للمرّة الثانية خلال عامٍ ونيّف يُعلن “جمال حسين زينية”، المعروف باسم “أبو مالك التلي”، انشقاقه عن   #هيئة_تحرير_الشام، ومن ثمَّ وعودته إليها بعد فترة وجيزة.

لا يبدو أن لدى “التلي” خيارًا حاسمًا بالانسحاب من “الهيئة”، ولكنّه في الوقت نفسه لا يجد طموحه الجهادي فيها، فـ”التلي”، إلى جانب “أبي اليقظان المصري” و”أبي الفتح الفرغلي”، يشكّلون التيّار الأكثر تشدّدًا داخل “تحرير الشام”، وتبتعد أيديولوجيتهم عن الانصياع للضغط الدولي، أو الدخول في أي تحالف مع النظام العالمي، كما ينظر “التلي” إلى نفسه بنرجسية، تجعل طموحه أكبر من موقعه، وخصوصًا مع تسلّمه ملف المفاوضات عندما كان أمير #جبهة_النصرة في القلمون، قبل خروجه إلى شمال سوريا.

أعلن التلي أواخر كانون الثاني/يناير 2019 انشقاقه عن الهيئة، ثم عاد إليها بعد «صراعٍ عاشه مع ذاته».

مؤخّرًا أعلن “التلي” مرّةً أخرى انشقاقه، بسبب ما اعتبره «جهله وعدم علمه ببعض سياسات الجماعة، أو عدم قناعته بها». موضحاً أن «هذا أمر فطري فقد جُبل الإنسان على حب المعرفة»، حسب تعبيره.

ولكن بعد أيامٍ فقط، تراجع مرّةً أخرى عن قرار انشقاقه، بعد لقاء مع زعيم الهيئة “أبي محمد الجولاني”، الذي يبدو أنّه حاول استمالته.

 

خلافات داخل “تحرير الشام”

يرى الدكتور “عبد الرحمن الحاج”، الباحث المتخصص في الحركات الدينية، أن «هناك خلافاً داخل الهيئة، بين الأطراف الأقرب فكريًا لتنظيم #داعش، ذات الفكر القاعدي الأصيل، الذي ينتمي “التلي” إليه، وبين الجناح الأقل تشدّدًا».

ويوضّح الحاج أنه «بعد خروج “التلي” من #القلمون وقدومه إلى #إدلب، والتغيرات التي أصابت المنطقة عسكرياً، إضافةً إلى التوافقات السياسية التي تأثّرت بها “الهيئة”، أصبح “التلي” والجناح المتشدّد في وضعٍ ضعيف، فلم يعودوا نافذين كما في السابق».

ويؤكد “الحاج” أن رسالة “التلي” تعكس التهميش الذي يشعر به هو وغيره من قياديي ذات التيار، ومعظمهم أجانب، موضحًا أنّ «الهيئة تخوض عمليًا معركة انقسام بين الجناح المتشدّد، الذي يتعرّض للضغوط، وجناح أقلّ تشدداً، يؤيّد سياسات الجولاني”.

ما يكشفه انشقاق التلي هو هيمنة الجناح المعتدل نسبياً، وخصوصاً بعد الإجراءات التي من المفترض أن تتخذها “الهيئة”، على أساس #الاتفاق_التركي_الروسي، الذي يفرض على “تحرير الشام” عدة التزامات، ومنها حلّ نفسها، وفقًا للدكتور “الحاج”، الذي اعتبر أن «لدى “الجولاني” حسٌ برغماتي عالٍ، لذلك يتعرض التنظيم في كل منعطف جديد لانقسام داخل قياداته».

في الوقت ذاته يستبعد “الحاج” أن تحلّ الهيئة نفسها طوعاً، ولكنّها «قد تقوم بمناورة، فتنفّذ بعض القرارات الناجمة عن الاتفاق الروسي-التركي». لافتًا إلى أن مثل هذه التنظيمات «تحاول الاستجابة بالحد الأدنى للمطالب الدولية، مع محاولة الحفاظ على بقائها».

 

طموحات كبرى

 

على الرغم من عودة “التلي” إلى صفوف “تحرير الشام”، يبدو أن الخلاف لم ينته، والسبب طموحات “التلي” بشكلٍ رئيسي، إذ أن بيان استقالته، الذي احتجَّ فيه على عدم معرفته بما يجري من قرارات داخل الهيئة، ما هو إلّا محاولة للتمرّد عللى حالة التهميش والفراغ الجهادي الذي يعيشه مع أفراد تياره المتشدّد.

وفي هذا الصدد يوضّح “الحاج” أنه في المرحلة السابقة كان على الهيئة أن تُبعد القياديين الأجانب، لكي تهرب من الضغوط الدولية، والآن عليها تهميش التيار القاعدي مرّة أخرى، قائلًا: «صحيح أنّه تمت تسوية الخلاف بين “التلي” و”الجولاني”، ولكن الجناح الذي ينتمي إليه “التلي” بات محل تهميش كامل، الأمر الذي دفعه إلى إجراء مناورة عبر إعلان استقالته، لتحقيق موقعٍ متقدّم داخل التنظيم، ولا سيما أن جوهر بيانه الرغبة بالمشاركة في صنع القرار.

هذا الأمر يضع “تحرير الشام” و”الجولاني” مرّة أخرى أمام مفترق طرق، لتختار بين تلبية متطلبات الاتفاق الإقليمي أو إرضاء الخط القاعدي داخلها، وبالتأكيد فإن براغماتية “الجولاني” المعهودة ستجعله يتّجه لتنفيذ الضغوطات المفروضة عليه، ويضحّي بالتيار الأكثر تشدّداً».

 

خيارات محدودة

 

الأمر الأكثر أهمية، في عودة “التلي” السريعة إلى صفوف الهيئة، أنّه لم يجد البديل المناسب. ووفقًا للدكتور”عبد الرحمن الحاج” فإن «لديه ثلاث خيارات عند الانسحاب من الهيئة: إمّا الانضمام لتنظيم #حراس_الدين، وسيجد رفاق الفكر القاعدي هناك، ولكنّه لن يحصل على منصب قيادي بسهولة. أو الانخراط في تنظيم “داعش” كونه الأقرب لأفكاره، وهذا مستبعد بسبب الدماء بين “حراس الدين” و”داعش”، رغم تقاربهما الفكري. في حين أن الحل الثالث يكمن بإنشاء تنظيم جديد، وهذا الأمر غير قابل للتطبيق، لأنّ التنظيم الجديد سيكون مستهدفًا دوليًا، ليبقى الحل الأمثل هو البقاء مع الهيئة، ولكن مع محاولة إجراء مناورات للحصول على دور ريادي داخلها».

ويختم “الحاج” تحليله القول: «بسبب قلّة خيارات التيار المشتدّد في الهيئة، فإنّ “التلي” سيحاول أن يعمل لصالحه الشخصي، ويصبح أكثر براغماتية، ولكن ضمن تصوّره وأفكاره للخروج من هذه العزلة، وتجنّب تصفيته، بعد الاتفاقات الدولية على التخلّص منه، وعدم ممانعة “الجولاني” لذلك».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة