في الخامس من شهر آذار/ مارس الماضي، توصّل الرئيسان الروسي “فلاديمير بوتين” والتركي “رجب طيب أردوغان”، لاتفاقٍ يقضي بوقف إطلاق النار في الشمال السوري.

وينصّ الاتفاق على وقف كافة الأعمال العسكرية من جميع الأطراف، وتسيير دوريات روسية – تركية على #طريق_حلب_اللاذقية، المعروف باسم “M4”.

جاء هذا الاتفاق بعد حملةٍ عسكريةٍ شرسة على الشمال السوري، أسفرت عن نزوح ما يقارب نحو مليون مدني من ريفي #حلب وإدلب، نحو الشريط الحدودي مع #تركيا، الأكثر أمنًا، سواء داخل المدن أو في المخيّمات.

وعقب توقيع الاتفاق، وتفشّي فيروس #كورونا في المنطقة العربية، توقّفت كافة الأعمال العسكرية، مع خروقاتٍ طفيفة، الأمر الذي دفع بالنازحين، الذين هربوا من مناطق توقّفت فيها العمليات العسكرية، للعودة إلى منازلهم.

غير أن هذه العودة محفوفة بكثير من المصاعب، فلا خدمات أساسية ولا حياة بشرية في تلك المناطق شبه المدمّرة.

 

النازحون والعائدون في أرقام

جمع موقع «الحل نت» أرقامًا عن النازحين في الشمال السوري من البيانات المُعلنة من  فريق “منسقو استجابة سوريا”: يوجد حاليًا 1607 مخيّماً، من بينها 1277 مخيّماً نظاميًا (مسجّلاً)، فضلًا عن وجود 366 مخيّماً عشوائياً (غير مسجّل)، ويعيش في هذه المخيّمات مليون و41 ألف و943 مدنياً، من بينهم 183 ألف و811 نسمة يعيشون في المخيمات العشوائية. من بين هؤلاء النازحين 407 ألف و822 طفلًا، و307 ألف و329 رجلًا، و326 ألف و392 امرأة. كما يوجد بين النازحين 9867 امرأة معيلة (أرملة)، و18 ألف و772 من ذوي الاحتياجات الخاصة.

منذ وقف إطلاق النار في الخامس من آذار/مارس الماضي، وحتّى لحظة كتابة هذا التقرير، عاد 256 ألف و487 مدنيًا إلى منازلهم، والعدد بازدياد، وتركّزت العودة إلى ريف إدلب (“أريحا” و”جبل الزاوية” وريف #جسر_الشغور الجنوبي) وريف حلب (“الأتارب” و”دارة عزة” ومحيطهما)، وذلك على الرغم من تسجيل 273 خرقًا للاتفاق من طرف #القوات_النظامية، عبر استهدافاتٍ برية وبالطائرات المسيّرة.

 

“لا أريد النزوح مرّة أخرى”

على الرغم من عودته إلى قرية “الرامي” في “جبل الزاوية”، إلّا أن أبا فراس يرغب في ألّا ينزح مرّةً أخرى، فهو نزح من قريته سابقًا وعاد إليها،  ثم عاد للنزوح مرّةً أخرى.

ليس لدى الرجل الأربعيني أي مشكلة في ترميم ما دُمّر من منزله وتحريك عجلة الحياة، ولكنّه لا يرغب العودة مع عائلته إلى المخيّم العشوائي.

يقول أبو فراس لموقع «الحل نت»: «لدي مرض مزمن في الأمعاء، ولا يوجد في “جبل الزاوية” سوى نقطة طبّية بعيدة عنّي، لذلك أصبحت الحياة أكثر صعوبةً ممّا كانت عليه قبل العملية العسكرية».

يروي الرجل لحظات عودته إلى قريته: «كانت المنطقة فارغة تماماً، وحركة المدنيين فيها تكاد تكون معدومة، حتّى شعرتُ أنّني عدتُ إلى منطقة لا أعرفها»، معربًا عن أمله باستقرار الوضع ليبقى في منزله.

منذ اتفاق وقف إطلاق النار، لم تخلُ الطرق الدولية من وإلى ريفي حلب وإدلب من الشاحنات المكدّسة بالنازحين وأثاث منازلهم، المشهد يشبه صور النزوح بالشاحنات، ولكن هذه المرّة في طريق العودة، وتبدو الأمور أفضل حالاً.

ولكن المشكلة الرئيسية بالنسبة لـ”أبي فراس” أن المنطقة لا يوجد فيها كهرباء ولا مياه ولا مراكز طبية ولا حتّى خدمة انترنت، موضحًا أن «العائدين يعيشون حياة العصر الحجري»، حسب وصفه.

 

تحديات أمام عودة الحياة

يقول المهندس “محمد حلاج”، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”: «عمليات العودة ينظمها النازحون أنفسهم، فهم يحصلون على سيارات وشاحنات ويضعون حاجياتهم فيها ثم ينتقلون، باستثناء الأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، هؤلاء تعمل المنظمات على مساعدتهم على العودة».

يصف “حلاج” وضع القرى التي يتم العودة إليها بـ«السيء جداً»، مكملًا: «حتى الآن لم يتم تفعيل أي من الخدمات لعدّة أسباب، يأتي على رأسها انهيار البنى التحتية في المناطق التي يعود إليها النازحون، إضافةً إلى أن المنظمات حتى الآن لم تعد إلى هذه المناطق، ولم تقم بأي أنشطة هناك، لأنّها مازالت تصنّف هذه المناطق بوصفها مناطق خطرة وغير آمنة»، مبيّناً أنّه «لا يوجد شيء واضح حتّى الآن».

وأضاف “حلاج”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «حتّى الآن هناك عدد قليل من النقاط الطبّية. والخدمات غير كاملة، بسبب غياب دعم المنظمات للمراكز الطّبية والصحّية».

يرى “حلّاج” أنّ «العودة غير آمنة تماماً، بسبب نقص الخدمات والخوف من الخروقات، ولكن المدنيين لم يعودوا قادرين على تحمّل تكلفة النزوح الباهظة»، داعياً المنظّمات إلى التحرّك بأسرع ما يمكن لمساعدة النازحين، كما قدّر الاحتياجات “الأولية” لإعادة عجلة الحياة في مناطق العودة بما لا يقلّ عن ثلاثين مليون دولار أمريكي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.