من غير المنطقي تقييم عمل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أو محاسبته على إخفاق محدد أو طريقة إدارته للملفات التي وعد بتحقيقها للعراقيين الذين يرفضونه أصلاً، هو وحكومته، لا سيما وأنه لم يكمل الشهر في ولايته المؤقتة، ولا مانع في الانتظار الذي نجيده أكثر من كل شعوب المنطقة، لأشهر مقبلة، ولكن ما يُثير حقاً في الكاظمي وتشكيلته، حجم التطمينات منذ توليه المنصب، وإغداقه المهول بالوعود الصعبة.

بعيداً عن الانتخابات المبكرة التي لا تزال بحاجة إلى جلسات برلمانية وحديث قضائي وإجراءات من المفوضية المختصة بشؤونها، فضلاً عن حاجتها لدورة زيارات مكوكية لوفود أممية، يتورط الكاظمي باختبار عويص، لا نعرف كيف سينجح فيه مع وجود معرقلات اقتصادية كثيرة، حيث ضمان استمرار رواتب الموظفين والمتقاعدين، التي لم ينته الحديث عنها إعلامياً، هذا الاختبار ليس بسهولة زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي ولا مواجهة “أبو فدك”، وهو أكبر من تطمين عبر بيان صحافي، وأعقد من عقد جلسة برلمانية أو حوارٍ بين حزبين.

كانت أولى تعليقات الكاظمي عقب منحه الثقة في البرلمان العراقي، أنه طمأن الموظفين والمتقاعدين بأن رواتبهم ستستمر، وكان تطميناً ممتازاً، ولكن سرعان ما انتهت مشاعر الحبور عند العراقيين، بالتعليق الأخير الذي لم يكن بمثل ذلك السرور.

موضوعٌ ذات صلة:

ماذا يقرأ الكاظمي وكيف يفكّر؟

الكاظمي وجد الوقت لكتابة مقالة قال فيها إنه حين بلغ الحكم «وجد خزينة العراق شبه خاوية»، كما ذكر أن «على الحكومة البحث في كل الاتجاهات لإيجاد مصادر عاجلة لتسديد الرواتب»، كان الكاظمي ـ رئيس الحكومة ـ يخاطب الحكومة.

لا نعرف لماذا توجه الكاظمي إلى الكتابة بدل الظهور المتلفز مثل عقد مؤتمر صحافي، يواجه فيه حكومة عادل عبدالمهدي ويتهمها بضياع أموال العراق، وهي فرصة نرى من خلالها تعابير وجهه المثيرة في مثل هذه المشكلة.

على الأغلب، قد يستمر الكاظمي بالكتابة عن الأخبار المفزعة، إنه مهربٌ جيد لصحافي واظب على الكتابة في السابق، كما أن المقالة تجنبه المهاترات التلفزيونية مع خصومه، وقد نشهد حرباً مقالاتية في المستقبل.

بالنظر إلى تطمينٍ ثان، نجد «حصر السلاح بيد الدولة»، المقولة الأساسية التي لابد أن يقولها كل رئيس وزراء يُسلّط على العراقيين، استخدمها الكاظمي أيضاً، وكان يبدو جاداً في أول ظهورٍ له لقراءة مشاريعه في الحكومة المؤقتة، وقال يومها إن هذا الملف من أولويات حكومته.

ولكن منذ أكثر من أربعة أيام تشتعل البصرة بنيران نزاع عشائري بين عشيريتين كبيرتين، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، كما أن بعض الشوارع أغلقت، وقرى تحوّلت إلى مناطق معزولة عن العالم.

أما «السيادة الوطنية» التي وصفها بـ«الخط الأحمر» في خطابٍ سابق، وأكد أنه «ليس بالإمكان المباشرة بأي خطوة جادة من دون الشروع بما يعيد للدولة هيبتها وبسط سيادتها»، انتكست هي الأخرى، بعد أسبوعين من توليه المنصب، بهجوم صاروخي على المنطقة الخضراء كان يقصد السفارة البريطانية.

موضوعٌ قَدْ يهمّك:

نأسَف.. لم نكتب عن “ملاك” وأخواتها

الصاروخ الذي سقط في محيط السفارة، كان يتحدى بقوة خطابات الرئيس وحكومته الجديدة، ومع أن الكاظمي وبكل تأكيد يعرف الجهات التي تطلق صواريخها على السيادة إلا أنه لم يثأر لشيء حتى بعد مرور أكثر من /72/ ساعة، لا يعني هذا غير أن الكاظمي كاتب مقالات جيد.

«لم ولن أصدر أي أمر بإطلاق الرصاص ضد أي متظاهر سلمي، ومن يقوم بذلك سيقدم إلى العدالة»، هذا ما كتبه الكاظمي في مقالته، ووعد قبل ذلك بتصفير السجون من المتظاهرين الذين اعتقلتهم قوات الأمن، كما وعد بفتح ملفات المختطفين منهم والمغيبين، ولكن يؤكد ناشطون أن ما من محتجٍ معتقل خرج من سجون الدولة، كما أن علي جاسب ومازن لطيف وتوفيق التميمي لا يزالون مختفين.

لو أننا في 2010 لتقبلنا هذه التطمينات، لأننا في السابق كنّا نقبل بأي كلام ونصدق، ولكن في المرحلة الحالية، الكل يراقب ولعل أبرز المراقبين وأخطرهم أؤلئك الذين يُعسكرون في ساحات الاحتجاجات منذ سبعة أشهر.

حملت مقالة الكاظمي الأخيرة عنوان «العراق أكبر من التحديات»، وركزت على أن «العراق يواجه تحديات تتطلب من الجميع التكاتف لتذليلها»، ويخشى العراقيون أن تتحول حكومة الكاظمي إلى غرفة لكتابة وتحرير المقالات والتطمينات العاطفية التي لا تُطمئن.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.