من غرفتهِ المُستأجَرة في #أثينا، يتذكّر “صالح سويدان” الحياة السابقة لعائلته كـ مُربي جِمال بدوي في #تدمر، فبحلولِ شهرِ نيسان من كل عام، كان “سويدان”، 32 عاماً، مشغولاً بتدريبِ الأفضل من إبل قطيعه وتحسين سرعته وصقل لياقته لسباق تدمر الكبير.

حيث كان يسافر الآلاف من السياح العرب والأجانب إلى #الصحراء_السورية لحضور هذا الحدث الذي كان جزءاً من مهرجان الجِمال في تدمر، وهو حدث بارز في التقويم السنوي في مدينة #الواحة.

في ذلك الوقت وقبل 11 عاماً، كانت عائلة “سويدان” من العائلات البارزة في مجتمع تدمر البدوي. حيث امتلكت العائلة 300 جملًا تقدر قيمتها بـ 500 ألف دولار، ورِثتها من جد “سويدان”.

لكن كل ذلك تغيّر في اليوم الذي اقتحم فيه تنظيم #داعش تدمر، ونهب المدينة القديمة ونفذ عمليات القتل الجماعي في كل مكان. ومع ذلك، لم يكن العنف وحده هو الذي أجبر الأسرة على الفرار، حيث يقول “سويدان”: «غادرنا لأن جمالنا سُرقت وتم تهريبها خارج البلاد».

 الإبل السورية ضحية أخرى للصراع

لقد كانت تربية الإبل في #سوريا ضحيةً أخرى للصراع الذي استمر تسع سنوات والذي دمّر البلاد. فبالنسبة للعديد من مربي الإبل، أصبحت حماية جمالهم عبءً لا يمكن تحمّله مع اشتداد القتال وتجفيف مصادر الغذاء.

ولم يجدوا أي خيار؛ سوى التخلي عن قطعانهم أو بيعها للمهربين والتجار. ويقول شهود عيان: «إن آلاف الإبل تم بيعها في #السوق_السوداء وثم تهريبها من سوريا، ووصل بعضها إلى دول مجاورة، بينما أُرسلت البعض الآخر إلى دول #الخليج_العربي».

وكانت الضربة القاضية عندما جاء مقاتلو تنظيم داعش إلى الصحراء حاملين بنادق الـ AK-47 وطالبوا البدو بتسليمهم قطعانهم، يقول “سويدان”: «أرادوا جمالنا لإطعام مقاتليهم».

واليوم، لا يمكن التعرف على تدمر وقد فرّ العديد من سكانها البدو منها، بما في ذلك عائلة  “سويدان”. فهذا الأخير لم يعد إليها منذ عام 2016، عندما أجبره القصف الذي نفذّته القوات الحكومية وعنف التنظيم، على التخلي عن منزله المريح والهجرة نحو مستقبل مجهول.

واليوم، هو يغسل الأطباق في مطعم في مدينة #أثينا اليونانية، حيث انتقلت الأسرة بعد عبورها الخطير من #تركيا بالقارب.

يقول بأسف: «رأيت البحر للمرة الأولى عندما صعدت إلى القارب المطاطي “البلم” لأعبر إلى #اليونان. لقد نشأنا في الصحراء، ولا نعرف كيف نسبح. خلعنا ملابسنا البدوية وارتدينا ملابس التنظيف».

ويقول المهربون إنه في عام 2014، عندما وصلت أراضي داعش إلى ذروتها في سوريا والعراق، كانت تجارة الإبل غير القانونية نشطة للغاية.

وبحسب “محمد” 45 عاماً وهو مهرب يعيش في تركيا، فقد تم تهريب الإبل السورية إلى #العراق عبر تنظيم داعش، وكانت قطعان الإبل تعبر الحدود يومياً.

يقول: «كان الأمر يشبه قافلة طويلة تمر عبر الحدود مليئة بالجمال، وكان مقاتلو التنظيم يأخذون 30 دولاراً أميركياً لكل جملٍ يمر».

وبالإضافة إلى فرض رسوم على المهربين، كان عناصر التنظيم يأخذون نسبة من مبيعات الإبل في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم.

سابقاً، كان من النادر رؤية الإبل السورية في محافظة #سانليورفا التركية، حيث يسكن “محمد”، المهرب. أما الآن، فبات من الشائع رؤيتهم في القرى التركية مثل #حران و#أكاكال بالقرب من الحدود السورية.

