سلّط النّجاح العسكري الروسي في #سوريا على مدى السنوات الأربع الماضية، الضوء بشكلٍ سلبي للغاية على التأكيد- الذي تردّده بشكلٍ روتيني كل من #الأمم_المتحدة و#الولايات_المتحدة ودبلوماسيين غربيين آخرين- بأنه ليس هناك «حلٌّ عسكري» للحرب الأهلية الوحشية في سوريا، ولم يعد من الواضح أبداً فيما إذا كانت #روسيا قادرة بالفعل على ترجمة المكاسب في ساحة المعركة إلى حلٍّ سياسيٍ مستقر.

ففي السابع عشر أبريل نيسان الماضي، نشر “ألكسندر أكسينوك” السفير الروسي السابق في سوريا ونائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، تقييماً قاتماً بشكلٍ ملحوظ للوضع في سوريا ولقدرة القيادة في هذا البلد على حله.

حيث كتب يقول: «دمشق ليست مهتمة بشكلٍ خاص، بإظهار نهجٍ بعيد النظر ومرن، والتسوية المستدامة مستحيلة؛ ما لم يتم القضاء على الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للصراع والعقلية التي تسببت فيه».

وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية الروسية كانت ناجحة حتى هذه اللحظة، فقد خلص “أكسينوك” إلى أنه «أصبح من الواضح بشكلٍ متزايد، أن النظام متردد أو غير قادر على تطوير نظامٍ حكومي يمكنه التخفيف من الفساد والجريمة والانتقال من الاقتصاد العسكري إلى التجارة العادية و العلاقات الاقتصادية».

وكان “أكسينوك” منتقداً لـ #دمشق من قبل، لكنه لم يكن يفعل ذلك بشكلٍ مباشر. كما أنه نشر مقالاً يتهم الرئيس السوري بـ «الفساد» في صحيفةٍ يملكها “يفغيني بريغوزين” الحليف المقرب للرئيس #فلاديمير_بوتين.

كذلك نشر استطلاعاً يشير إلى أن شعبية #بشار_الأسد داخل سوريا قد انخفضت إلى 32 في المائة، كل ذلك؛ أثار التكهنات حول حملة إعلامية منسقة تهدف إلى الإشارة علناً إلى استياء #الكرملين من القيادة السورية.

وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون هذا تطوراً مقلقاً للأسد، الذي تعتمد آليته العسكرية بالكامل تقريباً على سلاح الجو والأسلحة والخبرة الفنية الروسية. وحتى لو كان ما تم نشره مستقلاً عن الإرادة السياسية، فإنه سيكون بنفس الأهمية، حيث أنه يشير إلى إحباط أكثر عمومية من الشريك السوري الرئيسي لروسيا.

ماذا يمكن أن يعني هذا لمستقبل تدخل روسيا في سوريا؟

لقد تعاونت كل من روسيا وسوريا منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، لكن الشراكة كانت أكثر تعقيداً وتوتراً مما تم الاعتراف بها أحياناً، فخلال الحرب الباردة، شعر المسؤولون الروس بالقلق من سياسة سوريا الخارجية المغامرة.

وعلى الرغم من المساعدات الكبيرة، وجدوا أن #حافظ_الأسد صعب إن لم يكن من المستحيل السيطرة عليه. وعندما انهار #الاتحاد_السوفييتي، تلاشت العلاقات تقريباً، ولكن تم استعادتها في عام 2005، عندما تقاطعت رغبة روسيا في تأكيد سياسة خارجية مستقلة، بما في ذلك في #الشرق_الأوسط، مع تزايد الضغوط الغربية على سوريا.

موضوع يهمّك:

بعد تصريحات “بوتين” ضد الأسد .. دمشق تردّ من بوابة الأسلحة الروسية

ومنذ الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، وخاصة بعد عام 2015، كان الدعم الروسي قوياً، لكن المسؤولين الروس – بمن فيهم بوتين نفسه – نأوا بأنفسهم باستمرار عن شخص الرئيس السوري.

