«رب ضارة نافعة» سوريا واستثمار جائحة كورونا في رفع العقوبات… فهل تنجح؟

«رب ضارة نافعة» سوريا واستثمار جائحة كورونا في رفع العقوبات… فهل تنجح؟

بهذا المبدأ تتعامل الحكومة السورية، مع جائحة كورونا لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية التي أنهكت الاقتصاد السوري، على مدار سنوات الحرب، أيّ على قاعدة «رب ضارة نافعة»، إذ كثفت وسائل الإعلام الرسمية والحليفة خلال الفترة الأخيرة حملاتها الإعلامية، فخرج عشرات الفنانين السوريين في مقاطع فيديو قصيرة، مطالبين برفع ما أسموها «العقوبات الظالمة عن الشعب السوري»، لمواجهة هذا الفيروس.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل الحديث لرفع العقوبات البرامج الترفيهية، كالتي تُعرض على قناة «سورية دراما»، فتعرض يومياً أغنية لرفع #العقوبات عن سوريا، مع إلقاء اللوم فيها على #الاتحاد_الأوروبي والولايات المتحدة وتسببها في مأساة الشعب السوري، متناسين أثار الحرب المدمرة التي لم تنته بعد، والفساد ورداءة #النظام_الصحي الذي يعود إلى ما قبل عام 2011.

ضغط الدول الحليفة من بوابة كورونا

في نهاية آذار الماضي، خرج مندوب #الصين الدائم لدى الأمم المتحدة (تشانج جيون) في جلسة #مجلس_الأمن_الدولي وطالب بـ«رفع الإجراءات الأحادية التعسفية عن سوريا فوراً، وبشكل عامل»، معتبراً أن هذه العقوبات من شأنها أن تقوض جهود سوريا في مكافحة فيروس كورونا المستجد، حيث يعاني المدنيون والأبرياء بشدة جراء تلك العقوبات.

أما روسيا، فلم تدخر جهداً سياسياً أو إعلامياً لرفع العقوبات عن #سوريا، مستندة إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريش) لـ«وقف إطلاق نار شامل في سوريا»، وتطرقه إلى ملف العقوبات بطريقة غير مباشرة، إذ قال: «يتعين على المانحين الدوليين مساندة الجهود الإنسانية بشكل كامل والاستجابة لنداءات الأمم المتحدة وعليهم القيام بما يلزم لضمان حصول كافة السوريين في كل أنحاء سوريا على المعدات والموارد المطلوبة، من أجل مكافحة الفيروس ومعالجة المصابين».

ويعزي الباحث الاقتصادي (يونس الكريم) هذا الضغط الروسي الصيني إلى «تغير قادم في السياسة العالمية، حيث أصبحت الصين مركز القيادة في مكافحة فيروس كورونا، إضافة إلى أنها باتت مصدر الإمدادات الطبية والدوائية، بعد انحسار دور الاتحاد الأوروبي وأمريكا».

وأضاف «الكريم» في حديث لموقع «الحل نت» أن «الصين وروسيا تحاولان أخذ المبادرة الإنسانية التي أطلقتها #الأمم_المتحدة والتوجه لرفع العقوبات، باعتبار أن العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هي عقوبات فردية وليس متفق عليها في الهيئات الأممية، انطلاقاً من أن لسوريا الحق في اختبار أدوية كورونا، الحصول على المعدات الطبية اللازمة، ومن ثم الحديث عن المواد الغذائية التي تأتي بعد المواد الطبية بالأهمية، وبالتالي تعويم النظام من جديد وكسر الحصار عنه».

مساعدات لكن بشروط

لم يعد خافياً أن #الحرب المستمرة منذ العام 2011، ألحقت أضراراً بالغة بالنظام الصحي في سوريا، من حيث دمار المستشفيات ونقص الأدوية والأجهزة الطبية، فمن المتوقع أن يكون للوباء بحسب منظمة الصحة العالمية، تأثير كارثي على المجتمعات والمخيمات الهشة التي تؤوي النازحين بشكل خاص.

«المركز السوري للعدالة والمساءلة»، قدم توصيات بشأن استجابة المجتمع الدولي لطلب تخفيف العقوبات، بهدف تحقيق التوازن بين نظام العقوبات المعمول بها حالياً والمطالب الطبية والإنسانية الجديدة الناجمة عن جائحة كورنا، وتتمثل في إعادة فتح معبر “اليعربية” الحدودي من #العراق، وإيصال المساعدات الطبية والإنسانية عن طريقه إلى شمال شرق سوريا، بعيدة عن موافقة حكومة دمشق، وبإشراف #منظمة_الصحة_العالمية.

كما أوصى المركز بضرورة أن تُصدِر #الولايات_المتحدة مبادئ توجيهية أوضح بشأن الإعفاءات الإنسانية الحالية لسوريا، وأن تقدّم ضمانات للشركات العاملة في القطاعين الصحّي والطبّي، وأن تعزّز استخدام الاستثناءات في المعاملات الطبية والإنسانية. حيث استخدمت وزارة الخزانة الأمريكية هذه الاستراتيجية بعد توقيع #الاتفاق_النووي الإيراني، وشجّعت البنوك بنجاح على العمل مع الحكومة الإيرانية بشأن قضايا تجارية محدّدة.

كسر الجمود

إضافة إلى ذلك، اقترح “المركز السوري للعدالة والمساءلة” إنشاء آلية للاستجابة لزيادة الطلب على المساعدات الإنسانية والإغاثة الطبية الملحّة في سوريا خلال الوباء، ولكن ينبغي أن يخضع إنشاء هذه القناة لمتطلبات صارمة تُلزم الحكومة السورية بالسماح لمنظمة الصحة العالمية بالوصول الكامل ودون عوائق إلى البيانات والمعلومات ذات الصلة بشأن التفشّي والموافقة على مراقبة الآلية، من خلال آلية مراقبة مستقلة لضمان الشفافية الكاملة فيما يتعلق باستخدامها.

بدوره، يرى الباحث الاقتصادي (يونس الكريم) أن «النظام والدول الحليفة له، تعتمد على الاستثناءات في القوانين، فقانون (سيزر) الأمريكي يتيح بعض الاستثناءات لأسباب إنسانية، وبالتالي يمكن تخفيف أو تأجيل العقوبات فيما بعد، وبالتالي تعتبر هذه المرحلة مهمة لكسر الجمود».

وأكد أن «العقوبات الاقتصادية على سوريا تشمل القطاع الطبي بجانب، لكن العقوبات الأوروبية والأمريكية موجّهة بالأصل للمسؤولين السوريين والمؤسسات التي لها علاقة مباشرة في دعم النظام واستمرار الحرب، والمعضلة هنا أن #المصارف_السورية والمؤسسات التي تقدم الرواتب للمليشيات المحلية وتدعم حكومة دمشق، هي نفسها من تقوم بعقد الصفقات الطبية والغذائية وغيرها».

وأوضح «الكريم» خلال حديثه أنه «وكمثال على ذلك، هناك عقوبات على #البنك_التجاري_السوري والسوري اللبناني أوقف حصول المعامل على المواد الأولية اللازمة للأدوية، لعدم المعرفة بأن هذه المواد ستستخدم لأغراض طبية أو ستذهب للميلشيات أو النظام، فكثير من الدول تمتنع بالتعامل مع النظام خوفاً من فقدانها السوق الأوروبية نتيجة خرقها للعقوبات».

هل سترفع العقوبات؟

نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأسبوع الماضي، تقريراً حول الاستراتيجية الأميركية في سوريا، قالت فيه إنه “«إذا انتشر فيروس كورونا في سوريا فمن هذا المنطلق قد تفكر الولايات المتحدة في مستوى معين من تخفيف العقوبات لتخفيف المعاناة».

ورأت المجلة في سياق تبريرها لفكرة رفع العقوبات عن #دمشق، أن «العقوبات إلى جانب الاقتصاد المتدهور القائم على الحرب خلقت ظروفاً معيشية أكثر صعوبة بالنسبة للسوريين العاديين من أسوأ مراحل الحرب نفسها، كما أن السوريين على الأرض هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، ويعانون أمراضاً خارجة عن نطاق الحرب المباشرة بما في ذلك السرطان والسكري والأمراض التي تم استئصالها من قبل مثل الجدري والسل الذي أصاب الصغار والكبار على حد سواء».

وكان الاتحاد الأوروبي، قد دعا في اجتماعه بتاريخ 6/4/2020 إلى رفع العقوبات المفروضة على دول عدّة بينها سوريا، والتي تعرقل تقديم المساعدات الضرورية في مكافحة فيروس كورونا، حيث قال مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، (جوزيب بوريل)، عقب اجتماع لوزراء الدفاع لدول الاعضاء في التكتل: «عقوباتنا لا تعرقل تقديم المساعدات الإنسانية، ونتعهد بأن يتخذ باقي الدول الخطوة ذاتها للتأكد من إمكانية إيصال المعدات الطبية التي تخضع للعقوبات».

وتوقع الباحث الاقتصادي (يونس الكريم) في ختام تحليلاته أن «يتم تخفيض الضغط عن النظام عن طريق منظمة الصحة العالمية وبإشرافها، ومنظمات المراقبة الأمريكية، والتي ستقتصر على الجانب الصحي والغذائي بالدرجة الأولى، حيث يعتقد قسم كبير من الأوروبيين على أنه يمكن لمعظم الأشخاص الخاضعين للعقوبات، الحصول على ما يريدون من خلال قنوات #السوق_السوداء القائمة، وأن المساعدة في ظل أزمة كورونا ستنقذ الأرواح، وربما يفتح مساحة لمزيد من المساعدات الإنسانية في قطاعات أخرى».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.