أشباح الانهيار الاقتصادي وعودة الإرهاب: “قانون قيصر” امتحان جديد للإدارة الذاتية

أشباح الانهيار الاقتصادي وعودة الإرهاب: “قانون قيصر” امتحان جديد للإدارة الذاتية

خمسة وعشرون ألف ليرة سورية (حوالي خمسة عشر دولاراً أميركياً) هي قيمة المكافأة المالية التي صرفتها #الإدارة_الذاتية في شمال وشرق سوريا لموظفيها بمناسبة عيد الفطر. مكافأة متدنية القيمة مقارنة بسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، والذي تجاوز 1500 ليرة للدولار الواحد، ويترتب على ذلك، مثل العادة، ارتفاع أسعار مختلف أنواع البضائع، ما يثقل كاهل سكان هذه المناطق، الذين يعانون أساساً من ضعف قدرتهم الشرائية، نتيجة تدني متوسط دخلهم، ما يُوقِعُ معظمهم تحت خط الفقر العالمي أو يكاد.

يأتي هذا الارتفاع مع قرب البدء بتطبيق “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” في حزيران/يونيو المقبل، ليضاف إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، والتي زادت بدرجة كبيرة منذ أواخر العام المنصرم، وبلغت أوجها أثناء جائحة #كورونا منذ آذار/مارس الماضي.

وتنصّ بعض بنود “قيصر” على فرض عقوبات على الرئيس السوري “بشار الأسد” ومعاونيه، إضافة إلى من يموّله من أفراد وشركات، كما يفرض عقوبات على الصيانة العسكرية وقطاع الطاقة.

 

التأثير السياسي لـ”قيصر” في مناطق “الإدارة”

كَثُرَ الجدل مؤخراً في الأوساط السياسية والاقتصادية بشمال وشرق سوريا حول ما إذا كان قانون “قيصر” سيُطبق في مناطق “الإدارة الذاتية” أم لا. يقول الدكتور “عبد الكريم عمر”، الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية لـ”الإدارة الذاتية”، لموقع «الحل نت» إن «العقوبات الاقتصادية تستهدف #الحكومة_السورية، إلا أن سوريا كلها معنية بها، ولا يوجد أي استثناء حتى الآن للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، بما فيها مناطق “الإدارة الذاتية”».

ونقلت وسائل إعلام مقرّبة من “الإدارة الذاتية” عن “وليام روباك”، السفير الأميركي لمناطق شمال وشرق سوريا، قوله إن «عقوبات “قيصر” لن تستهدف مناطق شمال وشرق سوريا». إلا أنّه لم يوضّح كيفية استثناء هذه المناطق من هذه العقوبات.

وعلى الرغم من ذلك، تبقى تداعيات تطبيق هذا القانون سلبية على المنطقة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل من الناحية الأمنية أيضاً، بحسب “عمر”، الذي يتوقع أن يصبح الوضع أكثر سوءاً مما هو عليه الآن، وخاصة في مناطق سيطرة تنظيم #داعش السابقة. يقول “عمر”: «الوضع الاقتصادي السيء، وتوقف مشاريع التنمية، سيعطي فرصة كبيرة لـ”داعش” للظهور مجدداً في تلك المناطق».

لكنه استدرك بالقول إن «النقاش ما زال مستمراً مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي»، مع تأكيده على تلقي وعود بأخذ هواجس “الإدارة الذاتية” بعين الاعتبار.

الغموض الذي يلفّ مصير المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، سواءً بشكلٍ كلي أو جزئي، أحد المواضيع الأكثر إثارة للجدل في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، بسبب التداخل التجاري بين هذه المناطق، وهو ما ذهب إليه “وليد جولي”، المحلل السياسي ومسؤول العلاقات في “مركز الفرات للدراسات”، الذي يرى أن القانون لن يطبق في مناطق “الإدارة الذاتية” طالما أنها تحت النفوذ الأميركي، ويضيف: «الحكومة السورية قامت بتمييع مسارات الحل السياسي للأزمة السورية في كل من  جنيف وأستانة، لذا لا بد من الضغط عليها، وإجبارها على المضي قدماً للوصول لحل سياسي».

