مع الانتشار والتمدد السريع لجائحة #كورونا، وتطبيق إجراءات الاحتراز لمواجهة الفيروس محلياً، استغل بعض المشعوذين والدجالين في أرياف المحافظات الشرقية السورية حالة القلق والهلع المتفشية وسط المجتمع، لإقناع البعض بأن لديهم العلاج الناجع، الذي يقي شر الإصابة بالفيروس.

سيل من الروايات والإشاعات سيطرت على بعض القرى والأرياف شرقي سوريا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووجدت آذاناً صاغية لدى نسبة كبيرة من السكان.

 

حكايات غرائبية ووصفات سحرية

الرواية الأغرب كانت في قرية “صباح الخير” في ريف محافظة #الرقة، ومفادها أن «فتاة صماء، تبلغ من العمر عشرة أعوام، نطقت لأول مرة ثم ماتت، لتوصي الناس بأكل أربعة فصوص من الثوم، وشرب كوب من حليب الجمال، قبل شروق الشمس، للوقاية من الإصابة بفيروس “كورونا”».

 وسرعان ما انتشر الخبر حتى وصل للقرى المجاورة، ليهرع الجميع بحثاً عن حليب الجمال، وشراء كميات كبيرة من الثوم أيضاً، الأمر الذي ساهم بارتفاع سعر الأخير بشكل كبير، وفقدانه من بعض الأسواق. واستغل بعض التجار حالة الفوضى والجهل، لبيع حليب مخلوط بالماء والسكر، على أنه حليب جمال، بأسعار باهضة الثمن، إذ بيع اللتر الواحد منه بأربعة آلاف ليرة.

الأمر يشبه كثيراً ما حصل في بلدة #مركدة بريف #الحسكة، حيث روج أحد السحرة في المنطقة لرواية مفادها بأنه قادر على علاج الفيروس وهزيمته، من خلال الأعشاب الطبية وبعض الزيوت النباتية، التي يتم خلطها ببعضها وإضافة العسل لها، وقراءة بعض الآيات القرآنية على الشخص لإتمام الوصفة.

وحول كلفة علاج المصابين بالفيروس، أفادت مصادر محلية من البلدة ذاتها لـ«الحل نت» بأن «تكاليف العلاج والوقاية، التي يطلبها السحرة والدجالون في البلدة، تختلف باختلاف أحوال الشخص وظروفه وقدراته المادية. وتجاوزت أسعار بعض وصفاتهم مئة ألف ليرة سورية خلال الأيام القليلة الماضية».

في قرية #الصعوة بريف #دير_الزور الشرقي روّج أحد الدجالين لقدرته على تقديم وصفات وقاية من الفيروس، ومنها «شرب ماء “زمزم”، شريطة أن يقوم بتلاوة بعض الأحاديث والآيات القرآنية على الشخص، وجعله يستنشق بعض البخور الخاصة، لضمان عدم إصابته مطلقاً، حتى ولو عانق شخصاً مصاباً»، على حد زعمه.

وقد نشط كثير من  الدجالين في الترويج لما سموه وصفات علاجية ذات تأثير معنوي وروحي، مستغلين حالة الجهل و الخوف المتفشية في المجتمع، إذ بثت امرأة، من قرية “الهري” بريف #البوكمال، رسالة تطالب الناس فيها «بتخضيب  أيادي وأرجل الأطفال الصغار بالحناء، ووضع تمائم على جباههم وحول أعناقهم، والدعاء على “كورونا” بالهلاك العاجل، من أجل دفع البلاء ورفع هذه المحنة عنهم»، وفق زعمها.

 

الحاجة للإمان

يقول “مساعد العلي”، أستاذ علم نفس في “جامعة الفرات”، إن «اللجوء إلى السحرة والمشعوذين في أوقات المحن عادة منتشرة بين شرائح عديدة من المجتمع، بحثاً عن الطمأنينة والأمان، بالتزامن مع شعور الخوف من عدم إيجاد علاج طبي لهذا المرض إلى الآن».

ونادى “العلي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، بضرورة «تكثيف العمل التوعوي لمحاربة كل مظاهر الدجل والشعوذة»، مشدداً على «أهمية التعامل مع جائحة كورونا بمنطلق علمي».

ونبّه إلى ضرورة «عدم الانسياق وراء أوهام السحرة والدجالين، والتي قد تؤدي إلى نتائج سلبية، تودي بحياة من يتبعها»، وفق تعبيره.

 

 الأرياف النائية بيئة خصبة للدجالين

أكدت مصادر متطابقة من المنطقة الشرقية لـ«الحل نت» أن «المشعوذين والدجالين يفضّلون العمل في بيئة آمنة لهم، وتشكل القرى والبلدات النائية في أطراف المدن مكاناً مفضلاً لسكن وعمل معظمهم، منفردين بضحاياهم بعيداً عن الأنظار، كما يعملون على نشر أرقام هواتفهم، عن طريق بعض الزبائن، وخاصة النساء، للمزيد من التواصل وتوسيع رقعة أعمالهم وخدماتهم، ما يعود عليهم بمردود مادي كبير». 

ولا يقتصر التعامل مع هؤلاء على عامة الناس فحسب، بل إن بعض المسؤولين والنافذين في المناطق المذكورة، يترددون إليهم أيضاً، طلباً لخدماتهم، كما يستدعونهم إلى أماكن خاصة، بعيداً عن الناس، مقابل مبالغ مالية كبيرة، وفقاً للمصادر ذاتها.

 

 رجال الدين على خط الكورونا وأوهام الانتقام الآلهي

دخل رجال دين مسلمون من المذهبين  السني والشيعي على الخط أيضاً، فزعم بعضهم أن الفايروس لا يصيب المؤمنين، فهم محصنون الأوبئة، كما عليهم أن لا يتلقوا علاجاً مصدره أميركا أو إسرائيل مثلاً.

واشتُهرت تغريدة لرجل الدين والزعيم السياسي العراقي “مقتدى الصدر”،  أثارت الكثير من الجدل حينها، جاء فيها: «استوقفني قول الرئيس الأمريكي #ترامب إنه يقوم بعمل عظيم ضد فيروس “كورونا”، والوضع كان سيصبح أسوأ لولا تدخله»، وأضاف: «يا ترامب! أنت وأمثالك متهمون بنشر هذا المرض، ولاسيما أن أغلب من يعاني منه هم معارضون لأميركا».

وتابع الصدر أنه «لا يريد أي دواء من ترامب لأنه “ملحد”»، مشيراً إلى أنه وأنصاره «يلجؤون لله في العلاج من الأمراض».

لا يختلف هذا كثيراً عن موقف رجل الدين السلفي السوري “عبد الرزاق المهدي”، الذي قال في إحدى خطب الجمعة، أمام مئات المصلين، إن «الله سلّط فيروس “كورونا” على “الملاحدة الشيوعيين البوذيين”، بسبب اضطهادهم للمسلمين في “تركستان”، وأن الفيروس جندي من جنود الله»، وفق قوله.

ولم يكتف “المهدي” بذلك، بل أفتى أيضاً بجواز أن يفرح المسلمون لموت الصينين، بسبب فيروس “كورونا”.

وقال في تسجيل صوتي، نشره على قناة “فتاوى من أرض الشام”، على موقع “تليغرام”، رداً على سؤال أحد المشاركين: «نعم، نفرح، وندعوا عليهم بالهلاك»، واصفاً إياهم بـ«أعداء الله»، بحسب ما نشره موقع “الحرة”.

 

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.