في ظل تزايد العنف ضد النساء في العراق: الأحزاب الدينية تعرقل تشريع قانون “مكافحة العنف الأسري”

في ظل تزايد العنف ضد النساء في العراق: الأحزاب الدينية تعرقل تشريع قانون “مكافحة العنف الأسري”

تعاني المرأة في #العراق منذ عقود من العُنف الأُسَري بشتى أنواعه، وتفاقمت هذه الحالة منذ مطلع التسعينيات، حينما أطلق الرئيس العراقي الأسبق #صدام_حسين ما تعرف بـ “الحملة الإيمانية”.

وهي أجندة سياسية قانونية محافظة، ساهمت في تدهور الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين العراقيين، ومنهم النساء، بحجة “العودة للإيمان”.

شهد شهر نيسان/إبريل الماضي أكثر من سبع عشرة حالة تعنيف مسجلة بحق النساء، أبرزها حالة “ملاك الزبيدي” بنت #النجف.

“ملاك” قامت بحرق نفسها، نتيجة العنف الذي يمارسه زوجها بحقها، وهو مسؤول أمني كبير في المحافظة، ما أدى لوفاتها دون معاقبة معنّفها.

تقول دراسة لـ #وزارة_التخطيط العراقية صدرَت عام 2012، إن 36% من النسوة المتزوجات تعرّضن للأذى النفسي من أزواجهن، و9% للعنف الجنسي، و23% لإساءات لفظية، و6% للعنف بدَني.

 ضرورةٌ مُلحَّة وخطوَةٌ مُتأخّرَة

إزاء هذا العنف المتزايد قامت عديد من المنظمات والمراكز بحملات وورش للتوعية بأهمية مكافحة #العنف_الأسري، والضغط على السلطة التشريعية من أجل تشريع قانون يحمي الأسرة من العنف.

#ياسر_اسماعيل، رئيس “مركز نايا”، المساهم في تنظيم هذه الحملات، يقول إن «الهدف من الحملة هو إقرار قانون يحمي أفراد الأسرة من العنف الواقع عليهم، وخصوصاً المرأة والأطفال والفتيات».

ياسر إسماعبل – فيسبوك

«نُفّذَت الحملة على مواقع #التواصل_الاجتماعي، إذ أطلقَ صحفيون ونشطاء عبر منصاتهم، في الثاني والعشرين من نيسان/إبريل المنصرم، حملة دعم ومناصرة لإقرار قانون “مكافحة العنف الأسري”»، يوضّح “إسماعيل” لموقع «الحل نت».

مُوكّداً أن «إقرار القانون صارَ ضرورة ملحة للحد من تفشي العنف الأسري، الذي يشكّل خطراً كبيراً على المجتمع، ولا سيما أن إقراره سيضمن تماسك العائلة وتحقيق الاستقرار في المجتمع».

وكانَت #الأمم_اامتحدة قد طالبت ببيان لها، في نيسان/إبريل، بعد وفاة “ملاك الزبيدي”، ابنة التسعة عشر ربيعاً، «بإيقاف العنف ضد الأسرة، وخصوصاً المرأة، وسطَ تزايد حالات العنف الأخيرة».

#أنسام_سلمان، رئيسة “فريق إيسن لحقوق الإنسان”، تقول إن هذه الخطوة «مهمة جداً، لكنها متأخرة، لو جاءت مُبكّراً لاختصرت علينا كثيراً من الوقت والجهد، ولما خسرنا الكثير من النساء، اللواتي انتحرن أو قتلن في السنوات الأخيرة».

أنسام سلمان – انستجرام

“سلمان” تقول إن «العنف لم يكن غائباً بيوم من الأيام، نحن، بوصفنا ناشطين في مجال حقوق الإنسان، كّنا نُبلَّغ عن حالة أو حالتي تعنيف أسري في الأسبوع الواحد».

«لكن تسليط الضوء على هذه الحالات في الآونة الأخيرة،  بفضل منصات التواصل الاجتماعي، هو من جعلها تطفو للسطح أكثر، ويتم التفاعل معها»، تُبيّن “سلمان” في حديثها مع «الحل نت».

 تشريعٌ يُعيد التوازن وعاداتٌ تُشرعنُ الجرائم

بدأ الشروع بـ”قانون العنف الأسري” منذ عام  2008، وإلى اليوم، وبعد مرور اثنتي عشرة سنة، لم يرَ النور، علماً أن رئاسة الجمهورية أرسلَت مسودّة المشروع إلى #لبرلمان_العراقي في أيلول/سبتمبر المنصرم، ولم يقرّ حتى الآن.

الحقوقية  “طيبة التميمي”، تقول إن «مقترح القانون تضمّن أن  كل فعل أو امتناع عن فعل، أو التهديد بأي منهما، يُرتكب داخل الأسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي، يعدّ جريمة وفق القانون، وهذا ما استقرت عليه التعديلات الأخيرة».

طيبة التميمي – فيسبوك

موضّحَةً أن «تشريع القانون يعيد التوازن بين الرجل والمرأة، ويضمن استمرار الحياة الزوجية، ويحافظ على النسيج المجتمعي من التفكك، ويسهم ببناء جيل يعي مسؤولياته تجاه المجتمع والفرد».

في حين يحظر #الدستور_العراقي كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة، فإن العنف الأسري ما يزال مشكلة كبيرة في العراق، إذ «تتعرض واحدة من كل خمس نساء للعنف الأسري البدني»، بحسب منظمات محلية.

عن أسباب العنف، تقول “أنسام سلمان” إنه «نتيجة المجتمع القَبَلي، الذي تحكمه عادات تشرعن جربمة “غسل العار”، وفرض قيود على المرأة تحدّ من طموحاتها، وتزويجها مبكراً خوفاً من اتهام المجتمع لها بالعنوسة».

وعلى الرغم من أن القانون، إن شُرّع، سيكون رادعاً للمُعنّفين، إلا أن “سلمان” تشدّد على «ضرورة زرع الوعي القانوني لدى الجميع، لتكوين فهم واضح للقانون المراد تشريعه، ما يسمح لمن تُضطهد باللجوء له مطمئنةً».

في أحايين كثيرة تُقدِم النساء على الانتحار أو حرق أنفسهن، لقلّة حيلتهن، ويمتنعن عن الاتصال بالشرطة المجتمعية المعنية بهذه المواضيع؛ لأن دورها ضعيف من الأصل، بل شبه معدوم.

 استغلال مادّة قانونية يُسعى لتعديلها

تقول الأكاديمية “نهلة نجاح”، التي تتحدّث بصفتها ناشطة نسويّة، إنها ترى «بعض النساء يلجأن للانتحار، لأن البعض الآخر يقتلن عَمداً، ويتم تسوية القضية على أنها حادثة انتحار».

«جرائم القتل هذه، يتم تسويتها تحت طائلة جرائم الشرف، وبالغالب تكون المرأة بريئة من ذلك. وهناك حوادث كثيرة في هذا السياق، لكنها لا تظهر للإعلام نظراً لحساسيتها»، تُضيف لـ «الحل نت».

«لذلك يتم إخفاء الموضوع، وتُظلم المرأة وتنتهك حقوقها، ويتم النيل من سمعتها لحماية الرجل، الذي ينظر إليه المجتمع دوماً بأنه الأقوى، ولديه السلطة لممارسة كل أشكال العنف، ولا جهة تحاسبه».

نهلة نجاح – فيسبوك

هذه النقطة الأخيرة التي قالتها “نجاح” لم تأتِ من فراغ؛ لأن المادة (41) من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، تتيح «للزوج تأديب زوجته».

«ولذلك نحن نطالب بقانون يحمي أفراد الأسرة، ليعرف الجميع أن القانون ينظم الحياة الاجتماعية، لا يهدمها، كما تروّج له الجهات السياسية على اختلافها وكثرتها»، تلفت الأكاديمية والناشطة النسوية.

