بغطاءٍ جراحي ونظاراتٍ وكمامة، لا يمكن رؤية شيء تقريباً من وجه الطبيب “فادي دالاتي”، «هذا المستشفى هو المركز المرجعي في #بلجيكا للأمراض المعدية، نحن على خط المواجهة ضد هذه الجائحة»، يؤكد الطبيب “دالاتي” الذي يعمل في مركز مستشفى جامعة (سان بيير) في #بروكسل.

فحاله حال آلاف الأطباء السوريين الآخرين، وجد هذا الطبيب الثلاثيني، القادم من #حمص، ملجأ في #أوروبا للهروب من الحرب التي دمرت #سوريا ولا تزال لما يقارب عقد من الزمن.

ومنذ انتشار فيروس #كورونا، يقف الطبيب “دالاتي” مع العديد من زملائه السوريين على خط المواجهة في المعركة ضد هذا الفيروس القاتل في بلدانهم المضيفة في أوروبا.

«لقد استقبلتني بلجيكا ورحبت بي عندما احتجت إليها، وصلت إلى هذه البلاد في عام 2013، وهي الآن بحاجة إلي، لذلك فإنني أبذل قصارى جهدي»، يقول الطبيب الشاب مؤكداً.

ويتابع: «أنا أشعر اليوم بأنني بلجيكي. لا بل أنا بلجيكي فعلاً». ولعل لغته الفرنسية، الممزوجة بلكنة فلمنكية، دليل دامغ على ما يقول.

في الخارج، تحتل صفوف من الخيام الخضراء، المستعارة من قبل منظمة شبابية، مساحة في ساحة انتظار السيارات بالمستشفى، وقد تم تجهيز مركز استثنائي لاستقبال وتصنيف المرضى الذين من المحتمل أن يكونوا مصابين بفيروس كورونا.

وعلى بُعدِ خطوات قليلة، يقف مريضٌ كئيب أمام المشرحة ويقول: «من الاستقبال إلى الموت، لم يبق شيء للصدفة». حيث يبلغ عدد سكان بلجيكا اليوم 11.4 مليون نسمة، ولديها اليوم ما يقرب من 6500 حالة وفاة مرتبطة بفيروس كورونا.

من جهته، يقول “عبود” 27 عاماً والذي يعمل في متجر للمنتجات المعقمة بمستشفى آخر في بروكسل: «البقاء محجوراً في المنزل والشوارع الفارغة، يذكروني بسوريا في زمن الحرب».

وينحدر هذا الشاب من #الرقة، المعقل السابق لتنظيم #داعش، وقد اختار الفرار في شهر أيلول 2015، مروراً بتركيا و#اليونان وطريق #البلقان، لينتقل من جبهة إلى أخرى.

ويتابع عبود مضيفاً: «يعرّض السوريون والعديد من اللاجئين الآخرين العاملين في القطاع الطبي في أوروبا حياتهم للخطر، إذا كنت ناشطًا يمينياً متطرفاً، فإن هذه الأزمة ستجعلني بلا شك أعيد تقييم قناعاتي السياسية».

وقد ضحى البعض منهم بحياته بالفعل، ففي #إيطاليا، الوجهة المفضلة للأطباء السوريين لعدة أجيال، توفي أربعة أطباء سوريون بالفعل منذ بداية الجائحة، من بينهم “عبد الستار عيروض”، طبيب الأورام، المولود في #حلب عام 1945.

«حتى بعد تقاعده الرسمي قبل خمس سنوات، استمر في العمل كمدير دار تقاعد، وهناك أصيب بالعدوى من قبل أحد مرضاه، الذي كان جاراً لنا في الحقيقة. لقد كان سعيداً بالعمل وخدمة الآخرين خلال هذه الجائحة»، تقول “كندة عيروض” ابنته الكبرى والتي تم الاتصال بها عبر الهاتف.

وتوفي أخيراً الطبيب “عيروض” في السادس عشر من الشهر الماضي. وبسبب التعقيدات المتعلقة بدفن موتى فيروس كورونا وعدم وجود مكان في المقبرة المحلية للمسلمين، تم دفنه في قرية (مونتيشياري)، الواقعة على بعد أكثر من 100 كم من منزله، حيث تعيش زوجته الآن وحدها.

«منذ أن غادرت سوريا، كنت قلقاً بشأن والداي اللذين تركتهما ورائي، ومن المفارقات أنهم هم الآن الذين يقلقون بشأني»، يقول “بشار فرحات”، وهو في الأصل من منطقة #إدلب ويقيم اليوم في يورك، في #إنجلترا.

فقد هرب هذا الطبيب في عام 2013 بعد أن اعتقله النظام بسبب صلاته بالمعارضة. وفي الأسبوع المقبل، ولأول مرة منذ وصوله، سيبدأ عقداً في غرفة الطوارئ، في خضم أزمة صحية غير مسبوقة.

«أنا لست قلقاً بشكل خاص، إنها ليست حربي الأولى»، يقول الطبيب “فرحات”. ويتابع قائلاً: «لقد تعلم الأطباء السوريون، من خلال تجربتهم، العمل تحت الضغط»، مؤكداً أنه «قلق بشكل خاص على وطنه».

من جهتها، تقول “يمامة بديوي” طبيبة دمشقية تبلغ من العمر 28 عاماً وهي تعمل اليوم بشكلٍ مباشر مع مرضى فيروس كورونا في مستشفى (أريدال) في (برادفورد)، في #المملكة_المتحدة، بأسف: «إنه لألمٌ كبير أن نغادر وطننا عندما تكون هناك حاجة لنا هناك».

في الواقع، باتت سوريا مقفرة من معاطفها البيضاء. وقد نبهت منظمة أطباء حقوق الإنسان غير الحكومية (PHR) عام 2015 إلى أن أكثر من 50٪ من الأطباء السوريون قد غادروا البلاد بالفعل.

كما قتل ما لا يقل عن 923 عاملاً في المجال الصحي بين عامي 2011 وشهر آذار من العام الحالي، 91 ٪ منهم على أيدي قوات #الحكومة_السورية والميليشيات التابعة لها وكذلك حليفها الروسي، والذين يستهدفون بشكل منهجي المستشفيات في مناطق المعارضة.

وقد بات النظام الصحي السوري، الذي كان يعتبر في يوم من الأيام من أفضل الأنظمة في العالم العربي، الأسوأ اليوم.

ويقول “ريان قطيش” الباحث المتخصص في الشرق الأوسط في منظمة أطباء حقوق الإنسان، بهذا الخصوص: «في كل مرة يغادر فيها طبيب البلد أو يقتل، فإنه يخلق فراغاً كارثياً. فهذا النقص يصعب سده وسيكون له عواقب وخيمة على المدى القصير والمتوسط والطويل».

ويتابع مختتماً حديثه لصحيفة لوفيغارو: «كجزء من دراسة قمنا بها العام الماضي، سألنا عشرات الأطباء تحت أي ظروف سيوافقون على العودة إلى سوريا لممارسة المهنة؟ فكان جواب الجميع، بدون استثناء: إذا تم تغيير النظام الحالي».

 

عن صحيفة (Le Figaro.fr) الفرنسية


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة