لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد العمّال العراقيين، وتحديداً المياوين، الذين يعتمدون على الأجر اليومي في تمشية أمورهم الحياتية، مثل عمّال المطاعم والنظافة وسائقي سيارات الأجرة والبائعين الجوالين، وبالرغم من أنهم يمثلون شريحة واسعة، إلا أن الحكومة العراقية لا تعرف أي شيء عن جوعهم الحالي.

منذ ثلاثة أشهر تقريباً، أصدرت الحكومة العراقية سلسلة من القرارات والوصايا لمكافحة “كورونا”، مثل حظر التجوال الكلي ثم الجزئي والعودة إلى الشامل مرة أخرى، وقطع الشوارع وحملات المنع والملاحقة والاعتقال والتغريم، كل ذلك من أجل السيطرة على الجائحة، ولم تنجح في تطبيق أي من قراراتها.

الوباء يتمدد في العراق، وعدّاد الإصابات يتصاعد يوماً بعد ثانٍ، وباتت أعداد المتوفين مفجعة، بعد أن كان الأمل معقوداً على الصيف وأنه قد يكون النهاية الحتمية للفيروس، ولا سيما أن الأيام الأولى من شهري حزيران وتموز، حيث تقترب درجات الحرارة إلى نصف درجة الغليان، ولكن يبدو لا أمل في انتهاء الجائحة.

إلى جانب تمدد الوباء، هناك الجوع، يتمدد هو الآخر، بل تتصاعد مخاطره بين شريحة المياوين، بل صار الجوع يُهدد أصحاب المحال التجارية والمقاهي ودور النشر وغيرهم، بات الجميع مهدّدا، ويبدو أن الموظفين سيلتحقون قريباً بدائرة الخطر، خصوصاً مع التوجه الحكومي الأخير باستقطاع مبالغ من رواتبهم بسبب الأزمة المالية في بلاد الرافدين الغنية بالثروات والنفط.

في المنطقة الخضراء، لا تفرز اجتماعات المختصين بالشأن الصحي والبرلمانيين والمسؤولين غير ذات القرارات السقيمة، وفق خاصية “النسخ واللصق”، ومنذ بدء الأزمة تعمل على ترسيخ فكرة حظر التجوال الشامل، وكأن الاختباء من الفيروس هو علاج لقتله، أو أنه عملية عسكرية سرية للإطاحة به ومن يقف خلفه.

لا يمكن إنكار أن منع التجمعات طريقة ناجحة لتقليل أعداد المصابين، ولكن بالتأكيد هي ليست طريقة لإنهاء خطر الوباء، والفيروس لا ينتهي بحملات اعتقال المخالفين لحظر التجوال، وغالبيتهم من المياومين والجوعى.

تظن العقلية الحاكمة في العراق، أن مداهمة قوات الأمن لمجالس الشبّان بالقرب من منازلهم يحد من انتشار الفيروس، كما أنها تعتقد أن إغلاق محال الملابس طريقة جيدة لإنهاء الفيروس وطرده من حدود بلادنا، وتظن أن محاصرة مصالح الناس ومنعها آلية ذكية لمنع انتشار الجائحة، ربما هي كذلك، ولكن ماذا عن جائحة الجوع؟

المشكلة في العراق، أن صاحب القرار لا يملك أي خيار غير اللجوء إلى القوة العسكرية، وكأن كل المخاطر تموت مثل “داعش”، بالسلاح والرصاص، دون الانتباه إلى أن “كورونا” لا يمكن قتاله بالسلاح، والمشكلة الثانية، هي أن صاحب القرار لا يعرف أي شيء عن الجوع.

صاحب القرار المؤمن بالسلاح، لا يعرف أن العراقيين لا يؤمنون بالدولة ولا النظام منذ عام 2003، بل أنهم لا يحترمون أي من قراراتها، وبما أن لا إيمان بالدولة فلا إيمان بالحظر الذي تفرضه هذه الدولة.

قالت حكومتنا إنها ستراعي المتضررين كثيراً من فيروس “كورونا” ولا سيما الذين توقفت أشغالهم ومصالحهم ولازموا منازلهم، وأن منحة مالية ستصلهم على شكل دفعات شهرية، وكل دفعة بقيمة 30 ألف دينار العراق، أي بما يعادل 25 دولاراً أميركياً، وطريقة الاستلام تكون عبر استلام رسالة نصية عبر الهاتف، ولا نعرف ما يمكن أن يشتري الجائع بهذه الدنانير.

في دول أوروبا التي لم تعلن الانتصار على الفيروس، باتت إجراءات الوقاية أقل تشديداً، حيث تمنع السلطات في العالم الأول كبار السن والأطفال من الخروج، كما أنها توصي بارتداء الكمامات والقفازات، وعادت الحياة إلى طبيعتها وعاد العمّال إلى أعمالهم وإلى أجورهم اليومية وتجاوزوا الجوع.

في العراق، نستمر بحظر التجوال الشامل بحسب بيانات الحكومة، وغير الشامل شكلاً ومضموناً عند العراقيين الذين لا يجدون كمامات وقفازات في الصيدليات، والذين باتوا يشعرون أن بلدهم يضيق عليهم يوماً بعد آخر، والجوع يأكل من أجسادهم، والسلاح فوق رؤوسهم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.