منذ بدايات التحالف المتين بين الدولتين في نهايات الحرب العالمية الثانية، لم تتعرض العلاقة بين أميركا وتركيا لتوتر كالذي حدث بُعيد معركة كوباني عام ٢٠١٤، أي منذ تاريخ بدء التعاون بين أميركا ووحدات حماية الشعب.

تخللت العلاقة بعض الأزمات في السابق، مثل غزو قبرص عام ١٩٧٤  الذي دفع أميركا لفرض حظر بيع السلاح على تركيا، لتلغيه لاحقاً خوفاً من التمدد الإيراني ومنع تركيا لأميركا من استخدام مطاراتها أثناء حرب العراق ومن ثم حادثة القلنسوات سنة 2003، حيث اعتقل الجيش الأميركي ضباطاً أتراك في السليمانية بإقليم كردستان وتم وضع أغطية الرأس على وجوههم، في مشهدٍ أذلّ واحدة من أهم المؤسسات تقديساً في تركيا وهي الجيش التركي.

لكن أميركا بعد فترة قصيرة تداركت الأمر، واعتذر دونالد رامسفيلد عن الحادثة وعين جورج بوش السفير رايلي مبعوثاً له لمكافحة حزب العمال الكردستاني .

العلاقة بين أميركا وتركيا، أُسست لمجابهة النفوذ السوفيتي  والذي كان حزب العمال الكردستاني ضمن معسكره عند تأسيسه كحزب لينيني يدعو لتوحيد كردستان الاشتراكية.

منذ بداية الثورة السورية وحتى سنة ٢٠١٤، كانت النظرة الأميركية لوحدات حماية الشعب ترتكز على هذا الموروث، ما دفع أميركا إلى تجاهل المناطق التي تديرها وحدات حماية المرأة والشعب ومسايرة تركيا في منع كل المنظمات المانحة التي كانت تتخذ من تركيا مقراً لها من العمل في مناطق سيطرة الكرد.

كانت مناطق الإدارة الذاتية  في تلك الفترة تُعامَل أميركياً بشكل أسوأ من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة، وعمل الرئيس أوباما على تنفيذ سياساته التي تبتعد عن الشرق الأوسط وتدعو لتكليف الدول العربية والمسلمة مثل تركيا بكتائب الجيش الحر.

لم تنجح تركيا في تكوين جسد سوري سياسي يحظى بأي شرعية في الأماكن التي فقد النظام سيطرته عليها، فانتشرت داعش في مناطق حدودية مثل كوباني، ومنبج، واعزاز  والنصرة في غرب سوريا، وآلاف الكتائب التي لا تنسق بين بعضها البعض وتقاتل بعضها.

مدينة صغيرة كـ تل أبيض الحدودية كان فيها أكثر من ٤٠ كتيبة وغالبها يحمل أسماء إسلامية، حتى استيلاء داعش عليها بشكل مطلق، وحتى الكتائب المعتدلة التي قدمت لها أميركا مضادات الدبابات الأميركية المعروفة بالتاو، ومضادات الطائرات الصينية، باعت وقدمت عتادها لتنظيم القاعدة في بلاد الشام المعروف بجبهة النصرة.

وفي فترة الدعم الأميركي السياسي والعسكري للمعارضة، وخلال فترة مقاطعة وحدات حماية الشعب، استطاعت هذه الميليشيا المؤسسة حديثاً ودون أي دعم دولي من الانتصار على جبهة النصرة في رأس العين، والسيطرة على الأماكن ذات الغالبية الكردية بشكل هادئ، كرميلان الغنية بالنفط، قامشلي(عدا مربع أمني صغير) عامودا، الدرباسية ورأس العين، كوباني وعفرين وعملت على إيجاد تنسيق شديد بين كل هذه المناطق.

مع انتشار داعش على كامل الجغرافية السورية، واحتلالها مدينة كوباني، والفساد المنتشر ضمن كتائب الجيش الحر المشمولة في برنامج الإعداد والتسليح الأميركي، لم يكن لأميركا من حليف موثوق به تتحالف معه سوى وحدات حماية الشعب.

وكانت الصدمة الأولى لتركيا حينما نُشِرت صورة جمعت مبعوث أوباما لمكافحة داعش بريت ماكورك مع قياديين في وحدات حماية الشعب.

صحيح أن الوقائع على الأرض رجّحت كفة وحدات حماية الشعب بسبب وجود الحالة التنظيمية وعقيدة الانضباط ووجود المؤسسة الدفاعية الجاهزة، على خلاف كتائب الجيش الحر التي كانت تدعوا أميركا للمساعدة في تأسيسها ودعمها.

لكن لم يكن لأميركا أن تقوم بهكذا خطوة مستفزة لأهم حليف لها لولا اقتناعها أن حزب العمال الكردستاني لم يعد هو ذاته الذي كانت تقاتله أثناء الحرب الباردة، ولا أوجلان هو ذات الشخص في تلك الفترة كانت تركيا تحاور حزب العمال الكردستاني بشكل مباشر، وترسل صحافيين رسميين أتراك لمؤتمرات حزب العمال الكردستاني في قنديل.

فأمل أميركا كان دائماً إقناع تركيا بهذا الواقع الجديد، وطمأنتها بأن قوات سوريا الديمقراطية تعمل على سورنة النضال واحتوائه ضمن سوريا، ليظهر الفصل الواضح بين حزب العمال والإدارة الذاتية التي تم تأسيسها وأثبتت طابعها السوري  وكما أن وجود هيئات حكم تدير الملايين، سيلزم حزب العمال بقرار السلم كي لا يكون سبباً أو حجة لجلب الحرب للمنطقة والتسبب بكارثة للسكان في شمالي وشرقي سوريا.

لم تحصل قوات سوريا الديمقراطية على صواريخ التاو ومضادات الطائرات الصينية، لم يحصلوا على مليارات الدولارات كما كتائب الجيش الحر، ولم تحصل القيادات السياسية في مجلس سوريا الديمقراطية على أي دعمٍ غربي، كذلك الذي حصله الائتلاف والمجلس الوطني السوري.

ولم يتم دعم المدارس، والمشافي، والمزارع وكل القطاعات الخدمية كما هي الحال في مناطق الجيش الحر، رغم كل ذلك فشلت كل المحاولات الأميركية، الأوروبية، التركية والعربية في إنتاج بديل ديمقراطي عن الأسد من المعارضة السورية التي اتخذت من تركيا مقراً لها، كما فشلوا في سياسة مسايرة تركيا في فرض العزلة  على وحدات حماية الشعب.

وهذا ما دفع أميركا والغرب، وحتى بعض الدول العربية كالسعودية، مصر، والإمارات لاعتبار قوات سوريا الديمقراطية الشريك الوحيد  الموثوق به في سوريا،  ليس في الامر سحراً ولا مؤامرة، بل هو عمل واجتهاد، وإيمانٌ بالقدرات الذاتية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.