بدأت #الحكومة_العراقية أخيراً بتحقيق تقدمٍ في محاولتها كبح نفوذ كتائب #حزب_الله، فبعد خمسة أشهر من مقتل قائدها #أبو_مهدي_المهندس في هجومٍ لطائرةٍ أميركية بدون طيار في #مطار_بغداد، بدأ نفوذ كتائب حزب الله العراقي المدعومة من #إيران يتآكل بصمت.

وبالرغم من الفراغ المؤسساتي الذي يعانيه العراق منذ اندلاع الاحتجاجات وسط وجنوبي البلاد أواخر 2019، فإن التحركات تجري على قدم وساق لدمج بعض فصائل وحدات #الحشد_الشعبي بشكل كامل ضمن نطاق القيادة والهياكل الحكومية التي كانت موجودة قبل 2014.

وإذا ما تمكنت حكومة العراق الجديدة من تحقيق ذلك، فإنه يمكنها أن تقلل من تأثير المجموعات المسلحة القوية والمشكوك بولائها للدولة العراقية.

الحشد الشعبي الحاضن للميليشيات

لعبت وحدات الحشد الشعبي دوراً رئيسياً في هزيمة تنظيم داعش الإقليمية في البلاد. وتنتمي العديد من الألوية ضمن وحدات الحشد الشعبي إلى الفصائل المسلحة التي كانت متواجدة لسنوات عديدة قبل تشكيل هذه الوحدات في 2014. وكانت هذه الألوية مدعومة منذ فترة طويلة من قبل #الحرس_الثوري الإيراني. وهناك وحدات أخرى أنشأت في العام 2014 وموالية للسيستاني تعرف باسم قوات الضريح.

أوحى البيان الرسمي الذي صدر في 23 نيسان الماضي، والذي يفيد بوضع أربع من وحدات الحشد الشعبي المرتبطة بـ (قوات الضريح) مباشرة تحت تصرف مكتب رئيس الوزراء، إلى محاولة جذب بعض الوحدات القتالية المتنوعة والتي يتجاوز عدد مقاتليها المائة ألف مقاتل بعيداً عن نفوذ إيران وكتائب حزب الله.

ويتمتع البعض من هؤلاء المقاتلين في صفوف وحدات الحشد الشعبي بخبرات سابقة في #القوات_العراقية المسلحة. فعلى سبيل المثال، “علي الحمادي” قائد لواء علي الأكبر، أخبر الفورين بوليسي عندما قابلته في #الحويجة خلال عملية استعادة المدينة من تنظيم داعش، أنه عمل سابقاً ضابطاً في القوات الجوية العراقية.

وجهاز مكافحة الإرهاب في العراق أيضاً من بين الوحدات التي تتبع مباشرة لمكتب رئيس الوزراء، حيث لعب الجهاز دوراً رئيسيً في محاربة تنظيم داعش وتلقى الدعم والتدريب من قبل #التحالف_الدولي.

وقد واجه الجهاز اتهامات من الفصائل الموالية لإيران بقربه الشديد من الولايات المتحدة، في حين استمر التحالف الدولي بتقديم الدعم له بعد أن أوقف مهامه التدريبية والاستشارية للقوات العراقية الأخرى بشكلٍ مؤقت في وقتٍ سابق من هذا العام وسط تصاعد التوتر الأميركي الإيراني وتصويت #البرلمان_العراقي على دعوة لإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وبحسب ضباط في #الجيش_العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب في العراق، فإن انسحاب قوات التحالف سوف يحرم الجهاز من المعلومات الاستخبارية والتي تعتبر أساسية في القتال ضد التنظيم.

كتائب حزب الله الخطر الأكبر على الحكومة

وما كتائب حزب الله إلا واحدة من العديد من المجموعات المسلحة المرتبطة بإيران التي تنشط في العراق والتي لطالما اعتبرت الخطر الأكبر على تطلع الحكومة العراقية في أن تكون دولة مستقلة في استخدام القوة داخل أراضيها. كما تفرض هذه الكتائب سيطرتها على أراضٍ في العراق يزعم أن المسئولين الحكوميين ممنوعين من دخولها.

وقد دمجت بعض كتائب حزب الله ضمن وحدات «الحشد الشعبي» التي تتقاضى رواتب من الحكومة العراقية كجزء من محاولة لكبح جماحها. وبالرغم من ذلك، واصل العديد من مقاتلي الكتائب عبورهم من وإلى #سوريا وإيران، بحسب مسؤولي أمن محليين في المناطق الحدودية.

واستهدفت غارة جوية أميركية في أواخر شهر كانون الأول لواءين من كتائب حزب الله التابعة للحكومة العراقية بالقرب من #القائم في محافظة #الأنبار، غربي العراق، ما أسفر عن مقتل 25 من عناصرها على الأقل.

وجاء الهجوم على السفارة الأميركية من قبل أنصار كتائب حزب الله والفصائل المسلحة الأخرى رداً على الغارة، ليعقبه هجوم بطائرة بدون طيار على المهندس وقاسم سليماني، أكبر جنرال إيراني قوةً ونفوذاً، في الثالث من شهر كانون الثاني الماضي.

وبحسب أحد المتطوعين الإعلاميين في وحدات الحشد الشعبي، والذي كان يساعد فريق المجلة في ترتيب اجتماعات مع القادة، فإن الجماعة المسلحة سعيدة بالحفاظ على غموضها على هذا النحو.

فالمهندس، الذي كان أيضاً نائباً لرئيس الحشد الشعبي وقائداً للكتائب، كان ذو شخصية استراتيجية مؤثرة وقادرة على التعاون مع بعض الجماعات المقاتلة المحلية من السنة وقادتهم وكذلك لعب دوراً في القتال ضد تنظيم داعش. وكان مفتاحاً لتزويدهم بالأسلحة والدعم في عملية استعادة السيطرة على الأراضي العراقية من براثن التنظيم.

خطر الكتائب يتنامى في مناطق محددة

بالرغم من علاقة “يزن الجبوري” من مواطني محافظة #صلاح_الدين والذي التقت به المجلة في #بغداد في شهر آذار الماضي، الطويلة الأمد مع المهندس، لكنه قال بإن «كتائب حزب الله كانت “مثل الشبح” حتى بالنسبة له».

وأشار “الجبوري” الذي كان بحماية المهندس، إلى «وجود توتر بين كتائب حزب الله وجهاز المخابرات العراقية بسبب السرية المستخدمة من قبل هذه الكتائب المرتبطة بإيران والتهديدات المختلفة التي تشكلها».

وأضاف الجبوري أن «كتائب حزب الله هددت في أوقات مختلفة رئيس البرلمان #محمد_الحلبوسي ورئيس المخابرات #مصطفى_الكاظمي، الذي أصبح رئيساً للوزراء في السابع من شهر أيار الحالي. حيث عارضت الكتائب الكاظمي بشدّة متهمة إياه بتورطه بمقتل المهندس وسليماني من خلال تقديم معلومات استخباراتية للولايات المتحدة».

وبالرغم من تولي “الكاظمي” مقاليد السلطة في البلاد، تواصل كتائب حزب الله احتلال بلدة بأكملها في محافظة #بابل والتي كانت تعرف سابقاً باسم #جرف_الصخر بحجة أنها تحمي مدينة #كربلاء المقدسة لدى الشيعة من الهجمات المحتملة لتنظيم داعش القادمة من محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية.

وحتى مع تبديل اسم البلدة إلى “جرف النصر”، إلا أن العديد من سكانها الأصليين، والذين أصبحوا الآن نازحين في محافظة الأنبار، لا يزالون يشيرون إليها باسم (جرف الصخر).

وتستمر كتائب حزب الله بمنع سكانها السنة من العودة وكذلك يمنع أي شخص آخر من الدخول إليها بما فيهم المسؤولين الحكوميين. وعند سؤال فريق المجلة المسؤولين عن كيفية الحصول على إذن لإعداد تقرير من المنطقة أجابوا: «لم يُسمح لنا حتى الآن بدخولها».

وادعى أحد ضباط جهاز مكافحة الإرهاب وجود مهندسين إيرانيين يحملون الجنسية البريطانية يعملون في البلدة وكذلك في مصانع الأسلحة. وفي مقابلة للمجلة مع الحلبوسي عام 2018، أفاد باعتقاده أن العديد من الرجال الذين اختفوا من نقطة تفتيش #الرزازة خلال عمليات القضاء على تنظيم داعش قد يكونون محتجزين في البلدة.

حيث لا يُسمح لأي شخص بدخولها باستثناء كتائب حزب الله. ويبدو أنها احتلت مؤخراً جزءاً من #المنطقة_الخضراء بالقرب من مكتب رئيس الوزراء في العاصمة بغداد.

وعند ورود التقارير التي نفاها رئيس الوزراء، ألمح الباحث الأميركي في الشأن العراقي “مايكل نايتس” في تغريدة له إلى أنه «لا يتعين على كتائب حزب الله انتظار مكتب رئيس الوزراء ليعطيها شيئاً، إنهم فقط يأخذونها ومن ثم يحاولون الاحتفاظ بها».

الحكومة تخشى تهديد الفصائل

ومهما فعلت الحكومة العراقية والجهات المهتمة لفصل كتائب حزب الله عن الجماعات المسلحة الأخرى، فإنها تفعل ذلك بهدوء بسبب المخاطر التي قد تنطوي عليها مثل هذه التحركات.

وأشار الجبوري إلى أن “المهندس” كان بإمكانه السيطرة بشكل كبير على مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة العراقية المرتبطة بإيران، ومع رحيل المهندس، تساوره المخاوف لعدم وجود أي شخص قادر على الحلول محلّه والقيام بالمهام التي كان يفعلها.

يقول “الجبوري”:  «إن “سرايا الخرساني” التابعة للحشد الشعبي أجبرت على مغادرة محافظة صلاح الدين بعد أن طلبنا من المهندس إخبارهم بذلك، لأن معاملة مقاتليهم للسكان السنة كانت أشبه بمعاملة قوة محتلة. ويتمثل الخطر اليوم باحتمالية خروج كتائب حزب الله، مع غياب قيادة المهندس لها، عن السيطرة في محاولة منها الحيلولة دون فقدانها السلطة والنفوذ في العراق».

وفي التقارير التي تتحدث عن الاحتجاجات التي اندلعت في مناطق وسط وجنوبي العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، غالباً ما كان يشار إلى المسؤولين عن مقتل المتظاهرين بغموض مستخدمين مصطلح “الأطراف”.

لأن العديد من الناس يخشون حتى ذكر أسماء الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران باعتبارها مسؤولة عن مقتل الأشخاص المتورطين في المظاهرات، وكذلك عن اغتيال الناشطين. ويفسر هذا حقيقة أن بعض السكان المحليين يجدون صعوبة الآن في تخيل أن تكون الأحزاب السياسية  غير مرتبطة بالجماعات المسلحة.

«أهل الحق» و«بدر» الأخطر على العراق

ويشير عدد من الناشطين إلى #عصائب_أهل_الحق و#منظمة_بدر على أنهما الميليشيات الأكثر خطورة في #الناصرية. حيث ترتبط كلتاهما بإيران، وتم دمج أجزاء منها ضمن وحدات الحشد الشعبي التي كانت متواجدة قبل 2014 بفترة طويلة، والتي تشارك الآن في العملية السياسية في العراق. ويمكن لسكان بغداد تسمية شوارع معينة في العاصمة العراقية بغداد، حيث يتصرف فيها أعضاء كتائب حزب الله كنوع من المافيا.

