من بينِ  (17.985) جهاز تطبيق قانون مُستقل  يمارس الاعتقال في الولايات المتحدة، فقط ٦٥  منها هي فيدرالية مثل FBI، والشرطة السرية الخاصة بحماية الرئيس، أما أجهزة تطبيق القانون والشرطة الباقية؛ فغالبها محلي تتبع لبلدات، مدن، مقاطعات أو ولايات مثل جهاز شرطة مدينة (مينيابوليس) الذي اشتهر مؤخراً بعد إقدام أحد عناصره على قتلِ (جورج فلويد).

أجهزة الشرطة المحلية لا تتبع للمركز في واشنطن، بل تخضع لمجالس المدن المحلية التي تعمل ضمن حدودها، حيث يمنع على الأجهزة الفيدرالية المرتبطة بالمركز، التدخل بتطبيق القوانين، إن لم تكن الجرائم المرتكبة فيدرالية؛ تتضمن عدة ولايات ولا تأتمر أجهزة الشرطة المحلية من أية سلطة فيدرالية أيّاً كان مركزها حتى لو كان البيت الأبيض.

الحديث عن عنصرية رجال الشرطة بشكلٍ مُطلق؛ هو أمرٌ يماري الحقيقة، رغم ذلك لا يمكن إنكار وجود علاقة معقّدة بين المجتمع الأميركي الأفريقي، وبين أجهزة الشرطة المختلفة، خاصةً إن عرفنا أن نسبة الأميركيين الأفريقيين هي الأعلى من بين السجناء في أميركا ٣٧% بينما نسبتهم من عدد السكان في أميركا هي ١٢٪.

لكن نسبة الجريمة العالية في المجتمع الأسود الأميركي، لا تأتِ من فراغ، رغم كل قوانين الإصلاح التي حصلت في الولايات المتحدة منذ إلغاء العبودية عام ١٨٦٥، انتهاءً بإلغاء الفصل العنصري كلياً مع نهاية الستينيات، والعديد من القوانين المعروفة “بالتمييز الإيجابي” لكن العنصرية ضد السود الأميركيين؛ لاتزال تستمد آثارها من تلك الحقبات التي استُعبِد فيها السود، ومُنِعوا من الاختلاط بالبيض.

النظام الرأسمالي الأميركي، سواء في رفضه فكرة دولة الرفاهية “welfare state” التي تعمل على تأمين الاحتياجات الصحية والسكنية والمعاشية لغير القادرين على العمل كما في السويد، وألمانيا، أو نظرة نظرته للسجون على أنها أماكن للعقاب وليست إصلاحيات، والنظام التعليمي العام الذي يمول بغالبه من دافعي الضرائب المحليين، ما يخلق هوة كبيرة بين المدارس في الأحياء الفقيرة والغنية بسبب الفرق الكبير في الإيرادات الضريبية التي تموّل هذه المدارس، كل ذلك أدى إلى تفشي الجهل، الأمراض، والجريمة ضمن المجتمع الأفريقي الأميركي وتصاعده أكثر من المجتمعات العرقية الأخرى في أميركا.

الدستور الأميركي يجرم العنصرية، والإصلاحات التي حصلت في أميركا مكّنت شخصاً مثل “أوباما” وهو من أصول كينية أفريقية، أن يكون واحداً من أقوى الرؤساء الأميركيين وأكثرهم احتراماً بين أبناء الشعب الأميركي.

مشكلة  السود في أميركا ليست مع الماضي المعادي والمستعبد لهم وحسب، فكل الإمبراطوريات بما فيها العربية، قامت باستعباد الإنسان الأسود واستخدامه في بناء حضاراتها، المشكلة في أميركا هي في الفلسفة الرأسمالية التي تمنع الدولة من إنفاق الأموال على الأشخاص الأقل حظاً ولا يوجد فيها مَنْ هم أقل حظاً من السود.

هذه العوامل مجتمعةً، عزّزت عند كثير من الأميركيين، بمن فيهم رجال الشرطة، صورةً نمطية عن الإنسان الأسود تُظهره كشخصٍ كسول، لا يحب العمل، جاهل، يتعاطى المخدرات، عنيف، ومشروع مجرم، ففي كثير من الحالات تجد الشرطي يُسرع لإشهار سلاحه في وجه شخصٍ أسود ارتكب مخالفة صغيرة، وذلك لاعتقاد الشرطي أن كل أسود هو بالضرورة مُسلّح.

أمام هذه التعقيدات، لا يمكن للحركة الاحتجاجية في أميركا أن تحل قضية السود عبر الاحتجاج وحسب، خاصة  أن الدول الديمقراطية تعوّدت أن تحل مشاكلها عبر صناديق الاقتراع، لكن الحراك سينجح إن تحوّل لحركةٍ منظمة تعمل على  تشجيع المجتمع الأفريقي الأميركي على التصويت في كل الاستحقاقات الأميركية، تنظيم أنفسهم كجماعات ضغط مثل جماعات الضغط العرقية الناجحة في أميركا (اليهودية، اليونانية، والأرمنية) العمل على تحصيل تعويضاتٍ على سنين الاضطهاد والعبودية بهدف تطوير القطاعات التعليمية في المناطق ذات الغالبية السوداء، وتستخدم كمنح دراسية يستطيع فيها الأفريقيون الأميركيين أن يتعلّموا مجاناً.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.