على الرغم من حالة الهدوء القائمة في سوريا، ومنها منطقة شرق الفرات، في ظل حصر الاهتمام بجائحة كورونا، إلا أن إرهاصات مشاريع إقليمية ودولية باتت تلوح في الأفق، حتى باتت الخيوط الأولى لتلك المشاريع تخرج من طور السرية إلى العلن.

الجانب الروسي هو الأكثر نشاطاً في الآونة الأخيرة، فخلال الأسبوع الماضي اجتمع ضباط روس مع عدد من شيوخ العشائر في محافظة الحسكة في محاولة لتنظيم عشائر الجزيرة سياسياً وعسكرياً، وتشكيل كيان عسكري موازٍ لقوات سوريا الديمقراطية، حليفة الولايات المتحدة الأميركية في مناطق شمال وشرقي سوريا.

عدة محاولات قام بها الروس في سعيهم لتأليب مكونات المنطقة على القوات الأميركية، منذ ترسخ سلطة الإدارة الذاتية، وازدياد مستوى التنسيق بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وبين قوات سوريا الديمقراطية، وخشية موسكو من تبني واشنطن لمشروع الإدارة الذاتية المعلن منذ مطلع العام 2014.

المحاولات الروسية جاءت بعد معركة شد الحبل التي جرت بين دمشق وقسد لاستمالة عشائر الجزيرة السورية، وإخفاق الحكومة السورية في استثمار هذا الملف، وكذلك بعد فشل الجانب الإيراني في استقطاب هذه العشائر.

حيث كانت آخر محاولة إيرانية هي تلك التي جمعت فيها شيوخاً من الجزيرة السورية، في العاصمة الإيرانية طهران، ولقائهم بنائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني آنذاك إسماعيل قاآني، وكان من المقرر الاجتماع مع قائد الفيلق قاسم سليماني، إلا أنه، وبعد يومين من هذه الاجتماع، قُتِل بغارة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي في العراق، برفقة نائب قائد هيئة الحشد الشعبي (العراقي) أبو مهدي المهندس.

المحاولات الروسية ازدادت بعد اعتراض عدد من موالي الحكومة السورية للدوريات الأميركية في ريف مدينة القامشلي، والتدخل الروسي في كل مرة، لتصور نفسها أنها صمام أمان للمنطقة، وهو ما برز في التدخل الروسي الذي أعقب اشتباكاً وقع في مدينة القامشلي بين قوى الأمن الداخلي للإدارة الذاتية الديمقراطية وبين قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة السورية، قبل أيامٍ معدودة.

كانت روسيا قد حاولت اختبار النوايا الأميركية في التمسك بالبقاء في المناطق النفطية حين أرسلت مطلع العام 2018  مجموعة من أعضاء مجموعة فاغنر التي يديرها رجل الأعمال يفغيني برغوجين المقرب من الرئيس الروسي، والملقب بـ “طباخ بوتين” للسيطرة على حقل كونيكو النفطي في ريف مدينة دير الزور، ما استدعى رداً أميركياً عنيفاً حينها، حين قتلت جميع أعضاء المجموعة، والذي يناهز عددهم (150) عنصراً، دون أي رد فعل من الجانب الروسي.

وهو ما يفتح باب التساؤل فيما إذا كان الروس سيتعاملون مع القوة المزمع تشكيلها كتعاملهم مع سلفهم في مجموعة فاغنر أم الحال سيكون مختلفاً هذه المرة؟ وهل ستثق العشائر بضمانات موسكو التي وعدتهم بالتنسيق المباشر معها، دون المرور بأي حلقات اتصال حكومية سورية؟

كما تطرح المحاولة الروسية تساؤلاً عن غايتها من تأسيس هذه القوة، وهل هي محاولة للبدء بالعمل المسلح، بهدف إخراج الأميركيين من المنطقة، أم هي وسيلة للضغط على قوات سوريا الديمقراطية في محاولات إبعادها عن التحالف مع واشنطن والقبول بروسيا قوة عظمى وحيدة في سوريا، والسير في المشروع الروسي لإقامة حوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي، وبين الحكومة السورية، وعدم ترك الفرصة للحزب الكُردي للتفاوض باسم الإدارة الذاتية ومكوناتها، وكي يصل إلى حلول مع دمشق بإهمال وجود مشروع قائم على الأرض منذ عام 2014 والقبول بالإدارة المحلية الموسعة، حيث تراها موسكو الحل الأكثر عملانية لحل مشكلة كُرد سوريا، وتلقى قبولاً تركياً، وعدم ممانعة من دمشق.

الموقف الأميركي هو الآخر سيكون مرتقباً في الفترة القريبة القادمة، فالرد على الخطوة الروسية سيكون بحجم جدية موسكو في عرقلة البقاء الأميركي في المنطقة، وقد منعت واشنطن بالفعل محاولات روسية سابقة لتجنيد عناصر من شرق الفرات، خصوصاً في مدينتي عامودا وتل تمر، حيث تتواجد نقاط روسية في هاتين المدينتين.

الموقف الأميركي يتوقف على عوامل أخرى، ومنها نتائج الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، والمنافسة المرتقبة بين الرئيس الحالي دونالد ترامب، والذي يتذبذب موقفه من قضية البقاء في المنطقة، وبين منافسه المتوقع، نائب الرئيس السابق جو بايدن، والذي بدوره يؤيد بقاءاً محدوداً للقوات الأميركية في سوريا.

تبدو الولايات المتحدة غير مستعدة للتفريط بالمناطق النفطية في الأمد القريب، أو ربما إنها ليست في وارد التخلي عنها دون مقابل كما فعلت مع تركيا إبان عملية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
وعليه فإنها مستعدة للدفاع عن وجودها بكل السبل الممكنة في انتظار تبلور رؤية موحدة داخل الإدارة الأميركية لمسألة بقاء القوات الأميركية في شرق الفرات من عدمها.

التنافس الدولي على جذب العشائر السورية مردّه الرمزية الكبيرة لموقع العشيرة عند المكون العربي في مناطق شمال وشرقي سوريا، ومعركة استقطابها بين أطراف الحرب، هي اعتراف بدورها الكبير في تنظيم عرب الجزيرة السورية، ويبقى التعويل على حكمة العشائر العربية (الكبرى منها بشكل خاص) في منع انزلاق المنطقة نحو فتنة عرقية سيكون الكل فيها خاسراً، وقد خَبِر سكان المنطقة حكمة العشائر العربية في المِحَن، ورهانهم الأوحد على المصير المشترك مع مكونات المنطقة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.