفه كان بإمكانها إبقاء إدارته صامدة فيما لو انسحب الحريري من البرلمان.

ويضيف المصدر بأن “أحمد جاشي”، أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء ومنتقد منذ فترة طويلة لكيفية عمل مصرف لبنان، له تأثير كبير على “دياب”.

وكان جاشي النائب الأول لحاكم مصرف لبنان في العقد الأول من القرن الحالي، وهو منصب مخصص للشيعة في ظل النظام السياسي الطائفي في لبنان. أما منصب الحاكم، فهو  محجوز لمسيحي ماروني، على الرغم من أن الحصص الجماعية لا ينص عليها القانون.

و”جاشي” الاقتصادي الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، كان مرتبطاً بـ “بري”، لكنه اقترب خلال العقد الماضي من حزب الله، وفق المصدر ذاته.

وخلال فترة عمله كنائب للحاكم،  أعرب “جاشي” بشكل خاص عن مخاوف عميقة من أن الدين العام أصبح غير قابل للإدارة، وأن لدى السلطات النقدية علاقة حميمة للغاية مع القطاع المصرفي. كما أنه كان يرى بأن الأزمة سوف تتضاعف إذا أبقت البنوك القروض المتعثرة مخفية في ميزانياتها العمومية.

وكان الدين العام اللبناني المصدر الرئيسي للضغوط، فضلاً عن فشل الحكومة في تطبيق إصلاحات مرتبطة بحزمة الإنقاذ التي تبلغ 11 مليار دولار الموعودة في اجتماع المانحين في باريس عام 2018. وبحوالي 92 مليار دولار، فإن الدين العام يعادل أكثر من 150 في المائة من حجم الاقتصاد، بينما تحتفظ البنوك المحلية بنسبة كبيرة من هذا الدين.

وعلى الرغم من أنه يُعتقد أن “جاشي” هو المحرض الرئيسي لتغيير الموظفين في المناصب المفصلية في #مصرف_لبنان، إلا أن التنافس بين حلفاء حزب الله على خطة تنصيب مواليهم ساهم في الكشف عن نوايا حزب الله.

ويرى مراقبون، بأن حزب الله ربما أخطأ في محاولة السيطرة على مصرف لبنان بالاعتماد على رأس الحركة الوطنية الحرة الحليفة “جبران باسيل”، صهر الرئيس #ميشال_عون والحليف السياسي لحزب الله منذ عام 2006، لتنفيذ خطته.

فقد يؤدي العداء الطويل الأمد لـ “باسيل” مع “سليمان فرنجية”، رئيس #حركة_المردة وأحد أقرب حلفاء حزب الله ودمشق في لبنان، إلى عرقلة جهوده.

وعلى الرغم من أن كل من “فرنجية” و”باسيل” أرادا الحد من نفوذ “الحريري” في الهيئات المصرفية، فقد اعتبر رئيس (تيار المردة) أن زعيم #التيار_الوطني_الحر يحاول تجاوزه في القضية واستخدامها لصالحه.

المشاركة في غضب النخبة

فشلت انتفاضة أكتوبر / تشرين الأول الماضي ضد سنوات من الركود والفساد والقيادة غير الفعالة في إحداث التغيير السياسي الشامل الذي كان يطالب به أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع، لكنها دفعت “الحريري” إلى الاستقالة ووصول إدارة جديدة روّجت نفسها على أنها غير مسيّسة.

وعلى النقيض من الحريري وحلفائه، خرج حزب الله ومؤيدوه سالمين نسبياً من الاحتجاجات التي قوبلت في نهاية المطاف بالعنف من قبل السلطات وأخفقت في الأسابيع التي سبقت دخول البلاد في حظر لوقف انتشار فيروس كورونا.

ومنذ ذلك الحين، أرسل حزب الله الآلاف من الطواقم الطبية وأتباعه المنظمين للغاية للمساعدة في الحرب ضد كورونا، في حملة علاقات عامة لإعادة تأهيل صورته.