بمجرد عبور الحدود.. ترتفع قيمة الجمل

وعَبَرت الإبل السورية كذلك الحدود السورية الأردنية، وهي بوابة للجمال المهربة إلى دول الخليج، يقول “حمد” 37 عاماً، مشيراً إلى قطعة أرض على بعد كيلومترين تقريباً: «من هناك تدخل الإبل السورية. هذه هي سبل عيشنا». و”حمد” هو مربي إبل معروف في مدينة #المفرق شمالي #الأردن.

يعيش “حمد” في (كرفانة) يشبه الخيمة، كي يتمكن من الوصول إلى نقاط عبور مختلفة على طول الحدود. وعلى مدى ست سنوات، حقق “حمد” دخلاً كبيراً من هذه المهنة ويملك الآن ثلاث سيارات وشاحنتين كبيرتين وسيارة بيك آب.

وما أن يتم تجاوز الحدود، حتى ترتفع قيمة الإبل. حيث يقول “حمد”: «إن إخراج الإبل من سوريا ساهم في رفع أسعارها. فقد كان الجمل في سوريا يساوي حوالي 5000 دولار، وقد يصل سعره الآن إلى 14 ألف دولار، وذلك بحسب مواصفات الجمل».

لكن ما من شيء موثوق بشكل دائم في هذه التجارة غير المنظمة، حيث يدفع “حمد” عادةً لمسؤول حرس الحدود لترك الحدود مفتوحة لمدة 45 دقيقة. وبينما يسود الظلام على المناظر الطبيعية الرملية، يتضح أن الإبل الجديدة لن تأتي اليوم.

وتأتي مكالمة هاتفية لتؤكد التأجيل، حيث يقول صوت غاضب على الهاتف: «لن تدخل الإبل اليوم. الضابط المناوب الذي نعرفه ليس هنا. اتصل بي وقال إن علينا الانتظار حتى الأسبوع المقبل».

ومنذ هزيمة  تنظيم داعش، قام “حمد” وغيره من المربين الذين يعتمدون على الإبل المهربة الرخيصة برفع أسعارهم، لكن إبلهم لا تزال أقل تكلفة من الإبل الأردنية. وقد أضعفت أعمالهم في الفترة الأخيرة، لكن الإبل السورية لا تزال تدخل إلى الأردن، على حد قوله.

وفي جنوب الأردن، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، يرى “خلف”، وهو مربي إبل يبلغ من العمر 45 عاماً، أن إمدادات الإبل السورية قد انحسرت مؤخراً، «لسنوات كانت الإبل تدخل من سوريا، ولكن ليس الآن» يقول.

ويُقدّر “عمر سعيد”، المسؤول السابق عن إحصاء أعداد الإبل في مديرية البادية التابعة للحكومة السورية قبل عام 2011، أنه تم تهريب ما يصل إلى 20 ألف جمل خارج سوريا.

وكانت قد توصلت دراسة أجراها المركز العربي لدراسة المناطق القاحلة (أكساد) ووزارة الزراعة السورية إلى وجود 50 202 جمل في البلاد عام 2010، بمعدل نمو سنوي قدره 12.7 في المائة. لكن هذا الرقم أقل بكثير اليوم.

ويشعر مربو الإبل السوريون بالخسارة، حتى أولئك الذين لم يعودوا يعيشون في البلاد مثل “سويدان”.

فبعد الانتهاء من نوبته كل يوم، يعود “سويدان” إلى غرفته في “أثينا” ويبدل ثيابه بملابس بدوية تقليدية. يأخذ مقعداً على الأريكة ويشرب الشاي مع ابن عمه، تماماً كما كانوا يفعلون في الصحراء، في الخيمة.

ويقول “سويدان”، وهو يشير إلى صورة له معلقة على الحائط  زمن الشباب في أسعد أيام حياته وهو يركب جمل في تدمر، بابتسامة حزينة: »بالنسبة لنا، كانت الجمال كل شيء. غادرنا الصحراء وجئنا إلى #أوروبا. هذه الصور هي مجرد حلم بعيد للذاكرة الآن. لقد متنا مثل الأسماك خارج الماء».

ومن ثم يأخذ هاتفه، ويبدأ بتقليب صور #سباق_الهجن الذي كان يشارك فيه كل عام، ويسأل: «أين تعتقد أن جمالنا الجميلة الآن؟ ربما في #العراق أو الأردن أو تركيا أو في فناء أحد أمراء الخليج».

 

عن  موقع (The National)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.