كيف ستتأثر سوريا بالاتفاق العالمي لتخفيض إنتاج النفط؟

كيف ستتأثر سوريا بالاتفاق العالمي لتخفيض إنتاج النفط؟

أعلن تحالف “أوبك+”، التوصل إلى اتفاق لإجراء أكبر خفض لإنتاج النفط بالتاريخ من أجل وقف انهيار الأسعار، وذلك في أعقاب حرب نفطية بين السعودية وروسيا قطبي ذلك التحالف، أدت إلى انخفاض الأسعار إلى أكثر من 50%، مما أسفر عن خسائر كبيرة للمنتجين مع تهديد غير مسبوق لصناعة النفط برمتها.

وعلى الرغم من أن تخفيض الإنتاج قد يصل إلى 15 مليون #برميل يومياً، إلا أن التوقعات تشير إلى أن هذا الاتفاق لن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في المدى المنظور بسبب انخفاض الطلب على #النفط، الذي قد يصل إلى 30 مليون برميل يومياً جراء تفشي فيروس #كورونا.

تداعيات التطورات في السوق النفطية ستلقي بظلالها على #سوريا في حال استمرار انخفاض الأسعار، حيث ستشكل فرصة للحكومة من خلال انخفاض فاتورة احتياجاتها النفطية، بينما ستشكل تحديا لقوات سوريا الديمقراطية (#قسد)، التي تسيطر على 70 % من حقول النفط في البلاد، كما أن الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع قد يكون أكبر المتأثرين.

اتفاق لتخفيض الإنتاج هو الأكبر على الإطلاق

توصل المنتجون الأساسيون للنفط إلى اتفاق لتخفيض الإنتاج يوم الأحد ١٢ نيسان الحالي، هو الأكبر على الإطلاق وذلك لمواجهة الانخفاض الحاد في الأسعار الذي وصل إلى أكثر من 50% بعد اندلاع #حرب نفطية بين المنتجين الأساسيين.

وتشير التفاصيل المبدئية للاتفاق إلى قيام الدول الأعضاء في أوبك، وحلفائهم بخفض الإنتاج 10 مليون برميل في اليوم، أو 10% من الإنتاج العالمي، بدءاً من الأول من أيار المقبل.

فيما من المتوقع أن تخفض خمسة دول غير أعضاء في #أوبك، من بينها الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والنرويج، الإنتاج بمقدار 5 ملايين برميل.

وكانت أسعار النفط انخفضت ما بين (50 إلى 66 %)، بعد فشل أوبك+ (الذي يضم أعضاء أوبك بقيادة #السعودية ومنتجين مستقلين بقيادة #روسيا) في التوصل لاتفاق لخفض #النفط حتى نهاية 2020، بعد انخفاض استهلاك النفط في عدة دول وخاصة #الصين بسبب فيروس كورونا.

ورفضت روسيا في 5 آذار الماضي، تخفيض إنتاجها من النفط، وطلبت يكون التخفيض من الآخرين بما فيهم الولايات المتحدة، فيما أعلنت السعودية أنها سترفع إنتاجها مما أدى إلى هبوط سعر النفط في 8 آذار بأكثر من 50%، ليصل إلى حوالي 33 دولار للبرميل.

وسجلت أسعار النفط في آخر الربع الأول من العام الجحالي (30 آذار الماضي)، أدنى مستوياتها في 18 عاما عند 21.65 دولارا للبرميل.

اتفاق التخفيض.. هل يحد من انخفاض الأسعار؟

لم يسفر الاتفاق حتى الآن عن انخفاض كبير في الأسعار، إذ نزل خام برنت، 1.19 دولار ليصل إلى 28.41 دولاراً للبرميل، كما نزل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.2% ليبلغ 19.66 دولاراً.

تزامن هذا الانخفاض مع تقرير لوكالة الطاقة الدولية، توقع تراجع الطلب على النفط الخام بمقدار 29 مليون برميل يومياً خلال الشهر الحالي، مما يعني تراجعاً بنسبة 29% من إجمالي الطلب قبل الجائحة، البالغ 100 مليون برميل يومياً.

وتوقعت الوكالة أن الاتفاق التاريخي لخفض الإنتاج لن يترك آثاراً إيجابية فورية على #الأسواق العالمية، وستحتاج مزيداً من الوقت لتراجع تخمة المعروض.

التراجع الحاد في أسعار النفط سيكون له تأثير كبير على صناعة النفط برمتها حيث اعتبر المدير التنفيذي للوكالة “فاتح بيرول” أنه «خلال هذا العام المروع فإن الربع الثاني ربما يكون الأسوأ على الإطلاق، خلال ذلك الربع فإن نيسان ربما يكون أسوأ شهر، وربما يصبح نيسان الأسود في تاريخ صناعة النفط».

وستكون الولايات المتحدة أكبر الخاسرين في حال استمرار انخفاض أسعار النفط، حيث سيتسبب ذلك بكارثة لصناعة النفط الأمريكية، وخاصة النفط الصخري، الذي يصل إنتاجها إلى أكثر من 9 ملايين برميل يومياً، فيما تتراوح تكلفة إنتاج البرميل بين ما بين 40 إلى 50 دولار، وهذا يعني إفلاس العديد من الشركات النفطية العاملة في #النفط الصخري، وخسارة للجزء الأكبر من إنتاجها، وتفضيل شراء النفط الأجنبي على حساب النفط المحلّي.

كما ستكون #روسيا، والسعودية من أكبر الخاسرين، إذ إن انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر عصب الاقتصاد في البلدين، ستؤدي إلى خسارة تتراوح بين 400 إلى 500 مليون دولار يومياً لكل منهما، في حال بقيت الأسعار على حالها الآن على الرغم من أن تكلفة إنتاج البرميل في البلدين منخفضة (8.4 دولار في روسيا، 5.4 في السعودية، و14.8 في الولايات المتحدة باستثناء النفط الصخري).

وتعد الولايات المتحدة حالياً أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 13.1 مليون برميل يومياً، تليها روسيا بـ 11.2 مليون برميل، والسعودية بـ 9.6 مليون برميل، وذلك وفق أرقام شباط الماضي.

القطاع النفطي السوري… تراجع حاد

على الرغم من إحاطة القطاع النفطي في سوريا بالسرية منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث لم تسجل كميات الإنتاج من النفط، إلا أن نشرة The Economist Intelligence Unit )) تظهر إن إنتاج سوريا بين عامي 1995 و2004 بلغ 600 ألف برميل يومياً.

انخفض إلى 406 آلاف برميل في عام 2008، و401 ألف برميل 2009، ثم أصبح 385 ألف برميل في عام 2010، و353 ألف برميل في عام 2011.

ومع اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش التابع للحكومة السورية، وفصائل المعارضة المسلحة، بدأت الحكومة تفقد سيطرتها على قطاع النفط، حيث سيطرت فصائل “الجيش الحر” ومن ثم تنظيم “جبهة النصرة” على بعض الحقول شرق البلاد بعد مغادرة معظم الشركات لسورية، إلى أن جاء تنظيم “داعش” حيث سيطر بحلول عام 2014 على معظم حقول النفط في شمالي وشرقي سوريا، إلى أن انتزعت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) السيطرة على تلك الحقول.

وكان إنتاج الحكومة من النفط تراجع بشكل حاد ليصل إلى 171 ألف برميل في عام 2012، و59 ألف برميل في 2013، و33 ألف برميل في عام 2014، ثم 24 ألف برميل وسطيا من عام 2015 إلى الآن.

وتتجاوز خسائر #القطاع النفطي السوري 74 مليار دولار، حيث تراجع إنتاج الحقول بسبب تأثرها بالعمليات #العسكرية.

سورية واتفاق النفط الأخير .. تأثيرات متضاربة

تختلف تداعيات التطورات الأخيرة على المسيطرين على قطاع النفط بين الحكومة السورية وقسد، حيث تشكل فرصة كبيرة للحكومة، فيما تشكل تحديا لقسد التي تسيطر على نحو 70% من حقول #النفط.

وتؤمن الحكومة السورية احتياجاتها من النفط، التي تصل إلى 136 الف برميل يومياً، من خلال #الآبار التي تقع تحت سيطرتها، وشراء النفط من قسد، واستيراد المشتقات النفطية.