وقد لحقت بـ “سلامة” كذلك أضرار سياسية. فقبل ثورة الشارع اللبناني، كان نادراً ما يتم انتقاد “سلامة” في وسائل الإعلام. لكن شعبية الحاكم باتت عرضة لانتقادات المتظاهرين خارج البنك المركزي.

حيث اتهمه النشطاء بتسهيل اقتصاد “الريع” الذي استفاد لسنوات من النخبة المصرفية في البلاد ومؤيديهم السياسيين. وبحسب بعض التقديرات، فإن 25% من دخل البلاد يذهب إلى 1% فقط من السكان.

ويقول المدافعون عن “سلامة” أنه حذر الحكومات المتعاقبة لعقود من أن الاقتراض العام غير المستدام، ولجأ إلى الأدوات الموجودة تحت تصرفه للحفاظ على السيولة في النظام المالي.

ولطالما كانت المصارف اللبنانية هي صندوق ودائع المغتربين في البلاد، فضلاً عن كونها مركزاً لسوريا والعراق باعتبارها  تمنح أسعار فائدة سخية ولديها سجل حافل في تجاوز العواصف المالية الدولية، مثل الانهيار العالمي لعام 2008.

إلا أن العقوبات الأمريكية على (جمال ترست بنك) ساهمت في تراجع الودائع عبر النظام المصرفي اللبناني في النصف الثاني من العام الماضي، مع انسحاب سوري من بين أكبر التدفقات الخارجية، رغم أن البنوك في سوريا تخضع لعقوبات أمريكية حتى قبل ثورة عام 2011 ضد #بشار_الأسد.

ومع تزايد حملة حزب الله لتعيين مواليه في المراكز الحساسة في مصرف لبنان، زادت الهجمات الشخصية على “سلامة”. ويبدو أن حزب الله يحاول الاستفادة من النقمة الشعبية ضد “سلامة” من خلال تحويل الحاكم إلى رمز للأزمة الاقتصادية في لبنان.

وقد نفى “سلامة” تقارير إعلامية لبنانية الأسبوع الماضي أشارت إلى أنه وخلال العقد الأول من القرن الحالي قد قام بإيداع 789 مليون دولار في حسابات شخصية أو تعود لأفراد من عائلته في البنوك في زيورخ وبنما وأماكن أخرى في أمريكا اللاتينية، وأن راتبه في مصرف لبنان حوالي 420.000 دولار في السنة.

وقال إن وثائق الإيداع التي استشهدت بها وسائل الإعلام مزورة في إطار “حملة مبرمجة ضد مصرف لبنان ومجلس إدارته”. وأكد سلامة بأنه على علم بوجود وثائق مزورة ضده منذ 2016، العام الذي أصبح فيه “عون” رئيساً.

اللعبة النهائية.. التأثير ولكن ليس السيطرة الكاملة

على الرغم من أن حزب الله يحاول ممارسة نفوذه في البنك المركزي من خلال تعيين نواب “سلامة”، إلا أنه من غير المحتمل أن يذهب الحزب إلى أبعد من مطالب بعض حلفائه المسيحيين أو “جاشي” بإزاحة “سلامة” من منصبه.

حيث يقول مصدر مالي مقيم في الإمارات: «أعتقد أننا نرى حالة يذهب فيها “باسيل” إلى أبعد مما يريده حزب الله»، مضيفًا أن رئيس الحركة الوطنية الحرة «مدفوع بطموح شخصي لإزاحة “سلامة” وتقويض نفوذه».

في نهاية المطاف، تعتمد قدرة النظام المالي اللبناني في البقاء على ثقة الولايات المتحدة من أن السلطات النقدية لا تساعد حزب الله على جمع الأموال.

وبينما تقدم واشنطن مساعدات عسكرية وإنمائية كبيرة للبنان تقدر أكثر من مليار دولار في العقد الماضي، لا يزال هناك سياسيون متشككون في واشنطن يريدون قطع هذه المساعدات.

 

عن صحيفة (The National)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة