تمسّكت محافظة #السويداء، الواقعة في الجنوب السوري، والتي تعتبر الموطن الأبرز للطائفة الدرزية، بحيادها منذ بدء الاحتجاجات المعارضة للحكومة السورية في آذار/مارس 2011. إلا أن المشهد الداخلي اليوم يبدو معقداً بعد دخول المحافظة في صراع تشكيل الفصائل والمليشيات، التي ارتبط بعضها بالقوات الحكومية، وبرّر بعضها الآخر تسلّحه بمقاومة الخطر القادم من خارج المحافظة.

موقف الأهالي المحايد ساهم بوقف التجنيد الإجباري والاحتياطي ضمن حدود السويداء، وأنهى ضغوط الحكومة السورية، وحليفيها الروسي والإيراني، لدفع الأهالي لتسليم أبنائهم للتجنيد في القوات الحكومية. 

تكوين المليشيات 

نشط في السنوات الماضية تكوين جماعات وميليشيات مسلحة موالية للقوات الحكومية، وأخرى موالية لروسيا وإيران، لتدعيم السلطة التي فقدتها الحكومة السورية في المحافظة، ليكون الدور الأبرز لهذه المليشيات تحطيم مكانة الزعامات الدينية والعشائرية التقليدية.

يقول “أكرم السلوم”، المقاتل في فصيل “رجال الكرامة”، لموقع “الحل نت” إن «القوات الحكومية شكّلت عدداً لا بأس به من الجماعات التابعة لها في المحافظة، أبرزها “مليشيا الدفاع الوطني” أو #اللجان_الشعبية، والتي بلغ عددها حوالي خمسة آلاف مسلّح، وهي على علاقة وطيدة وتنسيق دائم مع فروع الأمن المختلفة والجيش السوري».

ويضيف “السلوم” أن «فصيل “البعث”، الذي يضمّ أربعة آلاف شخص، على علاقة مباشرة مع فرع الحزب في السويداء، ويتبعه مقاتلو حركة “الحزب القومي الاجتماعي السوري”، ودخلت ميليشا #حزب_الله للبناني على الخط، لتشكيل مليشيا من حوالي مئة شخص، بزعامة العقيد الطيار المتقاعد “جمال الحلبي”، تحت مسمى “حزب الله السوري”».

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بحسب “السلوم”، الذي يضيف أن «روسيا أرادت الدخول إلى السويداء عن طريق مجموعة أهلية مسلحة صغيرة في بلدة “قنوات”، تسمى “قوات الفهد“، لا سيما بعد قيام السياسي اللبناني “وئام وهاب” بضم جماعة في المدينة إلى  حزبه المسمى “التوحيد”، لتكون قوة رديفة للوجود الإيراني في المنطقة. من جهتهم قام الإيرانيون بتشكيل ميليشيا باسم “لبيك يا سلمان”، منبوذة داخلياً بين الأهالي»، حسب تعبيره.

ويفيد الباحث الأكاديمي “سليم نجار” في حديث لموقع «الحل نت «أن «إيران أسست “مركز الدراسات التوحيدية” في عام ٢٠١٤، ومقره دمشق، ولديه مكتب في مدينة السويداء، برئاسة مستشار في محكمة أمن الدولة، وأمين فرقة حزب البعث، ويعمل المركز على الجانب الاجتماعي للطائفة الدرزية، والملفت أنه لا يقوم بأي نشاط بحثي». 

السويداء أرض خصبة للمتطرفين

مع تنامي نفوذ المليشيات التابعة للقوات الحكومية، تشكّلت حركات وفصائل هدفها حماية الطائفة، بعضها بدعم حكومي، وتعمل بشكل علني، وأخرى تنشط على هيئة خلايا نائمة.

يقول “سومر الخضر”، المهندس الزراعي من مدينة “شهبا”، لموقع «الحل نت «إن فصيلرجال الكرامة“، الذي يقوده الشيخ “يحيى الحجّار” حالياً بعد مقتل “وحيد البلعوس” مؤسس الفصيل، يعتبر من أكثر الفصائل الأهلية قوةً وتنظيماً وتسليحاً، ويضم ستة وعشرين بيرقاً، والبيارق هي مجموعات مسلحة على امتداد السويداء، وأكبرها بيرق “الهرم”، الذي يقوده “الحجّار” نفسه، ومركزه قرية “شنيرة”، ويتمتع البيرق بمباركة رجال الدين، ومتوسط أعمار مقاتليه مرتفع، بحدود خمسة وثلاثين عاماً».