وتردف “نجاح” أن «تشريع القانون سيساعدنا مستقبلاً لتعديل المواد القانونية الخاصة بـ”جرائم الشرف” والاغتصاب في قانون العقوبات، كونها غير منصفة للمرأة، فأمسَت تُستغل من المجرمين لتبرير العنف».

مرّت اثنتا عشرة سنة، والقانون تم إنجاز وتعديل ثلاث عشرة نسخة منه، وما زال يراوح مكانه في قبّة #مجلس_النواب، رغم كل هذه الضغوطات والحملات، والنداءات الأُمَميّة لتشريعه، فما السبب الذي يمنع تمريره؟

 أحزابٌ دينيّة تمنع التشريع

تقول الأكاديمية “بشرى العبيدي”، عضو مفوضية حقوق الإنسان سابقا، إن الأحزاب السياسية تقف عائقاً أمام تشريع قانون العنف الأسري «لأنها تنظر له على أنه يجعل المرأة تستقوي على الرجل، وقالوا ذلك لنا بكل صراحة».

ليس بالبعيد عن “العنف الأسري”، تشنّ منذ فترة حملة لمنع تعديل المادة (57) لقانون الأحوال الشخصية العراقي، لسنة 1959، والذي يخصّ حضانة الطفل.

هذه المادة تجعل حضانة الطفل تحت رعاية الأم حتى بلوغه سن الرشد، لكن هناك مطالبات نيابية لتعديله، من أجل إعطاء حق الحضانة للأب، وسلبها من الأم.

“العبيدي” كانت من أبرز من طالبن بعدم تعديل المادة، وتقول: «يُراد تعديلها وفق المذهب الجعفري، وحينما تصدّينا للتعديل قبل سنتين، نحن و #الأمم_المتحدة، عادوا اليوم بطريقة أخرى بهدف تعديل المادة».

بشرى العبيدي – فيسبوك

وتُضيف لـ «الحل نت»: «قاموا بتمويل بعض الرجال ليخرجوا للإعلام، ويتكلّموا عن اشتياقهم لأطفالهم، وأن الأمهات يمنعنهم من رؤية الأطفال، في حملة قوية امتدّت لأكثر من محافظة عراقية».

«حينما تحرّينا عن الموضوع، اكتشفنا أن الأحزاب نفسها، التي تمنع تشريع “قانون العنف الأسري”، والتي تسعى لتعديل حضانة الطفل، وجعلها من نصيب الأب، هي من تقف وراء هذه الحملة، عبر تمويل ضخم»، تقول “العبيدي”.

وتضيف: «هذه الأحزاب أحزابٌ دينية بالطبع، وهي #تيار_الحكمة الذي يتزعّمه #عمار_الحكيم، و #حزب_الفضيلة الذي يعود بالانتماء لرجل الدين “اليعقوبي”، و #تيار_الإصلاح الذي يتزعمه #إبراهيم_الجعفري».

«ورغم تحرّك النائبات مؤخراً، بعد ضغوطات المجتمع المدني، وتزايد العنف بحق المرأة، لم ولن يتم تشريع قانون “مكافحة العنف الأسري” في الدورة البرلمانية الحالية»، تقول جازمَةً.

وتوضّح: «وذلك لسيطرة الأحزاب الدينية المعارضة لتشريع القانون. وأنا مع عدم الضغط على هذه الأحزاب، لأن الضغط سيدفعها لاختيار أسوأ نسخة من نسخ القانون الثلاث عشرة، وتمريرها، وجميع النسخ فيها هفوات وأخطاء كثيرة».

«لذلك أنا مع التأني، لأجل الخروج بنسخة واحدة مضبوطة، ليتم الضغط باتجاه تشريعها في الدورة البرلمانية المقبلة، مع احتمال إضعاف سطوة الأحزاب الدينية، بخاصة بعد التظاهرات الأخيرة»، تختتم “العبيدي”، حديثها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.