وطوال جولات متعددة من محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في #جنيف، أصر الدبلوماسيون الروس على أنهم «ليسوا متورطين في الأسد». ويعتقد البعض أن هذا لم يكن أكثر من مجرد خدعة، تهدف إلى التلاعب بالمسؤولين الغربيين المتفائلين، وكسب الوقت لتعزيز موقف الأسد.

مرونة بوتين مع الأسد أطالت عمر الأخير في السلطة

من المؤكد أن هذا النهج منح روسيا مرونة أكبر مما فعلته دعوة الرئيس #أوباما للأسد للتنحي، لكنه يعكس كذلك حقيقة أن دعم روسيا لم يكن أبداً بشأن الأسد أو حتى سوريا في المقام الأول؛ بل كان الدافع وراء ذلك هو الرغبة في منع الولايات المتحدة من إسقاط نظام آخر معاد، وإنهاء عزلة #موسكو بسبب أفعالها في #أوكرانيا، وضمان استمرار الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا كله، كان الأسد مجرد أداة. وفي ظل الظروف المناسبة، ربما يكون أداة يمكن الاستغناء عنها.

ولكن هذا لا يعني أن روسيا مستعدة اليوم لقبول انتقال سياسي في سوريا على غرار ما هو منصوص عليه في قرار #مجلس_الأمن الدولي رقم 2254، وذلك لعدة أسباب.

فالخوف من أن يؤدي إسقاط الأسد إلى الانهيار الفوضوي للنظام السياسي الذي ساعد والده في بنائه منذ أكثر من أربعين عاماً، يجعل هذا النهج محفوف بالمخاطر.

وعلى مستوى أكثر عملية، فإن دعم #إيران الثابت للأسد، يحدّ من نفوذ روسيا في السياسة الداخلية. وربما قبل كل شيء آخر، وضعت روسيا سوريا في سياق يؤكد دفاع روسيا عن السيادة الوطنية والموثوقية كشريك أمني.

وأية خطوة نحو الاستسلام للولايات المتحدة على مصير الأسد، سوف تفسد تلك الرواية بطرقٍ من شأنها أن تؤثر سلباً على تطلعات السياسة الخارجية لروسيا في ما هو أبعد من سوريا.

التحدي العسكري في سوريا يُرهق روسيا

ومع ذلك، فإن التحديات بالنسبة لروسيا في سوريا هائلة، فالتحدي الأول عسكري، حيث تقف #تركيا والولايات المتحدة في طريق النصر الكامل، تاركين حشداً كبيراً من المقاتلين المتطرفين والمتشددين في محافظة #إدلب، ليس بعيداً من قاعدة #حميميم الروسية.

كما أنهما يحرمان #الحكومة_السورية من الوصول إلى موارد النفط والغاز في الشرق، وفي حين أن مستقبل الوجود العسكري الأمريكي غير مؤكد، فإن الحشد العسكري التركي يشير إلى أن تركيا تخطط للبقاء. وفي الوقت ذاته، يختمر تمرد في الجنوب، وهي منطقة شاركت فيها روسيا بعمق في سلسلة من اتفاقيات المصالحة وخفض التصعيد، حيث تواصل الشرطة العسكرية الروسية القيام بدوريات هناك.

سياسياً، عاد الأسد مرةً أخرى إلى تعنته ومماطلته، مما قوض حتى التطلعات المتواضعة للعملية التي تقودها الأمم المتحدة لصياغة دستورٍ سوري جديد، والتي وصفها المسؤولون الروس في البداية بأنها خطوة مهمة على «طريق طويل» نحو السلام.

وكما رأى خبراء السياسة في سياقات أخرى، فإن المساعدة العسكرية لا تترجم بالضرورة إلى تأثير، ففي سوريا، ربما يكون نجاح روسيا في إبقاء الأسد في السلطة، ترك موسكو بنفوذٍ أقل، وليس أكثر.