وبالرغم من قلة مناصري كتائب حزب الله في كل من بغداد والمناطق الجنوبية في العراق، إلا أنه وكما هو الحال في أي منطقة ترتفع فيها معدلات البطالة والفقر تصبح أراضاً خصبة للتجنيد بين الشباب لقاء المال.

أشار بعض السياسيين العراقيين، خلال لقاء المجلة معهم لإعداد تقارير عن الاحتجاجات ضد الحكومة العراقية على مدى الأشهر الستة الماضية، إلى ضرورة انخراط المجموعات المسلحة بشكل كامل في الحياة السياسية من أجل إلقائهم السلاح والتنافس على مستوى مختلف.

ومع ذلك، وبحسب العديد من النواب، لم تبدِ كتائب حزب الله  سوى القليل من الاهتمام في التخلي عن أسلحتها لقاء التمثيل البرلماني، ولا تزال تتجاهل مطالبها بمغادرة المناطق التي يرى السكان المحليون أن تواجدهم فيها غير ضروري أو يشكل تهديداً لاستقرارها.

وفي لقاء المجلة مع “الحلبوسي”، قبل توليه منصبه الحالي عندما كان محافظاً للأنبار، قال إنه كان «يريد توجيه الشكر للمهندس على مساعدة وحدات الحشد الشعبي بقيادتها الشيعية في دحر تنظيم داعش»، إلا أنه أفاد أيضاً «بضرورة مغادرة الميليشيات لمحافظة الأنبار ذات الغالبية السنية. حيث لم يعد وجودهم ضرورياً كما أنه يتسبب بمشاكل للسكان المحليين».

وتشير المجلة إلى استياء السكان السنة في غرب الأنبار من استيلاء الميليشيات الشيعية على المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم داعش في أواخر 2017، بالإضافة إلى عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود، مما يؤثر سلباً على السوق المحلية.

والأهم استيائهم من فقدان أقربائهم من الشبان حيث يختفون ببساطة على حد تعبيرهم. ويرجح الكثيرون أن كتائب حزب الله تقف خلف عمليات الاختفاء تلك، ولا يزال مقاتليهم وأسلحتهم يعبرون الحدود العراقية السورية غربي الأنبار.

وشهدت محافظة #ديالى على طول الحدود بين إيران والعراق مؤخراً ازدياد في هجمات تنظيم داعش، فضلاً عن استمرار الحوادث الأمنية في محافظتي #كركوك وصلاح الدين المجاورتين.

وقال مسؤول أمني رفض الكشف عن اسمه أن كتائب حزب الله نشيطة للغاية في ديالى بالقرب من الحدود الإيرانية كما أنهم يتحركون جيئة وذهاباً عبرها. ويرجح نقل كتائب حزب الله الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود من إيران، الأمر الذي قد يشكل خطراً على أي شخص يعتبر معارضاً لهم.

وبالرغم من حقيقة معارضة كتائب حزب الله بشدة لتعيين الكاظمي رئيساً للوزراء، إلا أنه لا يزال يتلقى الدعم الكافي لتشكيل الحكومة، مما يشير إلى تآكل نفوذ الكتائب في العراق.

ولعل التحرك الذي تقوده الحكومة لإبعاد بعض وحدات الحشد الشعبي عن كتائب حزب الله وغيرها من المجموعات الموالية لإيران، يشير إلى التقدم نحو الحد من نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.

حيث يشعر الكثيرون في العراق بضرورة ذلك. وربما يمثل تعيين رئيس الوزراء الذي يعارض حزب الله علنا في منصبه بالإضافة إلى برنامج الحكومة الداعي إلى وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة خطوة أولى هامة في الحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في العراق.

 

عن مجلة (Foreign Policy)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.