وأعلن رئيس الحكومة “عماد خميس” مؤخراً أن فاتورة استيراد المشتقات النفطية تصل إلى 200 مليون #دولار شهرياً، وذلك عندما كان سعر برميل النفط يصل إلى 70 دولاراً، الأمر الذي يعني انخفاض تلك الفاتورة مع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى النصف.

بالنسبة إلى (قسد) فإنه لا يوجد رقم محدد حجم إنتاج النفط، إلا أن تقديرات منسوبة لخبراء، ومسؤولين من قسد أشارت إلى أن عائدات النفط تراوحت بين 10 ملايين دولار شهريا (حيث تبيع البرميل بـ 30 دولاراً) مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع تكلفة إنتاج البرميل التي تتراوح بين 20 إلى 25 دولار.

وفي حال استمرار انخفاض أسعار النفط، فإن عائدات (قسد) ستتراجع حتماً، وهذا سيشكل ضغطاً على احتياجاتها المالية، التي يذهب جزء كبير منها لتغطية رواتب العاملين في الإدارات الذاتية، وعناصر (قسد) الذين يصل عددهم 60 ألف مقاتل.

الصراع على سوريا.. هل يتأثر بالتطورات النفطية؟

تعتبر الولايات المتحدة وروسيا الطرفان الرئيسيان في السيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا، ففي حين تسيطر الولايات المتحدة على معظم حقول النفط في مناطق (قسد)، حصلت روسيا على معظم العقود للتنقيب عن النفط والغاز.

وأبقت الولايات المتحدة على نحو 700 جندي من قواتها للسيطرة على هذه الآبار، بحجة حمايتها من داعش، وروسيا، والحكومة السورية.

وفاجأ ترامب في أواخر تشرين الثاني الماضي، بأنه يعتزم عقد صفقة مع شركة “إكسون موبيل”، إحدى أكبر الشركات الأميركية للذهاب إلى سوريا، والقيام بذلك بشكل صحيح، وتوزيع الثروة النفطية، مشيراً إلى أن “حماية آبار النفط سيستفيد منها الأكراد.. ويجب أن نأخذ حصتنا الآن”.

إلا أن انخفاض أسعار النفط واستمرارها قد يؤثر على خطط الولايات المتحدة من خلال الجدوى في استثماره باعتبار أن تكلفة إنتاج هذا النفط مرتفعة وجودته أقل بخاصة أن قطاع النفط الأمريكية يعتبر أكبر المتضررين حتى الآن.

بالمقابل تستحوذ روسيا على معظم عقود استكشاف النفط الغاز الطبيعي السوري في البحر المتوسط، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط في طرطوس.

ووقعت الشركات الروسية (سويوز نفتا غاز، ستروي ترانس غاز، زاروبيج نفط، زاروبيج جيولوجيا، أس تي غه إنجينيرينغ، تيخنوبروم أكسبورت وفيلادا أوليك كيريلوف، ميركوري وديمتري غرين كييف) على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، وإعادة تأهيل حقول النفط مع الحكومة السورية في الساحل والمنطقة الوسطى.

وعلى الرغم من استحواذ روسيا على معظم العقود مع الحكومة السورية، فإن استمرار انخفاض أسعار النفط من شأنه أن يؤثر أيضاً على خطط الاستثمار في هذا المجال.

وعلى الرغم من أن #إيران لاعب أساسي في سوريا، إلا أنها تجنبت المنافسة مع روسيا، والولايات المتحدة في هذا القطاع، فيما لم تلق دعوة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أي آذان صاغية من موسكو وواشنطن للمشاركة في إدارة حقول النفط بدير الزور.

ويبقى التساؤل هل ستعود أسعار النفط إلى ما كانت عليه قبل الحرب النفطية والاتفاق الأخير لإيجاد توازن في السوق العالمية؟، على الرغم من أن هذا الأمر مستبعد على المدى القصير وفقا للدروس المستفادة من الحروب النفطية السابقة من جهة، وتباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب تفشي فيروس كورونا من جهة ثانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.