إلا أنه لا يستبعد التأثير غير المباشر للقانون على مناطق شمال وشرقي سوريا، لوجود علاقات اقتصادية بينها وبين مناطق الحكومة السورية، ويشير إلى ما وصفه بـ”تواطؤ روسي” مع أميركا في تطبيق هذا القانون، لرغبة الأولى في إحداث بعض التغييرات في بنية النظام الحاكم. «تصريح “جيمس جيفري”، المبعوث الأميركي إلى سوريا، منذ أيام، بضرورة مغادرة كافة القوات الأجنبية لسوريا عدا #روسيا، ما هو إلا دليل على وجود اتفاق ضمني ما، بين أميركا وروسيا، يهدف إلى ممارسة الضغط، لدفع عجلة الحل السياسي نحو الأمام بالنسبة لأميركا، وإحداث تغيير ما في بنية النظام الحاكم بالنسبة لروسيا»، يضيف “جولي”.

 

تأثير “قيصر” الاقتصادي

بلغ فائض ميزانية “الإدارة الذاتية” لعام 2019 أكثر من ملياري ليرة سورية، وفق التقرير المالي السنوي لهيئتها المالية. فائضٌ قد يتراجع ليصبح عجزاً هذا العام، نتيجة الخسارة الاقتصادية المتوقعة مع بدء تداعيات تطبيق قانون “قيصر”. ويؤكد الباحث الاقتصادي “جلنك عمر” لموقع «الحل نت» حتمية التأثير السلبي لتطبيق القانون على هذه المناطق، سواء استثنيت منه أم لا، وذلك «لكونها تتعامل بالليرة السورية، ولأن البنك المركز السوري مشمول بهذه العقوبات». ويتوقع “عمر” حصول شلل في الحركة التجارية مع ارتفاع الأسعار، الذي يرافقه انخفاض كبير في القدرة الشرائية للسكان.

من جهته يعتقد “كادار نعمة الله”، صاحب محل لبيع الإلكترونيات في مدينة #القامشلي، أن تأثير “قيصر” لن يكون سلبياً بشكل كبير في المنطقة كما المناطق السورية الأخرى، لأن «معظم البضائع ترد إلى مناطقنا من إقليم #كردستان_العراق، وإن استيراد البضائع من #دمشق متوقف تقريباً منذ بدء أزمة “كورونا”».

 

بدائل “الإدارة الذاتية”

دعت “الإدارة الذاتية” منذ أيام، عبر بيان موجه للمجتمع الدولي، لإعادة النظر في العقوبات، لتفادي تضرّر ما وصفتها بـ«مناطق مكافحة الإرهاب» منها (في إشارة إلى مناطق “الإدارة الذاتية”)،. مؤكدةً على تأثر مختلف القطاعات بشكل سلبي «كون التعاملات مع الداخل السوري قائمة»، ما يُفسَّر بأنه طلب ضمني بالسماح باستمرار هذه التعاملات أثناء تنفيذ القانون.

يؤكد الدكتور “عبد الكريم عمر” أن «”الإدارة الذاتية” بصدد اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية على المنطقة وفق إمكاناتها المتوفرة».

بينما يرى “وليد جولي” أن «الحوارات الكُردية-الكُردية الجارية حالياً، وفق مبادرة القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” #مظلوم_عبدي، قد تشكّل فرصة لـ”الإدارة الذاتية” لإيجاد تحالفات سياسية جديدة، خاصة وأن الحوار مدعوم من حكومة إقليم كُردستان العراق».

ويضيف “جولي”: «الربط بين “هولير” و”القامشلي”، عبر المبادرة المطروحة حالياً، ربما يكون بداية لحل سياسي يدعم مسار “قيصر”، ولهذا السبب فإن #تركيا تمارس ضغوطها على حكومة الإقليم، بهدف خنق المنطقة اقتصادياً».

في حين يقترح “جلنك عمر” على “الإدارة” «اتخاذ جملة من التدابير الداخلية والخارجية: داخلية من شأنها تحسين القدرة الشرائية للسكان، وضبط الأسعار، وتطوير مشاريع الاكتفاء الذاتي، لتقليل درجة الاعتماد على الخارج. وخارجية من خلال طلب الدعم المادي المباشر من #التحالف_الدولي والدول الغربية، أو بشكل غير مباشر عبر زيادة دعم المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، والاستمرار في جهود دعم الاستقرار، وخاصة في المناطق التي حُرّرت من “داعش”».

بكل الأحوال يبدو أن المنطقة مُقْدِمة على مرحلة أكثر تعقيداً من سابقاتها، إذ يضاف إلى الحرب الدائرة منذ ما يزيد عن تسع سنوات، أزمة “كورونا” بتبعاتها السلبية المختلفة، وعلى رأسها الاقتصادية، ليأتي “قانون قيصر”، منذراً بتعميق الأزمة الاقتصادية ومعها السياسية، فاتحاً آفاقاً لا يلوّح فيها سوى المجهول.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.