دولةٌ أمنية نَجَت من الحرب

للتاريخ ولنكون منصفين، لطالما كانت سوريا عصية وصعبة الحكم، فقد كان هناك ما لا يقل عن خمسة انقلابات بين الاستقلال عام 1947 و #الحركة_التصحيحية التي أتت بحافظ الأسد إلى السلطة عام 1970.

وفرضت عائلة الأسد النظام من خلال بناء دولة أمنية لا ترحم، تخفي الشخصية العلوية في البعثية، واللعب بالقضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتها المحلية. ومن بين هذه الطرق الثلاثة، يبدو أن الطريقة الأولى فقط نجت من الحرب السورية.

موضوع يهمّك:

مقربون من بوتين: نفد صبره من الأسد وسوريا أصبحت «مصدر صداع»

وقد يتمكن سياسي أكثر قدرة من استمالة المعارضين السابقين والاستفادة من الروح الوطنية السورية أو الصمود المذهل للشعب السوري للبدء في تضميد جراح الحرب. لكن بشار الأسد ليس ذلك القائد، وروسيا تعرف ذلك جيداً.

وأخيراً، هناك التحدي الاقتصادي، فمقامرة روسيا بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيقبلان في نهاية المطاف بصفقةٍ سياسية تجميلية وسداد فاتورة إعادة الإعمار، وإن كان ذلك فقط لوقف تدفق اللاجئين، قد لا تنجح.

وبدلاً من ذلك، فإن تشديد العقوبات الأمريكية وانهيار النظام المصرفي اللبناني يقوّضان ما تبقّى من الاقتصاد السوري.

رغم التحديات.. موسكو مستعدة لقبول سوريا كـ «دولةٍ فاشلة»

في غياب “مكاسب السلام”، يقوم الأسد بتهدئة أولئك الذين ظلوا مخلصين له بمنحهم الممتلكات والشركات التي استولى عليها من السوريين الذين فروا خلال الحرب.

وفي غضون ذلك، تجد روسيا صعوبة في الحصول على الفوائد الاقتصادية في سوريا، والتي من شأنها أن تساعد في تعويض تكاليف حملتها العسكرية هناك.

على العموم، لا يزال العديد من الروس وغيرهم ينظرون إلى تدخّل بوتين في سوريا على أنه نجاح كبير. فقد انتهى التهديد العسكري لحكم الأسد. واختبرت روسيا ووجدت أسواقاً جديدة لأنظمة أسلحتها.

كما تعمقت علاقاتها مع إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج، وتعززت هيبتها في المنطقة بشكل كبير. ومع ذلك، من الصعب معرفة من أين ستأتي المكاسب الإضافية، وقد تكون هناك تكاليف باهظة إذا تدهور الوضع أكثر. فانهيار أسعار النفط والاضطراب الاقتصادي الناتج عن جائحة فيروس #كورونا تجعل هذه القضايا أكثر إلحاحاً.

لقد وجدت روسيا في الأسد شريكا راغباً وإن كانت تشوبه الكثير من العيوب. ولعل من سخرية القدر أنه في الوقت الذي قبل فيه الكثيرون في أوروبا، والبعض على الأقل في الولايات المتحدة، ببقائه في الحكم، يزداد الإحباط الروسي من الأسد.

ومع ذلك، لا يزال الأسد وروسيا بحاجة إلى بعضهما البعض، في الوقت الحاضر على الأقل. وقد تكون موسكو مستعدة لقبول سوريا كدولة فاشلة يمكنها من خلالها الاستمرار في العمل كحكم بين القوى الإقليمية والدولية، في انتظار فرص ظهورها في المستقبل.

ولكن من شبه المؤكد أن بوتين سوف يستمتع بفرصة لعب دور “صانع السلام”. وفي هذه الحالة، ستحتاج روسيا إلى إقناع الآخرين، وخاصة تركيا والولايات المتحدة، بأنها مستعدة لاستخدام النفوذ الذي لا يزال في دمشق، ما لم يفسد الأسد خطط بوتين مجدداً.

 

 عن موقع (Wilson Center)  رابط المادة المُترجمة:

(https://www.wilsoncenter.org/article/assad-spoiler-russias-challenge-syria)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.