سجل علماء الآثار على أحد أوراق البردى الفرعونية، أول رسالة يشكو فيها أحدهم من صعوبة التعامل مع المراهقين، واصفاً انتشار العادات السيئة في أفراد “الجيل الجديد” كالتمرد على الأهل وعدم الالتزام بالقواعد العامة وسرعة تقلب المزاج، فهل هي مجرد صدفة أم أن التعامل مع “الجيل الجديد” يحمل التحديات نفسها في كل زمان ومكان؟

يشرح بعض المختصين في مركز صحة المراهقين في مشفى “رويال شيلدرن” في ملبورن، كيف يتعرض دماغ المراهقين لتطور ونمو سريع جداً، غير أن مركز المنطق في الدماغ لا يصبح جاهزاً لاستقبال وتنظيم المعلومات إلا في أواخر سن المراهقة تقريباً.

وبحسب المختصين، أنه من الطبيعي، أن تكون تصرفات المراهق متقلبة ومتناقضة، إذ تتنقل أوامر الدماغ ما بين مركز ردات الفعل الآنية ومركز المنطق والتحكّم، لهذا تبدو بعض تصرفات المراهقين واعية وبعضها الآخر طفولية.

في حين أوضح المختصين، أن هذا التبديل يسبب أيضاً صعوبة في استيعاب أبعاد الأفكار والأثر البعيد للقرارات والتصرفات.

وفي الوقت نفسه، تلعب الهرمونات الجديدة دوراً في تقلب مزاج المراهقين لتأثيرها المباشر على الشكل الخارجي وتأثيرها غير المباشر على الحالة النفسية.

الفعل ورد الفعل

من المهم كما يقول الخبراء، أن يعرف الأهل، أن المراهق لا يتعمد ما يفعل، فضعف قدرته على تحليل المشاعر وعدم نضج مراكز الدماغ المسؤولة عن المنطق تجعله يتعامل مع توجيهات الأهل بطريقة هجومية سريعة، أي مشابهة لرد فعل الإنسان عند الخطر.

ويقول “آلان كازدين” المختص في علم النفس من جامعة ييل الأميركية لمجلة “تايم”،
يلجأ بعض الأهالي للتعامل مع المراهق بأسلوب العقاب، الخفيف أوالقاسي لكن أسلوب العقاب لا يجعل المراهق أكثر قدرة على الفهم ولا يؤدي إلى تغيير سلوكه وأفكاره بل على العكس يعتبر العقاب القاسي (ضرب، إهانة، حرمان من شيء أساسي ولمدة طويلة…)، من أوائل أسباب تدمير شخصية المراهق، الأمر الذي ينعكس سلباً في حياته كلها.

ورغم أن الطفل أو المراهق قد يبدي تجاوباً وطاعةً لخوفه من العقاب القاسي، إلا أنه يصبح أكثر عرضةً للبحث عن الدعم من مكان آخر وزيادة الغرق في الخطأ.

أما العقاب الخفيف عند الضرورة (حرمان من أمر أو نشاط محبب لمدة لا تزيد عن يوم…)، فهو وإن كان أيضاً لا يؤدي إلى تغير سلوك المراهق إنما يعطي الطرفين فرصة أكبر للتفاهم والمفاوضات ووضع قوانين جديدة.

وبحسب الدراسات، لا يجب أن يكون الحرمان طويل الأمد، لأن المراهق الشديد التركيز على رغباته سيفقد شعور الذنب وسيركز على شعور الحرمان.

ثلاث نصائح للعلاقة الجيدة

نصيحة “كازدين” الأولى، هي بناء الثقة عن طريق المحبة والتنازلات، من المهم أن نخاطب المراهق أو المراهقة باسمهم الذي يحبونه، من المفيد امتداحهم وامتداح أفكارهم، والأهم من ذلك كله هو استمرار الحوارات ومناقشة القوانين العائلية، وعلى الأهل أن يكونوا قدوة في تقديم بعض التنازلات فهي الطريقة المثالية لتكوين الثقة المتبادلة والعلاقة الدافئة.

النصيحة الثانية، هي مشاركة المراهق بالأنشطة الحركية والهوايات، أوعلى الأقل التشجيع عليها، فهي ليست مضيعة للوقت بقدر ما هي وسيلة لتفريغ الطاقة وتنمية المهارات وزيادة الثقة بالنفس، إذ ينعكس أثرها إيجابياً على نمو الدماغ والتواصل.

كما أن مشاركة المراهقين في أنشطة تطوعية لمساعدة الآخرين يحقق الأثر الكبير في التكوين النفسي، وهذا متوفر في كافة المجتمعات.

النصيحة الثالثة، هي تحمل المسؤولية، الخطأ أمر إنساني يرتكبه الصغار والمراهقين والأهل على حد سواء، وكل خطأ يتعلم منه الإنسان الصواب بتحمله مسؤولية التصحيح، حيث يكون التصحيح سهلاً أو صعباً، لكنه يحتاج إلى دعم الأهل دائماً وتأكيدهم الدائم على أن المحبة لن تتأثر ولن تتغير.

ليس هناك عمر محدد لبداية أو نهاية مرحلة المراهقة، وليس هناك مقياس يحدد سهولتها أو صعوبتها، لكن المؤكد أن دور الأهل يؤثر فيها بشدة، لذلك فإن إعادة النظر بردات الفعل يمكن أن يحول التمرد إلى شجاعة والاختلاف إلى صدق، فالقدوة بالصبر والتعامل باحترام هي الخطوة الأولى للتفاهم ودوام العلاقة الجيدة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.