 وتعتبر “جماعة بشنق”، وهو اسم شيخ قديم كان له حضور روحي مهم لدى أبناء المحافظة، ثاني أكبر الفصائل، ويبلغ عدد عناصرها حوالي ثلاثة آلاف شخص، يقومون بتصنيع سلاح “الدوشكا” محلياً، ويملكون صواريخ خفيفة وقذائف “آر بي جي” وعربات ثقيلة. 

ويتحدث “خضر” عن وجود جماعة مسلحة تتبع لشيخ عقل الطائفة الحالي “يوسف جربوع”، وتسمى باسمه، أفرادها مسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتنشط بتمويل محلي، وتعتبر موالية إلى حد كبير للحكومة السورية.

ويضيف “خضر” أن التشرذم الذي وقعت فيه السويداء، بعد حالة الانشقاقات التي ضربت جسد (رجال الكرامة) بمقتل مؤسسها “وحيد البلعوس” أدى لتشكيل جماعات متطرفة على المستوى المحلي، مثل مليشيا “عمار بن ياسر”، غير معروفة العدد، والتي تضمّ مسلحين متطرفين دينياً، وتعمل في العلن تحت راية “وحيد البلعوس” وتتبع نهجه.

فيما جاهرت مجموعة “الشريان الواحد” بعدائها للحكومة السورية، وهي تحالف لمجموعات أهلية مسلحة، منشقة بغالبها عن رجال الكرامة، وتعاني من سوء التنسيق والفوضوية.

في حين، أسس “وليد البلعوس” نجل “وحيد البلعوس” تكتلاً باسم (شيوخ الكرامة) بعد انشقاقه عن (رجال الكرامة) عقِب خلافاتٍ بين أعضاءه، واتهاماتٍ حول تورّط بعض الجهات بعملية اغتيال “وحيد البلعوس” سبتمبر أيلول 2015.

معاناة النازحين

مع تصاعد الفوضى والتوتر الأمني في المحافظة، قرر كثير من النازحين إليها المغادرة، خوفا من تعرّضهم للخطف، وخاصة أنهم الهدف الأكبر للعصابات، في حين يتمتع أبناء المحافظة بحماية نسبية، فعندما تحدث خلافات بين الفصائل أو العائلات في المنطقة، يتم تطويقها على الفور عبر تدخل الهيئات الدينية والاجتماعية، أو تقوم الشرطة الروسية بالتدخل.

يقول “رامي شهاب الدين”، أحد التجّار في مدينة السويداء، لموقع «الحل نت»: «كثير من التجار من خارج المحافظة قرروا عدم القدوم إليها والعمل فيها مجدداً، بعد تعرّض عدد من الشاحنات للسرقة، أو تعرض تجار آخرين للخطف على أيدي عصابات مجهولة». لافتاً أن الوضع الاقتصادي في تراجع، نتيجة ارتفاع الأسعار، وقلة الاستثمارات، لتدهور الوضع الأمني في المحافظة.

وينوّه “شهاب الدين” أن قيمة المبالغ المدفوعة لتحرير المختطفين تترواح بين مليون وعشرة ملايين ليرة سورية، بل وصلت في بعض الأحيان إلى خمسين مليون ليرة، بحسب الوضع المادي للشخص المخطوف وعائلته.

فوضى حظر التجول 

شهدت السويداء، خلال فترة حظر التجوال، التي أقرّته الحكومة السورية، عديداً من جرائم السلب والسطو المسلح، فسرق مجهولون “الصالة السورية للتجارة” وسط مدينة السويدا. 

وصرّح مصدر أمني في شرطة المدينة لموقع «الحل نت» أن «لصوصاً مجهولين خلعوا باب الصالة ليلاً، وسرقوا مدافئ كهربائية ومواداً غذائية بقيمة نصف مليون ليرة». لافتاً أن السرقة وقعت في أوقات حظر التجول ليلاً. 

ويقول “سومر الخضر” إن الغائب الأكبر في المشهد هو الدولة بالمعنى المؤسساتي، فبينما تدير الأجهزة الأمنية المشهد من خلف الستار، تعاني المؤسسات المدنية للدولة من تردّي وانقطاع خدماتها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.